جمال سلطان يكتب: السيسي والإرهاب وحكاية التفويض !

1484063005-klmtyكنت أتصور أن مسألة التفويض تسمح للشعب بأن يراجع من فوضه ويحاسبه إن قصر في الوفاء بالمسئولية ، ولكننا الآن أصبحنا نرى التفويض كأنه نوع من التأنيب المتكرر من الرئيس للشعب الذي قال أنه فوضه ، فكلما وقعت كارثة أو خطأ واضح يستحق التحقيق والمساءلة قال : أنتم فوضتوني يا مصريين وهذا اختياركم ؟! ، وكأنه ينقل كافة المسئولية عن أي أخطاء على الشعب نفسه وهو في السليم !، وهذا ما حدث أمس في حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي لعمرو أديب تعليقا على الحادث المروع الذي وقع لأبنائنا الجنود في العريش على يد مجموعة إرهابية ، وهو حادث متكرر ، ويمكن أن تقول نسخة بالكربون من حوادث سابقة خلال الشهور الماضية ، وهو ما يجعلك تضرب كفا بكف مما يحدث ، ومن يحاسب على ذلك ، ومن يتحمل المسئولية ، وما هو مصير التفويض الذي قال السيسي بأنه حصل عليه من المصريون ، هل فهم من التفويض أنه أصبح غير مسئول عن أي شيء وغير محاسب على أي مسئولية أيا كانت ، وأن على الشعب أن يتحمل كل ما يجري له بدون شكوى ولا أنين ؟ .

في اعتقادي أن قصة التفويض هي “فنكوش” سياسي وقانوني ، لا يعرفه أي نظام سياسي ، حتى لو كان غير ديمقراطي ، هناك مؤسسات تصنع القوانين وإجراءات لوضع الدساتير وتحديد الصلاحيات والمسئوليات ، أما أن تخرج مظاهرة ، صغيرة أو كبيرة ، يعتبرها المسئول أنها دستور جديد أو بديل للدستور ، أو تسمح له بوضع قانوني أو دستوري لم يتم من خلال الإجراءات القانونية ، فهذا تلاعب بالمشاعر وإهدار لفكرة الدولة ذاتها ، لأن الأمور أصبحت أقرب للعرف وليس للقانون ، وقد وصل الحال أن الجنرال خليفة حفتر في ليبيا خرج بمظاهرة في مدينة طبرق الصغيرة في أقصى الشرق وقال بعدها أنه حصل على تفويض من الشعب الليبي بمواجهة الإرهاب ، ومن ساعتها وليبيا تغرق في الدم أكثر .
أنا شخصيا لم أفوض أحدا ، لا السيسي ولا مرسي ولا أي مسئول سابق ولا لاحق ، والغالبية العظمى من المصريين لم تفوض أحدا ، وإذا كان قد خرج في المظاهرات التي وصفت بأنها للتفويض مليون أو اثنان أو حتى عشرة ، فهم لا يمثلون غالبية المصريين وليسوا مفوضين من الشعب المصري لتقرير قانون أو منح صلاحيات خاصة لأي مسئول ، وأرجو أن يتوقف الرئيس عن استخدام هذا الشعار لأنه الآن رئيس دولة ، يحكم بدستور وقوانين ومؤسسات ، وليس بمظاهرة قام هو نفسه بإغلاق الأبواب بعدها فمن يتظاهر بعدها يلقى به في السجون ، كما أن المظاهرة التي تتحدث عن التفويض كانت دعما للقيادة العسكرية ، ممثلة في وزير الدفاع والقائد العام للجيش ، وليس لرئيس الجمهورية ، وقد كان هناك رئيس للجمهورية وقتها ، أيا كان تقييمنا له حقيقي أو منظرة ، المهم أن الدعم كان موجها “لمنصب” وزير الدفاع وقائد الجيش ، وليس للمواطن عبد الفتاح السيسي ، وبالتالي فلا يصح ـ منطقيا ـ للرئيس السيسي اليوم أن يتحدث عن التفويض ، لأنه ـ بافتراض التسامح مع الفكرة ـ فقد انتقلت لشخص وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ، بعد أن انتقل هو إلى موقع “عدلي منصور”.

