أما آن للظلم أن ينكشح

خليل الجبالي :
إن المسلم عندما يبتلي ويوقن أن الإبتلاء سنة من سنن الله تعالي سيُأجر علي إبتلائه بعد أن يقابله بالصبر والتحمل.
ولكن عندما يُظلم من بني جلدته، الذين يُفترض أنهم يأمنوه ويحموه، فإنه يشعر بمرارة الظلم وألمه.
فإن الظالمين لا يخافون الله بعد أن إنتهكوا حرمات المسلمين في بيوتهم، وفي ظلمات الليل كالخفافيش التي لا تتحرك إلا في الظلام ، فهم يرهبون الأبرياء في مضاجعهم ، المسالمين في تعاملاتهم.
وعندما يفيض الكيل من هؤلاء الظالمين فما للمظلوم من بدٍ إلا أن يرفع يديه بالدعاء إلي رب السماء أن ينتقم من هؤلاء الذين لا يخافون الله، فيرهبون الصغير والكبير .
أيها الظالمون يا من يتحركون دون وعي أو إدراك ، وينفذون أوامر لن تصل بهم إلا إلي المهالك والضياع.
أيها الظالمون انظروا إلي من كانوا قبلكم وفي مكانكم ، أين هم الآن ؟
(ومَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19) سورة الفرقان
وأين مكانتهم عند الناس؟
( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
إن إمرأة دخلت النار في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
أيها الظالمون ألا تخافون من الله ؟
ألا تخافون من دعوة يدعو بها المظلوم عليكم في أوقات السحر؟.
أما آن للظلم أن ينكشح!!
أيها الظالمون لن ترهبون إلا أنفسكم، فقد فقدتم صوابكم ، بل فقدتم عقولكم، كيف بكم ترهبون أطفالاً صغاراً لا حول لهم ولا قوة؟
كيف بكم تعتدون أنتم وجنودكم علي الرجال والنساء والفتيات وتحبسونهم بلا ذنب؟
( إنَّ فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) سورة القصص.
(ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ (46) سورة غافر
(إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) سورة غافر.
يقول الإمام علي رضي الله عنه – عن الظلم : (ليسَ شئٌ أَدعي إِلي تغييرِ نعمةِ اللهِ و تعجيلِ نقمتِهِ مِنْ إِقامَة علي ظُلْمٍ فَإِنَّ اللهَ سميعٌ دعوةَ المُضْطَهِدينَ و هُوَ للظالمينَ بالمرصادِ).
أيها الظالمون إن ظلمكم يزيد المؤمنين تقرباً إلي الله وطاعةً هم أجوح إليها ، فرب مصيبة حلت بالمسلم يتعبَّد بسببها عبادات ما كان ليُوفـَّق إليها لولا تلك المصيبة؛ فتنقلب في حقه نعمة قبل أن تكون نقمة.
أيها الظالمون كيف بكم تغيبون الشباب وراء القضبان بين إرهابكم بالتعذيب والتنكيل والتكبيل والحرمان؟
كيف بكم تحرمون آباءاً من آبناءهم؟
وتحرمون أبناءاً من آباءهم؟
كم من الآيادي المظلومة رفع عليها الدعاء حتي يشفي الله ما في صدور المؤمنين بعد أن ظلموهم واعتدى عليهم بالسب والأذي فنالوا منهم نفسياً وبدنياً.
روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي مسعود البدري قال:
{كنت أضرب غلاماً لي بالسَّوط، فسمعت صوتاً من خلفي: اعلم أبا مسعود ، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:
(اعلم أبا مسعود .. اعلم أبا مسعود ! فألقيت السوط من يدي هيبةً من رسول الله صل الله عليه وسلم وإذا به يُكرِّر: اعلم أبا مسعود .. اللهُ أقدرُ عليك منك على هذا الغلام،
قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً يا رسول الله .. هو حرٌ لوجه الله.
فقال صل الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تفعل ذلك لَلَفَحَتْك النَّار- أو لمسَّتْك النار).
وعن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله صل الله عليه وسلم : (( إنَّ الله لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) ، ثُمَّ قَرَأَ : ) وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( [ هود : 102] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أيها الظالمون استجيبوا لأمر الله تعالي: ( واتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) سورة البقرة
إن إعتقال أصحاب الدعوة والزج بهم في غايهب السجون لم يزدهم إلا جلداً وصبراً ، وقوةً وتحملاً.
فهم يوقنون أنهم علي الطريق الصحيح، طريق الحق، وأنهم أصحاب إبتلاء ، فأشد الناس إبتلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلي المرء علي قدر دينه، فمن ثخن دينه اشتد بلاءه ومن ضعف دينه ضعف بلائه.
(الَذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) سورة آل عمران.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...