اعتقالات ٢٠١٦.. لم يَسلم أحد!

2

كان تاريخ الثالث من يوليو ٢٠١٣م، فاصلاً في الحياة السياسية في مصر، حيث ألقى بظلاله على كافة المناحي وعلى رأسها المنحى الحقوقي والإنساني، فاعتمد عبدالفتاح السيسي الاعتقالات وسيلةً فاعلة لإسكات الأصوات المعارضة، مطلِقًا أيادي الداخلية لتطال كل من يحاول الاعتراض أو الدفاع عن التجربة الديمقراطية الوليدة التي تمخضت عنها ثورة ٢٥ يناير.

فتم اعتقال الأطباء من عياداتهم والمهندسين من مواقعهم والعمال من مصانعهم والشباب من بين أهليهم في بيوتهم والطلبة من مدارسهم وجامعاتهم والزوجات من صفوف الزيارات بسجون النظام، حتى تحولت الدولة لجمهورية خوف يسعى الجميع للهرب منها سالما قدر المستطاع.
٢٠١٦ حلقة في سلسلة القمع
بالرغم من عدم وجود أرقام رسمية صادرة عن الدولة بشأن أعداد المعتقلين، إلا أن تقارير الهيئات الحقوقية غير الرسمية حسب موقع ” دفتر أحوال” للإحصاء والحصر، أوضح أن عام ٢٠١٦م، شهد سبعة عشر ألف حالة اعتقال، بموجب خطابات ضبط وإحضار بخلاف الحالات المخالفة للقانون.
اتهامات جاهزة
وكان التعامل مع المعتقلين في ٢٠١٦ استكمالاً لما بدأته السلطات المصرية منذ الثالث من يوليو ٢٠١٣م، حيث لائحة الاتهامات الجاهزة والتي تضمنت ” الانضمام لجماعة إرهابية، العمل على قلب نظام الحكم، تسريب معلومات لجهات أجنبية.. ” وغير ذلك من التهم التي غالبًا ما تكون محل إنكار من المتهمين الذين يضطر بعضهم للاعتراف بارتكابها تحت وطأة التعذيب، وجاء في تقرير للمنظمة العربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن عدد الذين اعترفوا تحت وطأة التعذيب منذ يناير ٢٠١٦ حتى ديسمبر من العام ذاته بلغ ٧٣٠ حالة من خلال متابعة جلسات المحاكمات.

انتهاك حقوق المعتقلين
جاء عام ٢٠١٦ ليشهد انتهاكات صارخة لحقوق المقبوض عليهم دون أدنى مراعاة لنصوص قانونية، فتبدأ التحقيقات مع المعتقل في ظروف غير قانونية بدون حضور محاميه الخاص بالإضافة للاستنطاق بالقوة وفي حالات عديدة من خلال التعذيب، حسب تقرير المنظمة العربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكان أشهر هذه الحالات التي عكست التجاوز في حق المعتقل القانوني حالة المتهم محمود عرفات الذي وقف أمام القاضي عندما قال له أنت معترف بالتهم الموجهة إليك فقال له المتهم: ” اديني صاعق كهربائي وأنا أخلي حضرتك شخصيًا تعترف إنك قتلت السادات” في رد عكس مدى الضغط والتعذيب الذي يواجهه المتهم أثناء التحقيق معه، وفي هذا الإطار يقول تقرير لمنظمة هيومان رايتس مونيتور ” أغسطس ٢٠١٦م” إن مراقبيه رصدوا أكثر من خمسة عشر حالة تم فيها الأمر بإعادة محاكمة المتهمين نظرًا لثبوت اعترافهم تحت التعذيب.
هذا بالإضافة إلى منع المعتقلين من العلاج والتريض بل والملابس المناسبة وهو ما رصدته تقارير حقوقية عديدة في ٢٠١٦م، استكمالاً لنفس المنهج الذي اتبعه النظام منذ ما يقارب الثلاث سنوات ونصف.
لا تراجع ولا تعديل
وجاء عام ٢٠١٦ فيما يخص ملف الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ليكون تأكيدًا على سياسة النظام القمعية في مواجهة المعارضين السياسيين، وفي هذا السياق يقول الحقوقي هيثم أبو خليل إن هذا أمر متوقع ولا جديد فيه، وأن الذين حاولوا إقناع أنفسهم أن عام ٢٠١٦م، سيكون عام انفراجة في ملف المعتقلين من خلال مصالحة أو أي تفاهم بين النظام ومعارضيه، لم تكن نظرتهم في محلها، فالنظام لا يستطيع التخلي عن العنف الذي يعد أداته الأقوى والأنجع خاصة في ظل ما يتلقاه من دعم إقليمي وعالمي.

