لست بعيدًا عن الخطر يا عزيزى .. بقلم : عامر شماخ

30_03_16_09_13_عامر شماخزميل دراسة قديم، من الذين أعتز بصداقتهم؛ به صفات وأخلاق رائعة، لكن يعيبه انصرافه عن التفكير فى الشأن العام أو الانشغال به، دائرته الاجتماعية لا تزيد على محيط عمله وأهل بيته..

هذا الصديق دائم الاتصال والالتقاء بى، وأعترف أنى فشلت فى تغييره، والانتقال به من حالة البحث عن (مستقبل الأولاد) والاحتفاء بمناسباتهم وأعيادهم وكفى، إلى حالة الاهتمام بمستقبل الوطن الذى هو -فى الحقيقة- مستقبل الأولاد والأحفاد وأحفاد الأحفاد..

وبعد انقطاع استمر لأشهر -على غير العادة- زارنى صديقى، وهو فى حالة يرثى لها، من الضيق والإحباط، بل (التوهان) على غير طبيعته المرحة الساخرة..

– مالك يا (س)؟!
– همٌ ركبنى، وحالة من الاكتئاب الذى لا يفارقنى.

– اللهم سلّم، ولم؟!
– أغلقت شركتى منذ عدة أشهر، وأجلس الآن منتظرًا معونة إخوتى وأصهارى فى نهاية كل شهر. ولماذا لم تتمهل فى عملية الغلق حتى تتحسن الأحوال؟.. أحوال تتحسن؟! هذا الكلام لا يقوله مثلك.

ثم بدأ صديقى فى (الفضفضة) التى لا تخلو من انفعالات وحزن عميق، وقلق جعله يبدو شخصًا آخر غير الذى أعرفه، ومن بين ما قاله إن شقيقًا له كان داعمًا لمشروعه الذى أغلق، يعمل هذا الشقيق فى مجال السياحة بشرم الشيخ، وقد أغلق المكان الذى كان يعمل فيه مدير إدارة، فتوقف دعمه، بل صار حال هذا الشقيق أسوأ من حال صاحبنا؛ إذ إن ابنين من أبنائه يدرسان فى جامعة خاصة، وقد باع هذا العام سيارته لسداد أقساط الجامعة، ولا يدرى ماذا يفعل حتى يتخرجا.
– هون عليك يا فلان، سوف تنفرج بإذن الله.

– كيف يكون ذلك؟
– بالتخلص من السلبية يا عزيزى، وبعدم النظر تحت قدميك، بل بالنظر إلى آفاق أرحب، يكون ذلك كذلك عندما تكون حرًا طليقًا، بعيدًا عن أسر أسرتك الصغيرة التى قيدتك مصالحها المحدودة، وبعدم الانعزال بحجة الابتعاد عن مصادر الخطر، وقد رأيت يا حبيبى أن الخطر نفسه فيما كنت تفعله؛ بظنك أن المجرمين لن يصلوا إليك ما دمت (فى حالك)، (ماشى جنب الحيط)، تذكر كم مرة نصحتك يا فلان بألا تكون (إمعة)، تذكر يوم كذا ويوم كذا كم نبهتك إلى خطر صمتك، وأن داء قاتلا يسرى الآن فى المجتمع ولا يدرك خطره إلا قلة، وقد أدوا ما عليهم؛ نصحوا، وعظوا، صرخوا.. ولا مجيب!!، أتذكر كل هذا يا فلان؟!

– أذكر!! لكن ماذا أفعل؟!
– لنطالب جميعًا بحقنا فى حياة كريمة، مثل باقى البشر، بل مثل الذين سرقوا قوتنا وأطعموه أولادهم وأحفادهم، لنطالب بالعدل، لنتبين أين يكون الحق، ومن الجانى، ومن المجنى عليه.

– لكن هذا أمر يحتاج إلى وقت كى يؤتى ثمرته؟
– نعم، وهذا ما استصعبته أنت من ذى قبل، ألا ترى يا صديقى أن الطبيب يلجأ إلى الدواء، وهو مرٌ ومكلّف؛ لأجل التخلص من المرض ووقاية الجسد منه؟

ألا ترى الجراح يبتر العضو لأجل إحياء بقية الأعضاء، رغم ما يترك من آثار فى نفسية وقدرات المريض. يا عزيزى!! لا تقبل إلا بعيش يليق بك، وبإنسانيتك، ولا تسمح بأن يحكمك ويوزع عليك رزقك إلا من يستحق هذه الوظيفة..

إن معاناتنا يا أخى سوف تزداد؛ لأننا رضينا بما لم يرض به الأحرار، والحر يسعى لفك القيود فيأتيه الخبز ويأتيه القوت، أما المخدرون النائمون فى أوهام السلطات الفاسدة وعصابات الحكم، فلن تهنأ لهم حياة، ولن يسروا بعيش، وسوف يحيون حياة الدون، يصنفون: أناس تحت خط الفقر، وهم الذين جنوا على أنفسهم؛ يوم جعلوا السكوت صفة تميزهم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...