خدعوك فقالوا: نحارب الفساد!

بقلم: د. عز الدين الكومي

في أحدث نكات النظام الانقلابي، قال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات “هشام بدوي” راعي الفساد والمفسدين: إن رئاسة الجمهورية والقوات المسلحة ووزارة الداخلية والمخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية، يخضعون جميعا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات! وإن زعيم عصابة الانقلاب أخبره بضرورة التصدي الحازم لمختلف أشكال العدوان على المال العام، والعمل الجاد على مكافحة الفساد!

فاقد الشيء والضمير والإنسانية كيف يحارب الفساد؟ وأين هي الرقابة من فساد النظام الانقلابي الذي دمر البلاد وخربها؟!
وعلى سبيل الدعابة قالوا: أوقف لص سيارة، وقال للسائق: أعطني كل فلوسك، أجابه الراكب: تعرف من أنا؟ أنا رئيس الجمهورية، قال له: إذن فأعطني كل فلوسي!

وقال “هشام بدوي”: إن مصداقية الجهاز تأثرت بتصريحات جنينة، لأنها أثارت جدلا، فضلا عن أن هناك قيودا مفروضة قانونا على تداول التقارير الصادرة عن الجهاز، حيث إن جميع ما يتوافر لدى أعضاء الجهاز من معلومات أو بيانات أو تقارير محظور عليهم الإفصاح عنها أو تداولها خارج الإطار الذي ينظمه القانون!

و”هشام بدوي” هو آخر من يتكلم عن الفساد، وللعلم فقط يكفيه أنه هو ابن أخت “زكريا عزمي”، أحد رموز نظام المخلوع “مبارك”، الذي قال يوما: إن الفساد فى المحليات للركب.. لكن نسي أن يقول لنا من المسؤول عن هذا الفساد!

والمستشار “هشام بدوي” القادم من نيابة أمن الدولة، والتلميذ النجيب لـ”عبدالمجيد محمود” نائب عام المخلوع، الغارق فى الفساد حتى أذنيه، له عدة ملفات فساد فى الجهاز المركزي للمحاسبات، تتعلق بمخالفات في تملك أراضي الدولة، وجمعية أحمد عرابي هو وعائلته، فكيف يتولى إدارة الجهاز؟؟

والطريف أن الإعلام الفاسد هو أكثر من يتحدث عن الفساد والفاسدين واللصوص، بل يمتلك قدرة عجيبة على إسكات كل صوت يدعو للقضاء على الفساد والفاسدين، بتهم وشماعات معروفة، بل قد يظهر الفاسدين على أنهم هم الذين يطالبون بالقضاء على الفساد وذويه، والنتيجة زيادة الفساد وحماية الفاسدين واللصوص، كما هو حالنا اليوم!

وكل مسئول يطل علينا من خلال الإعلام الفاسد يدعي أنه هو الشريف دون سواه، مع أنه لو وزع فساده على أهل الأرض لوسعهم! لذلك قالوا قديما: الأسوأ من الفاسد حاميه، والأخطر من الفساد بيئته الحاضنة!

ولكن زعيم عصابة الانقلاب، راعي الفساد والمفسدين، الذي أصدر قانونا مخالفا لدستور العسكر بتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية المستقلة، حيث تم تغيير كل رؤساء الأجهزة الرقابية المستقلة؛ من محافظ البنك المركزي إلى هيئة الرقابة المالية والإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، وكل ذلك من أجل حماية الفساد والمفسدين! كما قام بإعادة أفراد كل عصابات المخلوع إلى الواجهة مرة أخرى، مِن أمثال “علي مصيلحي” وغيره، وعين “هشام بدوي” رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو القاضي الذي برأ مبارك ورموز نظامه، تم تعيينه رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات بقرار من زعيم عصابة الانقلاب، وهو أحد المفسدين وحماة الفساد، لطمأنة مجموعة رجال الأعمال ولصوص المال العام، والمستشارين الذين بدأوا يشعرون بالخوف من تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، التي أعلنها جنينة، وقال عنها: أنها تطول المئات من القيادات السابقة في الدولة سواء في القضاء الشامخ، أو الجهاز التنفيذي، أو رجال الأعمال الذين ارتبطت أسماؤهم بتلك القضايا، وجنرالات عسكر كامب ديفيد المتقاعدين، الذين شغلوا مناصب عليا فى شركات ومؤسسات الدولة.

وكان “هشام بدوي” هو المسئول عن جميع قضايا معارضي المخلوع، سواء من الإخوان أو بقية الجماعات الإسلامية، منذ قضية سلسبيل التي اتهم فيها المهندس “خيرت الشاطر” نائب مرشد جماعة الإخوان وغيره من قيادات الجماعة في عام 1992، لضرب الإخوان اقتصاديا.

وفي أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير تولى المستشار “هشام بدوي” الإشراف على كل قضايا نظام المخلوع المتعلقة بإهدار المال العام، والفساد المالي، ومن بينها إحالة وزير البترول السابق “سامح فهمي” للنيابة بتهمة إهدار المال العام في قضية تصدير الغاز إلى دولة الكيان الصهيوني، وعدد من الدول الأوروبية بأسعار أقل من الأسعار العالمية، وقضية أمين لجنة السياسيات بالحزب الوطني “أحمد عز” الخاصة بحديد الدخيلة، وقضية “يوسف والي” وزير الزراعة الأسبق نائب رئيس الوزراء، فى بيع مائة ألف فدان للأمير “الوليد بن طلال” بثمن بخس، وهي القضايا التي أعدّ ملفاتها المستشار “هشام بدوي” انتهت جميعاً بأحكام براءة لرموز عصابة المخلوع بعد إحالتها إلى القضاء، وترجع أسباب البراءات إلى ضعف الأدلة والثغرات القانونية فى تلك القضايا!

واليوم يتم تحصين الفساد والمفسدين كما يتم تحصين الكتاكيت الصغيرة، بتكليف أهل الفساد بالرقابة على الفساد، وهل محاربة الفساد تكون بتكليف المفسدين؟ ولكن السبب يكمن فى غياب الشفافية والرقابة وانعدام الضمير والاعتماد على الفاسدين الذين يهتمون فقط بإرضاء من جاء بهم!

فالفساد يمثل شبكة عنكبوتية من المصالح التي لا يمكن النفاذ إليها بإرادة حقيقية لمحاربته، وليس بتشكيل اللجان التي عادة ما يكون دورها منحصرا فى تفريق المسؤوليات لإيجاد المخرج الآمن لكل فاسد مفسد، على غرار لجان “مِحْلب”!

لذلك لا يمكن أن يكون هناك إصلاح حقيقي إلا بهدم كل المؤسسات الفاسدة، وإعادة بنائها، وهي معروفة للجميع، وإن كان ذلك ليس بالشيء السهل؛ لأن أصحاب المصالح والمرتزقة والمنتفعين لن يتنازلوا عن مكتسباتهم بسهولة، لكن لا بديل عن ذلك لأن هدم مؤسسات الفساد هي الخطوة الأولى نحو إعادة بناء مؤسسات الوطن!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...