الإخفاء القسري
بحسب “هيومان رايتس مونيتور” فإن مصر شهدت في شهر اكتوبر فقط من عام ٢٠١٦ مائة وتسعة وأربعين حالة إخفاء قسري، كما شهدت أربعين حالة اختفاء أخرى لمتهمين بعد صدور قرارات بإخلاء سبيلهم.
وقالت المنطمة إن العام ٢٠١٦ شهد ١٠٠٠ حالة من الاختفاء القسري، حيث يظهر المختفون فيما بعد إما قد اعترفوا بتهم تحت التعذيب أو مقتولين في أخداث عنف تدعي الداخلية أنهم كانوا يقاومون السلطات.

قانون التظاهر

وبحسب المنظمة العربية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الاعتقالات على خلفية التظاهر في ٢٠١٦م، تمت عبر 301 دائرة لأقسام شرطة مختلفة، بينهم أكثر من 19 ألف حالة قبض و إحالة للنيابة و أكثر من 3 ألاف حالة توقيف، ثم صرف بدون تحرير محضر وأكثر من 8 آلاف حالة ضبط وإحضار تم تنفيذها بالقبض على الشخص المطلوب ضبطه و أكثر من ٥٠٠٠ حالة قرار ضبط و إحضار تم إستخراجها لأشخاص غير معلوم تم تنفيذها أم لا.
وأضاف تقرير للمنظمة، أنه خلال تلك الفترة تم إحالة 15 ألفًا و491 شخصًا للمحاكمة على خلفية قانون التظاهر أو وقائع ترتبط بفعل تظاهر، مضيفا أنه تم إدانة 6 آلاف و382 متهماً، فيما تم تبرئة 5 آلاف و83 آخرين.

كما أشار التقرير إلى أن قيمة الغرامات في القضايا المتعلقة بقانون التظاهر تخطت خلال الثلاث سنوات 128 مليون ، و 881 ألف جنيه مصري سواء في أحكام أولية أو نهائية.
وطبقًا للتقرير فقد تصدرت محافظة القاهرة أحكام الغرامات وأحتلت المركز الأول بين المحافظات الأكثر دفعًا لتلك الغرامات بمبلغ 38 مليون و 753 ألف و 800 جنيه، وجاءت محافظة الجيزة التالية لها بمبلغ 23 مليون و 929 ألف و 800 جنيه، وأتت محافظة الإسكندرية في المرتبة الثالثة بمبلغ 13 مليون و 401 ألف و 500 جنيه، ومحافظة كفر الشيخ 11 مليون و185 ألف جنيه، ومحافظة دمياط 9 مليون 474 ألف و 100 جنيه، ومحافظة الدقهلية 6 مليون و 530 ألف جنيه، ومحافظة الشرقية 5 مليون و 459 ألف جنيه، ومحافظة البحيرة 5 مليون و 280 ألف جنيه، ومحافظة الإسماعيلية 3 مليون و 438 ألف جنيه، ومحافظة الغربية 3 مليون و 356 ألف و 300 جنيه، و محافظة السويس 2 مليون و 158 ألف جنيه، ومحافظة الفيوم مليون و 465 ألف جنيه، ومحافظة المنيا مليون و 458 ألف جنيه، ومحافظة أسوان مليون و 230 ألف و 500 جنيه، ومحافظة القليوبية 923 ألف جنيه، ومحافظة مطروح 500 ألف جنيه، ومحافظة أسيوط 219 ألف جنيه، ومحافظة جنوب سيناء 50 ألف جنيه، ومحافظة المنوفية 40 ألف جنيه، وجاءت محافظة بورسعيد في المرتبة الأخير بـ 30 ألف جنيه.

القتل خارج القانون

خلال الربع الثالث من العام 2016م، في الفترة من أول يوليو/تموز 2016 وحتى آخر سبتمبر/أيلول 2016م، بلغ عدد التصفيات الجسدية في جميع أنحاء الجمهورية ـ عدا سيناء ـ 23 شخصًا، بينهم 20 شخصًا قضوا داخل مقار الاحتجاز المصرية بعضهم محتجزون على خلفية سياسية والبعض مدنيين محتجزين على خلفية قضايا جنائية، كما قتل 3 أشخاص برصاص أفراد أمن جميعهم في وقائع غير سياسية.

