تعويم الجنيه.. القرار الخطأ في الوقت الصعب

3

في قرار انبطاحي أمام شروط صندوق النقد الدولي، وبعد عجز غير مسبوق في العملات الأجنبية وتوقف روافد العملات الصعبة من السياحة وتحويلات المصريين بالخارج وانهيار الصادرات وتوقف الإنتاج.. أعلن البنك المركزي المصري، اليوم الخميس، عن تعويم سعر الجنيه، وترك حرية تحديد سعره للمصارف، في خطوة تهدف إلى مواجهة القضاء على السوق السوداء، والتعجيل بموافقة صندوق النقد الدولي على صرف قرض لمصر بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 أعوام.

وقال المركزي المصري، في بيان، إنه “قرر اتخاذ عدة إجراءات لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي من خلال تحرير أسعار الصرف لإعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي بهدف استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء تماما السوق الموازية للنقد الأجنبي”.

وسمح البنك للمصارف بصرف العملة المحلية بما بين 12.70 جنيهًا و14.30 جنيهًا للدولار الواحد، مشيرًا إلى أن هذا النطاق مؤقت إلى حين طرح عطاء استثنائي بالدولار.

كما طرح “المركزي” عطاءً استثنائيًّا بالدولار، بسعر 13 جنيهًا للدولار الواحد، بقيمة 4 مليارات دولار، وقام البنك المركزي بفرَض قيود على تحركات الأموال، مع احتفاظه بسعر صرف رسمي قوي بشكل مصطنع للعملة.

وتنتظر مصر موافقة صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 أعوام. وفي المقابل، يجب على مصر تنفيذ إصلاحات اقتصادية، من بينها خفض قيمة الجنيه وتقليص الدعم.

وتحاول حكومة الانقلاب زيادة احتياطيها من النقد الأجنبي البالغ حاليا 19.5 مليار دولار، مقابل 36 مليار دولار في 2011.
معنى التعويم
تعويم الجنيه.. يعنى أن يتم ترك السعر فى السوق الرسمية بالبنوك العاملة فى السوق المحلية، ليتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب -قوى السوق-، كمثال المستوى الحالى للسعر فى السوق السوداء والذى يصل إلى 13.6 جنيهًا للدولار وهو ناتج عن تفاعل العرض والطلب إلى جانب جزء من المضاربات – ، ولا يتدخل البنك المركزى فى تحديد السعر، فى حين يعنى “التعويم المدار” أن يتم خفض عنيف لمستوى السوق السوداء، ثم بعدها يتدخل البنك المركزى فى السعر جزئيًا ، ويحدث ذلك فى الغالب عندما تكون هناك مقدمات لأزمة مالية كبيرة تعصف باقتصاد الدولة، وربما تجبرها على الإفلاس.

للتعويم نوعان.. الأول ما يعرف “بالتعويم الحر” أى ترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن حسب قوى السوق، ويقتصر تدخل السلطات النقدية -البنك المركزى- على التأثير فى سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير.

والنوع الثانى من التعويم هو التعويم المدار ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب، مع لجوء البنك المركزى إلى التدخل كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، استجابة لمجموعة من المؤشرات؛ مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب فى سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة.

مخاطر التعويم
يضر بالواردات بشدة لأن المستورد سوف يضطر إلى دفع مبلغ أكبر من الجنيهات لتحويله إلى دولارات من أجل الاستيراد، فإذا كان يستورد على سبيل المثال بمبلغ مليون دولار، فمن ثم كان يدفع فى السابق 9 ملايين جنيه تقريبًا، إلا أنه الآن بعد هذا التخفيض مضطر إلى دفع مبلغ 10 ملايين جنيه (إذا كانت قيمة التخفيض جنيهاً) ومن ثم ارتفع المبلغ بمقدار مليون جنيه ليحصل على مليون دولار، وهو ما يتحمله المستهلك.

ويترتب على تخفيض قيمة الجنيه ارتفاع الدين الخارجى للدولة لأنها سوف تضطر إلى دفع مبلغ أكبر من ذى قبل حتى تتم مبادلته بالدولار من أجل سداد الديون أو خدمة الدين، فإذا كانت الدولة مدينة بمبلغ مليار دولار على سبيل المثال، والذى يعادل نحو 9 مليارات جنيه، يصبح بعد التخفيض (لو كان جنيهًا مثلاً) 10 مليارات جنيه.

لو قلنا إن قيمة الجنيه انخفضت بنسبة 15% فإن القوة الشرائية للجنيه انخفضت بالقيمة نفسها مرة واحدة، وهو ما يتجاوز ما يفعله معدل التضخم فى عام كامل، ومن ثم تآكلت قيمة المدخرات بالنسبة تفسها دفعة واحدة

فمن كان يملك مبلغ ألف جنيه مثلاً أصبحت القيمة الحقيقية لهذا المبلغ حال خفض قيمة الجنيه نحو 855 جنيهًا تقريبًا، ونقيس على ذلك الفوائد على الإيداعات سواء فى البنوك أو المشروعات القومية المختلفة، وكذلك الرواتب بالجنيه المصرى.
إيجابيات غير محققة
وأكاديميا، تخفيض قيمة الجنيه يأتى بالفائدة على الصادرات لأنه يعزز قدرتها التنافسية فى جانب الأسعار وكذلك يشكل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية.

إلا أن واقع الاقتصاد المصري وتوقف الإنتاج وسيادة الفساد وغياب الشفافية وسيطرة العسكر على المناقصات والمشروعات وهروب الاستثمارات الأجنبية، تحول بين استفادة الاقتصاد المصري.

ويبقى ارتفاع الأسعار في ظل تراجع قيمة الجنيه، هو الضرر الأكبر على المواطن، الذي يواجه تحديات التوظيف والفقر وقانون الخدمة المدنية الذي يهدد استقراره الوظيفي بعد تصديق قائد الانقلاب على القانون، أمس.

تاريخ مصر مع تعويم الجنيه
وكان أول تعويم حقيقي للجنيه، قام به الرئيس محمد أنور السادات، عندما سمح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء حقبة الاقتراض من الغرب، التي تحولت بعد ذلك لما يسمى بـ”ديون نادى باريس”, لكن مع عدم قدرة السادات على تحرير الموازنة العامة “سنة 1977″ وعدم استمرار تدفق استثمارات الخليج والضعف الاقتصادى العام في الثمانينيات حدثت أزمات الدولار مرة أخرى, وتحرك الدولار رسميًّا من 1.25 جنيه إلى حوالي 2.5، مما أدى لإفلاس كثيرين, حيث كان القطاع الخاص المصرى يقترض بالدولار من البنوك ويعمل بالجنيه”.

وفي 29 يناير 2003، أعلن رئيس الوزراء حينها الدكتور عاطف عبيد ذلك، مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50%، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 3.70 جنيهات إلى 5.35 جنيهات.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...