أخذنا الرئيس في متاهة جديدة بالحديث عن مصر التي كانت على وشك أن تضيع ، وطبعا ليقنعنا بأنه أنقذها من الضياع ، وطبعا أي مصيبة وأي كارثة تهون أمام ضياع الدولة ، وهو كلام غريب وجارح لمصر التي تصبح مثل ريشة تافهة في مهب الريح أي حدث ينهيها أو يذهب بدولتها ، والدولة المصرية منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم لم تسقط أبدا ، تتبادلها نظم سياسية ، يسقط النظام ويأتي نظام ، ومصر الدولة والشعب باقيان وينهضان ويقدمان للإنسانية العلم والمعرفة والحضارة والفن والأدب والانتصارات العسكرية أيضا ، مصر لم تكن بانتظار السيسي لكي يمنعها من الضياع ، هذا كلام لا يليق ذكره فضلا عن تكراره ، فمصر لم تضع قبل السيسي ولن تضيع بعده ، ولقد قال الرئيس أن أحداث 11/11 كانت الدولة على وشك السقوط ، وهذا كلام بالغ الغرابة ، لأن هذا اليوم تحديدا أصبح مضرب الأمثال في التهويل وصناعة الفناكيش السياسية ، ولم يحفل به أي قوة سياسية معتبرة وتقريبا جميع القوى الوطنية تبرأت منه ومن المشاركة فيه وتحول إلى مادة للتنكيت والسخرية ، فما هو وجه الخطورة العظيمة التي جعلت هذا اليوم “اللطيف” مهددا لمصر حتى أن الدولة فيه كانت على وشك السقوط ، هل يحدثنا الرئيس بألغاز أو بشفرة سرية .
كذلك الحديث “الملغز” عن دول تمد الإرهابيين بالمال والسلاح وأجهزة مخابرات وأننا نواجه الإرهاب نيابة عن العالم ، وهذا من البلاغيات التي لا شأن لها بالسياسية والمصالح الوطنية ، نحن ندافع عن وطننا ، ولا نخوض معارك نيابة عن أحد ، قد نشارك آخرين في تلك المعركة ضد الإرهاب بتبادل خبرات ولكن دماء أبنائنا لا تراق نيابة عن آخرين ، كما أن غيرنا يخوض المعركة الشرسة ضد الإرهاب أيضا ، ولسنا وحدنا ، من أول السعودية للأردن لتركيا لتونس لدول أوربية عديدة ، كذلك الحديث عن أنه تم ضبط ألف طن من المتفجرات وهو رقم مهول يصعب تصور وجوده في جيوش وليس عصابة تختفي شمال سيناء ، ولو صح لكان ضروريا أن تسأل عنه الأجهزة المعنية ، كيف مرت هذه الجبال من المتفجرات لتستقر هناك ، والقول بأن هناك 41 كتيبة في سيناء قوامها 25 ألف مقاتل ، هي أرقام لا تعني لنا ـ نحن المدنيين ـ شيئا بحكم غياب الاختصاص الفني والعسكري ، ولكن الناس يهمها النتائج وتتساءل عن ضحايانا وأغلبهم مجندون يواجهون إرهابيين محترفين ، وإذا كان 41 كتيبة لا تكفي فلماذا لا ندفع بضعفهم ونحن جيش قوامه نصف مليون مقاتل أو أكثر ، هذا ما يشغل الناس .
المعركة ضد الإرهاب هي معركة الوطن كله ، لا الرئيس ولا الجيش ولا الشرطة وحدهم ، هي معركتنا جميعا ، معركة الشعب والوطن بكافة مكوناته ، ولا يمكن السماح للإرهاب أن ينتصر في تلك المعركة ، بغض النظر عن خلافنا السياسي مع الرئيس ، كما أنها معركة لا تتصل بالسيسي ولا النظام السياسي ، هي معركة الوطن ، من قبل السيسي ومن بعدها ، وبه وبدونه ، ولكن المعركة مع الإرهاب ليست أمنية وعسكرية فقط ، إنما هي معركة سياسية بالمقام الأول ، ثم أمنية وفكرية ودينية ، لقد تم خلال السنوات الثلاث الماضية إصدار العديد من القوانين التي تشل الحياة السياسية وتم سجن عشرات الآلاف من المعارضين أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وطلاب وقضاة ومستشارين ومحامين وصحفيين ورجال أعمال وسياسيين ونشطاء من شباب ثورة يناير بدعوى مواجهة الإرهاب ، ومع ذلك تزايد الإرهاب ، واتسع نطاقه وتفاقمت تكاليفه ، وتمت إهانة المؤسسات الدينية ومحاولة جعلها ديكورات مستلبة الإرادة ، وتم تهميش الثقافة الجادة لأن السلطة تبحث عن “خدم” وليس عن “مبدعين” وتم خنق الإعلام ومحاصرة واستبعاد أي أصوات عاقلة وأمينة وناصحة للوطن لأنها تعارض ما يحدث ، وتم إضعاف الأحزاب وتهميشها وتجفيف أي حضور شعبي  أو سياسي لها بصورة منهجية متعمدة ، وكل ذلك ساهم في صناعة الفراغ السياسي والمدني والمناخ الكئيب الذي ساعد الإرهاب ـ مع الأسف ـ على الانتشار أكثر وكسب “غاضبين” أكثر خاصة من الشباب الغر الصغير ، ومع ذلك هناك عناد عن مراجعة ذلك المسار أو التفكير في تصحيحه ، وإصرار على التورط فيه أكثر ، متصورين أن “بلاغة الكلام” ودغدغة العواطف بالصورة التليفزيونية يمكنه أن ينسي الناس ما هم فيه من ألم وهم وقلق متزايد على مستقبل بلادهم في ظل غموض غير مسبوق .

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...