هذا بالإضافة إلى مقتل 3 أشخاص معارضين في ظروف ملتبسة، حيث ادعت وزارة الداخلية وفاتهم أثناء إلقاء القبض عليهم، حيث حاول القتلى الهرب أو بادروا القوات الأمنية بإطلاق النار عليها، في ظل عدم توافر أدلة كافية حتى الآن تثبت مزاعم أجهزة الأمن أو تدحضها.
وفي الربع الأخير من العام أيضًا، بلغ عدد الأشخاص الذين تعرضوا لاعتقال التعسفي على خلفية قضايا معارضة السلطات في كافة محافظات مصر عدا سيناء 730 شخصًا على الأقل، بينهم 17 قاصرًا و5 نساء، حيث بلغ عدد المعتقلين في شهر يوليو/تموز للعام الجاري 193 شخصًا، في حين بلغ عدد المعتقلين في شهر أغسطس/آب 321 شخصًا، بينما بلغ عدد المعتقلين خلال شهر سبتمبر/أيلول 216 شخصًا هذا بالإضافة إلى قيام قوات الأمن باعتقال عدد من المواطنين من منازلهم واحتجازهم بصورة تعسفية داخل أقسام الشرطة بشكل غير قانوني للضغط على أحد أقاربهم لتسليم نفسه قبل أن تقوم بإطلاق سراحهم بعدها بأيام.
من بين أؤلئك المعتقلين تم رصد تعريض 293 شخصًا على الأقل للإختفاء القسري خلال تلك الفترة أي ما يقارب 32.7 % من إجمالي عدد المعتقلين، بعضهم استمر إخفاؤه حتى الآن.

اعتقال المحامين رمز جنون النظام!

بطبيعة الحال يمارس المحامي عمله داخل أروقة المحاكم وقاعات المداولة ومن المفترض أن تكون هذه الأماكن مصدر أمان بالنسبة له، إلا أن النظام في مصر وعقب الثالث من يوليو ٢٠١٣م، حول هذه الثوابت إلى متغيرات جعلت المحامين في مرمى الاعتقال من داخل قاعات المحاكم والمداولة وأقسام الشرطة، فقد أشارت منظمة “هيومان رايتس مونيتور”، أن سلطات مصر الحاكمة اعتقلت ٢٥٠ محاميًا منذ انقلاب يوليو منهم ٦٨ حالة في ٢٠١٦م، وذكرت أن الاعتقال كان تعسفيًا لمجرد أن موكلي هؤلاء المحامين من الإخوان المسلمين، أو معارضون للنظام أو لكون المحامين أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي تصريح صحفي له، قال المحامي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات حليم حنيش: إن “النيابة العامة تحاول التنكيل بالمحامين، ووضع أسمائهم في القضايا التي يدافعون عنها، وتلاحقهم أمنيًا؛ لإجبارهم على عدم حضور التحقيقات مع المتهمين، وكذلك لقيام المحامين بفضح أداء النيابة العامة.
وأوضح حنيش أن المحامين يحاولون مواجهة تلك الانتهاكات بشكل غير مستدام، وغير متواصل، بالتزامن مع وقوع حالات اعتداء أو قتل بحق المحامين، ثم تهدأ الأمور، لافتًا إلى أن هناك مجموعات صغيرة من المحامين المتطوعين غير التابعين للنقابة تشكلت للدفاع عن المحامين المعتقلين.
ويبدو من مخرجات الإحصاءات والدراسات أن ملف المعتقلين في مصر منذ انقلاب الثالث من يوليو لم يشهد تطورًا يُذكر، بل إن حالة المعتقلين على مستوى التعامل القانوني ونيل الحقوق في تراجع مستمر، مما أوصل بيئة العمل السياسي في مصر إلى حالة الإحباطـ و يرى كثير من المراقبين أنها تدعم العنف وتغذيه وتهدد المجتمع، خاصة في شريحة الشباب الذي أصبح الاعتقال مهددًا له لمجرد التفكير في ممارسة السياسة أو التعبير عن رأيه.

#حصاد_2016

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...