شرطيُّ المنطقة بقلم: د.عز الدين الكومي

1

بقلم: د.عز الدين الكومي

تباينت ردود الأفعال إزاء انقلاب 3 يوليو، الذي قاده عسكر كامب ديفيد ضد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وتقويض التجربة الديمقراطية الوليدة، وقد تعاطى البعض مع هذه الأحداث على أهميتها بسطحية شديدة، وحمّل المسؤولية عن الانقلاب وما تلاه من أحداث للرئيس مرسي وجماعته، بزعم أن الرئيس مرسى لم يكن حاسما، أو ساذجا كما يحلو للبعض أن يصفوه، وأن جماعة الإخوان أدارت البلاد بعقلية التنظيم والجماعة الإصلاحية، وقليل هم الذين فهموا أبعاد العملية الانقلابية، وأن المشكلة ليست فى مرسى والإخوان، وأن القضية أكبر من ذلك بكثير!

فعلى سبيل المثال لا الحصر ما الذي يجعل دولة مثل الإمارات تدفع 3 مليارات دولار وعدت بها في حال الإطاحة بمرسي، ثم انهمرت المليارات الخليجية على قائد الانقلاب وعصابته كالمطر بعد ذلك! لأن الأمريكان والغرب ومن ورائهم الصهاينة وبعض القوى الإقليمية أدركوا أن قيام كيان إسلامي في المنطقة خاصة فى بلد بحجم مصر، سيقلب الموازين رأسا على عقب، لذلك قرروا إفشال الإسلاميين، واعتبروا ذلك بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، حتى لو نجح الإسلاميون وجلبوا التنمية وحولوا البلاد إلى جنة!
فلما وصلت القوى الإسلامية للسلطة، تمت محاصرتها داخليا وخارجيا، حيث توقفت المساعدات الخارجية، وعلى المستوى الداخلي، تم تجنيد أجهزة الدولة العميقة الموروثة عن نظام المخلوع لتعطيل دولاب التنمية، بل تم قطع الماء والكهرباء والغاز واختلاق الأزمات لإحداث فوضى عارمة، كما صرح بذلك قارون العصر، نجيب ساويرس فى أكثر من مناسبة!

كما أن تصريحات وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة، داعرة بني صهيون تسيبي ليفني، تُبيِّن لنا كيف تم التخطيط للانقلاب؛ فقد قالت: إن السكوت على الرئيس محمد مرسي، ينطوي على خطورة كبيرة، وتوعدته ورئيس الوزراء التركي أردوغان بدفع الثمن وقالت: هناك أشياء غير مقبولة، كل قائد وكل دولة في المنطقة يجب أن يقرروا إما أن يكونوا جزءا من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراغماتية والاعتدال، وتعني بمعسكر الإرهاب والتطرف مناصرة القضية الفلسطينية والوقوف مع الحق الفلسطيني، واسترجاع الأراضي المحتلة، أما البراغماتية والاعتدال فتعني الانخراط في المشروع الصهيوني ضد كل أشكال المقاومة والتحرر والوحدة وبناء الأوطان.

وإذا قرر قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا!

مرسى فى تصريحاته التي قال فيها: أننا إذا أردنا أن نمتلك إرادتنا فعلينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا، تلك العناصر الثلاثة هي ضمان الاستقرار والتنمية وامتلاك الإرادة، هذه التصريحات تجعل كل صاحب عقل سيلم يتوقع أنه سيتم الإطاحة به، إما من الداخل أو الخارج، أو من الداخل والخارج معا، مهما كلف الأمر، كما حدث بالفعل!

وإذا أضفنا لذلك رغبة الأمريكان والغرب فى أن يجعل من قائد الانقلاب شرطيا للمنطقة برمتها، يضرب به ويؤدب كل من يتمرد أو يستعصي على دخول بيت الطاعة الأمريكي، كما وضح جليا من موقف قائد الانقلاب في التعاطي مع الأزمة الليبية، فقد حاول أن يحصل على موافقة الدول الغربية على دعوته لتشكيل تحالف دولي للتدخل العسكري في ليبيا، ودعوتها للحوار كحل وحيد للأزمة الليبية، كان يظن أنه بذلك سيخلق حلفاً دولياً يدعمه ويموله، ويعترف به رئيساً لمصر لا قائداً لانقلاب، وأنه سيصبح شرطيَّ المنطقة، وعندما قام بالإغارة على ليبيا مستغلا حادثة إعدام عدد من الأقباط المصريين على يد أفراد من داعش.

فقد صرحت صحيفة اليوم السابع الانقلابية نقلا عن مصادر مطلعة كما هي عادتها قالت: إن الضربة الجوية ضد تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا لن تكون الأخيرة، ضمن سلسلة الضربات المقرر توجيهها إلى الجماعات الإرهابية والعناصر المتطرفة خلال الفترة المقبلة، وسوف تتبعها ضربات وقائية لتأمين الحدود المصرية الغربية من أي محاولات اعتداء!

كما أن التسريبات التي بثتها قناة “ليبيا بانوراما” للمعلم عباس ترامادول مدير مكتب قائد الانقلاب عندما كان وزيرا للدفاع، كشف عن تعاون سري بينه وبين شخصيات سياسية ليبية للانقلاب على المؤتمر الوطني العام! ناهيك عن الدعم الذي يقدمه النظام الانقلابي بمساعدة دولة الإمارات لخليفة حفتر، والذي لم يعد خافيا على أحد!

وإذا تجاوزنا الأزمة الليبية إلى الثورة السورية، نجد أن قائد الانقلاب يدعم النظام النصيري الأسدي، وصرح بذلك، لأنه يعتبر دعم نظام بشار الأسد جزء من مهمة شرطي المنطقة لإفشال ما تبقى من ثورات الربيع العربي، فقد قال فى حواره مع التلفزيون البرتغالي: نحن ندعم الجيوش الوطنية، مثل ليبيا في محاربة الإرهاب”، ولما سأله المذيع: هذا الدعم ينطبق على الجيش الوطني في سورية؟ أجاب نعم، وكان آخر الدعم للنظام الدموي فى سوريا إرسال عدد ستة عشر طيارا للقتال بجانب مليشيات نظام الأسد!

كما أنه يدعم نظام المالكي الطائفي في العراق، مكيدة فى السعودية، بعد توقف الرز السعودي الفاخر، فقد كشف مصدر فى حكومة الانقلاب، عن اتفاق بين النظام الانقلابي وبغداد، يزوّد بموجبه العراق الجانب المصري بالنفط، في مقابل دعم سياسي ودبلوماسي مصري لقضاياه!

وإذا انتقلنا إلى اليمن نجد أن النظام الانقلابي تورط فى تزويد الحوثيين باثني عشر زورقا وصواريخ متطورة قادرة على استهداف سفن وبوارج بحرية فى المياه الدولية، ظهرت خلال المناورات التي تمت بين الحوثيين وقوات البحرية الأمريكية المتواجدة قبالة ساحل باب المندب، وتبين أن البحرية المصرية هي التي سهلت دخول السلاح للحوثيين، وفتحت لهم قنوات اتصال مع المخابرات المصرية!

فبدلا من أن ينهض جيش وعسكر كامب ديفيد للتحرك ضد العدو الحقيقي وهو الجيش الصهيوني، لحماية حدود البلاد الشرقية؛ يخوض حروبا وهمية كنوع من المراهقة العسكرية، كما فعل عبد الناصر من قبل، الذي أنهك الجيش فى حروب اليمن والكونغو وغيرها، ليبقى الزعيم الملهَم، ويستمرَّ حكمُ الفرد المدعوم بالإعلام المأجور!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...