انتحر أم نحروه ؟

2

د. عز الدين الكومي:

من الواضح أن الأمين العام لمجلس الدولة المستشار، وائل شلبي لم ينتحر كما زعمت السلطات الانقلابية، ولكن على ما يبدو أنه تم نحره والخلاص منه، حتى لا يفضح بقية أفراد العصابة!!
وجاء قرار نائب عام الانقلاب، بحظر النشر في قضية نحر أمين عام مجلس الدولة، ليزيد من الشكوك، مع أن هذه القضية ليست من قضايا الأمن القومي، التي تتطلب تكميم الأفواه، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن القتلة شخصيات وأسماء كبيرة، خافوا من افتضاح أمرهم، لأن الرجل هدد بأنه سيفضح الجميع، فكانت كلماته هي الحبل الذي التف حول رقبته!!
ومما زاد من الشكوك أيضا تصريح الأمنجي مخبر أمن الدولة، مصطفى بكري عن انتحار المستشار وائل شلبي بقوله: إنه انتحر ولم تتم تصفيته، ولكنه شنق نفسه بين سيخين موجودين في الحمام بواسطة الكوفية التي كان يرتديها باستمرار، وأن الرقابة الإدارية كانت تعامله بطريقة جيدة، ولم يمنعوه من الاتصال بأهله، وحينما انتهت التحقيقات الساعة 12.30، طلب وجبة من مطعم (الدهان) وراحتله، وفي الصباح فوجئ الجميع بأنه مُعلّق في الحمام بالكوفية!!
المهم أن الرجل مات وماتت القضية معه وهذا هو المطلوب؛ حتى لا يخبر عن أحد من المتورطين معه !!
ولكن هل يمكن لأحد أن يصدق هذه الروايات التي هي من إخراج الأجهزة المخابراتية، والتي تلجأ إليها في مثل هذه الحالات التي يستحيل معها وصف الضحية بأنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين !!
ولو فرضنا جدلا صدق هذه الرواية، وهو مستبعد بطبيعة الحال، وهي انتحار المستشار المرتشي، فإن شباب وبنات الإخوان أرجل من هؤلاء، الذين يقبعون في سجون الانقلاب منذ سنوات، ولم يضجوا بالشكوى، ولم يقبلوا بعفو الطاغية، في الوقت الذي ينتحر فيه أتباع النظام الانقلابى بعد يوم واحد من الاعتقال!!
وقد حدث أيام السادات بعدما تخلص من مراكز القوى، في مايو 1971، بعد ثورة التصحيح، كان من ضمن المعتقلين، على صبري، فبعد يوم من اعتقاله ظل يصرخ ويضرب باب الزنزانة، فجاءه السجان فقال له: أريد أن أقابل الرئيس، ولما حضر الضابط، قال له: أنت سجين، اكتب ما تريد ونرفعه للرئيس، فكتب أعدمني يا سيادة الرئيس، فأنا لا أتحمل السجن ، في الوقت الذى شهد فيه طبيب السجن الحربى الدكتور وصفى النصراني، لما شاهد الشهيد فاروق المنشاوي، بعد ما طعن عدة طعنات نافذة، ولم يتألم، وظل يردد الحمد لله حتى لفظ أنفاسه، ورفض مأمور السجن حسين زكى نقله إلى المستشفى، خوفا من أن يهرب !!
فالمستشار وائل شلبي، ليس شخصا عاديا، فهو أحد أوتاد الدولة العميقة، فقد كان يعمل مستشار قانونيا لمحافظتي الشرقية والمنوفية، وعضو مجلس إدارة بشركة الاتصالات، وعضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، وعضو باللجان الضريبية واللجان التأديبية المتحكمة بحركة إعارة وانتداب المستشارين، شغل كل هذه المناصب وهو لايزال الأمين العام المساعد لمجلس الدولة، وقدمت فيه مذكرات تتهمه بالتربح وإهدار المال العام، في قضايا توريدات وإسناد مقاولات بالأمر المباشر لشركات بعينها، لتجديد مقر مجلس الدولة، وتوريد أثاث وأدوات وصيانة وغيرها، وبناء على ذلك تم ترقيته ليشغل منصب الأمين العام لمجس الدولة والمتحدث الرسمي باسم المجلس، مكافأة له على فساده!!
كما أن المستشار وائل شلبي معروف بأنه الرجل القوي بمجلس الدولة منذ نحو تسع سنوات، وتنقل بين وظائف إدارية بارزة تحت قيادة مختلف رؤساء مجلس الدولة، وكان معروفاً أيضاً بعلاقاته الواسعة بالوزراء والمحافظين وأجهزة الدولة المختلفة.
وحتى تكتمل فصول المسرحية، قال القرموطي -أحد الأذرع الإعلامية-: كان من المفترض على الجهات المسؤولة ، أن تضع في اعتبارها كل الخيارات التي تساعد المتهم في الانتحار، المتهم يخش محبسه بالكوفية ليه؟ دا كلام دي حاجات بديهية دا كان ممكن يخلع رباط جزمته وكمام القميص!!
بعض القضاة الشامخين، المقربين من وائل شلبي طالبوا مجلس الدولة أن يطلب رسمياً التحقيق في ملابسات الوفاة، لمعرفة ما إذا كان قد توفي منتحراً أم مقتولاً، لأن السمات الشخصية لشلبي لا تنبئ بانتحاره!! أكيد راجل بتاع ربنا من المجلس للبيت ومن البيت للمجلس!!
وإذا طبقنا قاعدة فتش عن المستفيد، التي تتبعها جهات التحقيق لكشف ملابسات أي واقعة، فنجد هنا ببساطة شديد أن المستفيد هنا، شركاء سيادة المستشار المرتشي، الدين خافوا من افتضاح أمرهم، ومن المعروف أنه لا يُسمح للموقوف على ذمة التحقيق باصطحاب كوفية ولا غيرها!!
كما تركوا لإعلامهم العنان؛ لينسج لنا روايات من خياله، مثل أن المستشار انتحر بالكوفية التي كان يلبسها دائما، وأين تقرير الطبيب الشرعي عن واقعة الانتحار؟ وحتى تقرير الطب الشرعي لم يعد مقنعا، فالطب الشرعي الذي كان يجبر أهالي الضحايا في رابعة والنهضة بالتوقيع على إقرارات بأن أولادهم ماتوا منتحرين، أو في حوادث سير كيف ستكون تقاريره مقبولة ومقنعة!!
وإذا تركنا روايات النظام الانقلابى وإعلامه، ونذهب لرواية ابن عم المستشار وائل شلبي والتي يقول فيها: الراحل كان حالته النفسية جيدة جدا حتى الساعة الثانية من مساء أمس الأول، ووالده كان آخر شخص زاره بعد التحقيقات، وأن الراحل كان متزوجا، ولديه ولدان أحدهما طالب في الثانوي، والثاني في المرحلة الإعدادية، ووالدته متوفية ولديه شقيقان، ولماذا انتحر بعد الواقعة؟ ولم ينتحر قبل القبض عليه؟
ومن الواضح أن الحبل على الجرار، وأنه في الفترة القادمة، سيتم التخلص من عدد كبير من الإعلاميين والأذرع الإعلامية، وداعمي النظام الانقلابى، الذين انتهت صلاحيتهم، وأصبحوا خارج نطاق الخدمة، حيث يحاول النظام الانقلابى الظهور بمظهر من يحارب الفساد في الوقت الذي يرعى فيه الفساد والمفسدين في كل مؤسسات الدولة، وعلى الأخص ما يعرف بالجهات السيادية، التي هي فوق القانون وفوق المساءلة !!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...