الصلح خير بقلم: د. عز الدين الكومي

1

من يتابع مبادرات النظام الانقلابى التي يروج لها عبر أتباعه للمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، يشعر أن موضوع المصالحة مع النظام الانقلابى مجرد أمنيات في ظل تعنت هذا النظام، والذى يريد فرض شروط جائرة للصلح، ولا يتنازل قيد أنمله عن غروره وغطرسته، في الوقت الذى تصدر محاكم النظام الانقلابى وقضاؤه الشامخ أحكام الإعدامات والمؤبد ضد أفراد الجماعة، ناهيك عن الممارسات القمعية وغير الإنسانية في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز بحق المعتقلين!!

لكن على ما يبدو أن النظام الانقلابى يريد مصالحة على طريقة أغنية الصلح خير قم نتصالح وانسى إللى كان بينا امبارح لا تعتبنى ولا عاتبك كتر العتاب مش في الصالح!!

وولقد أوضح المستشار طارق البشري أن النظام الانقلابى لا يسعى للتصالح لأنه يصعب على العسكر تراجعهم عن انقلابهم، بسبب ارتباط مصيرهم بحركتهم المضادة للديمقراطية، وهذا يعني أنه لا خيار أمامهم ما داموا مصرّين على عدم المحاسبة إلا أن يبقوا في السلطة، سواء تقاسموها مع غرمائهم، أم حازوا الكعكة برمتها لأنفسهم!!

وقد روج البعض بأن اتفاقًا يُعد له بين الجماعة والنظام الانقلابى برعاية سعودية يقضي بتجميد العمل السياسي للإخوان لمدة خمس سنوات، ولا يقومون بأي عمل مناهض للسلطة الحالية، على أن يكونوا في الوقت ذاته غير مطالبين بتقديم اعتراف رسمي بها، مؤكدين أن الاتفاق يتضمن تجميد الموقف الحالي، وفي المقابل يتم الإفراج عن السجناء، وعودة المطاردين إلى منازلهم وأعمالهم!!

وأنا أرى أنه لا يمكن أن تكون مصالحة مع هذا النظام الغاشم، إلا بعد أن ينتهي ويزول، وتأتي مرحلة جديدة؛ بعد زوال هذا النظام، سواء عن طريق ثورة شعبية، أو يكون انقلاب على الانقلاب ويتم محاكمة هؤلاء القتلة والسفاحين، وعندها يمكن أن يكون هناك فرصة للحديث عن مصالحات!!

أما في ظل هذا النظام الانقلابى وعصابته، فلن تكون هناك فرصة للمصالحة، خاصة فى ظل تمسك النظام الانقلابى بضرورة فرض شروطه واستسلام الطرف الآخر، بل دخوله إلى بيت الطاعة الانقلابى فضلا عن منحه شرعية مجانية يشعر بافتقادها!!

ولعل ما صرح به سعد الدين إبراهيم ومطالبته جماعة الاخوان التنازل عن فكرهم أو يتم نفيهم إلى الصحراء، حيث لا زرع ولا ماء توفيرا لنفقات إعاشتهم فى السجون، وهكذا يوضح عقلية النظام الانقلابى وأتباعه من الليبراليين والقوميين والعلمانيين وأتباع الأحزاب الكرتونية، مع أن الفكر الليبرالي يؤمن بالحرية المطلقة للبشر، وليس قتل جميع المعارضين فى الصحارى والقفار توفيرا للنفقات.. كما يزعم هذا الليبرالى الانقلابى!!

وقريب مما ذهب إليه سعد الدين إبراهيم طالب أحدهم جماعة الإخوان بالنزول إلى أرض الواقع وليس إلى الميادين، والواقع من وجهة نظره، أن تكف جماعة الإخوان عن السعي لإعادة دولة الخلافة الإسلامية، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ الدولة الوطنية، كما يكسبهم عداوة الحكومات، والكاتب لا يريد أن يصرح بأن ذلك يتعارض مع أفكار أسياده فى الغرب والشرق الرافضين لفكرة الخلافة من أصلها، متعللين بأنه لا توجد دولة ترضى بأن تتنازل عن حدودها وكيانها وثرواتها، إذا لا مفر للإخوان من الانتماء لوطنهم والعمل السياسي من خلال حزب مرخص له ذي مبادئ واضحة وبرنامج عمل واضح، مع التمسك بالعقيدة الإسلامية، ويشاركون مع غيرهم من القوى الوطنية في بناء وطنهم والتخلي عن الجماعة كتنظيم حركي وتحويلها إلى جمعية تركز على العمل الدعوي والعلمي العلني، كل ذلك يمكن أن يكون أساسًا صلبا للمصالحة الوطنية حسب زعمه، وكأن الإخوان لم يكن لهم حزب مرخص، ولم يأتوا عبر المسار الديمقراطى الذى ارتضاه الجميع إلا عسكر كامب ديفيد، أو أنهم منفصلين عن الواقع كما يزعم، وهو يعلم أن القوى الوطنية التى يتحدث عنها ويطالب الإخوان بالتعاون معها لا وجود لها فى الشارع إلا من خلال شاشات التلفزة ومنابر الإعلام الانقلابى!!

وهذا ما أكده المهندس إبراهيم منير نائب المرشد العام بقوله: لا تنازل عن الشرعية، ولا تفريط فى حق الشهداء والجرحى، ولا تنازل عن حق المعتقلين فى الحرية، وحق الشعب فى الحياة الكريمة، ولا تصالح مع خائن قاتل، سفك دماء المصريين وباع أرضهم، وفرط في مقدراتهم ومواردهم، وتلاعب بمصير الشعب وقوته، وأذاقه ويلات الفقر والتجويع!!

وتبقى نقطة جوهرية وهى.. هل الذين يتحدثون عن مصالحة مع النظام الانقلابى هل لديهم ضمانات حقيقية تجبر هذا النظام على تنفيذ بنود المصالحة؟ لأن هذا النظام ظالم وغادر، ومن ثم سوف يتنصل من أى اتفاقات يمكن أن تتم، مما يجعل الحديث عن مصالحات مع هذا النظام مجرد استهلاك إعلامى ليس إلا!!

لأن هذا النظام الانقلابى رسخ وجوده من خلال المجازر التى راح ضحيتها آلاف القتلى وآلاف المعتقلين، ونشر الرعب والخوف فى نفوس المواطنين، فضلا عن نشر الأكاذيب من خلال إعلامه وشؤونه المعنوية!!

كما أن هذا النظام اعتمد في شرعية وجوده على إقصاء الإخوان وتسويق المعركة معهم على أنها معركة صفرية لإنقاذ الوطن من خلال الإعلام المأجور، فسيكون من الصعب تمرير أى تسوية أو مصالحة دون القيام بعملية إعلامية واسعة من خلال أذرعه الإعلامية وشؤونه المعنوية، على غرار ما قام به من شيطنة جماعة الإخوان من خلال إعلامه المضلل على مدار ثلاث سنوات، ومما يؤكد ما نقول طرح عدد من الشخصيات الانقلابية مبادرات صلح مع الإخوان، أو أنه لا مانع من الصلح مع الإخوان أو منح الإخوان صك الوطنية الذى يحتكره النظام وعصابته!!

ولذلك يمكننا القول إن المبادرات المطروحة للمصالحة، ما هى إلا شائعات ولا ينبنى عليها أى عمل سوى التغطية على إخفاقات النظام الانقلابى والأزمة الاقتصادية الخانقة!!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...