في شهر شعبان محطات ونفحات

تحولات وتكتلات وثورات، أحداث تطوق الأرض ذكرا،   وتلف الدنيا صيتا، وتعم الحياة انتشارا وظلالا، لكن يبقى التحول الأول ( تحويل القبلة ) والتكتل الأول ( جماعة المسلمين ) والثورة الأولى (على الشرك والسفه) يتجدد مع كل عام، ويتألق مع مرور الأيام،  ينهل منه الأنام، وتتطلع معه الأحلام،  أحلام في تجرد القلب، واصطفاء الإيمان، وانتصار الحق، وانتشار الخير، وتميز الأمة، نعم إنه تحول ربط الأرض بالسماء بوحي الله، و أعاد المخلوق للخالق بأوامر السماء، أشاد بالمؤمنين ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ” ( البقرة:143) وسفه الخارجين ” سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عليهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” (البقرة:142) حدث ذلك بعد الهجرة بستة عشر أو سبعة عشر شهرا،  نعم حدث ذلك في شهر شعبان، في يثرب..!! مدينة الإيمان، ومصنع الفرسان، وميدان الفرقان…!!!

محطة رفع: نحن في شهر شعبان، شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله رب العالمين، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال

قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان

قال: ( ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) حسن رواه النسائي.

هكذا يتقلب المؤمن في طاعة الله، جعل الله له محطات يستزيد منها الإيمان، ويستلهم منها الفرقان،  يستوضح فيها الأمر، ويدرس من خلالها الآيات، ويستكمل من بين ثنايلها اليقين للقاء الله رب العالمين، “يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ” (الرعد2 )، فمن الإسراء والمعراج، إلى تحويل القبلة،إلى شهر رمضان، إلى موسم الحج،إلى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم،إلى هجرة النبي وصحبه الكرام، يريد الله للمؤمن أن يتولى أمره ليرفع قدره، ويعلي شأنه، ويهدي قلبه ” وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليمٌ ” (التغابن:11)، فيعود المؤمن من هذه المحطات أقوى إيمانا، وأثبت يقينا، وأصلب عودا وأرحب صدرا، وأوسع صبرا، يمكنه من الصمود في وجه العوادي والنكبات، لا تلن له قناة، ولا يفت له عزم، ولا تضعف له همة، لكن من ينهل ؟! و من يتزود ؟ ! ومن يسارع ؟!!، ومن يباشر هذه المحطات ؟!!!  “وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ( البقرة: 148)

هذه الدوحة التي نحن فيها، وهذه المحطة التي نباشرها الآن، هي تحويل القبلة، إنها ليست شيئا عاديا، ولا أمرا ثانويا، كلا..!! إنها اصطفاء واجتباء، إنها تميز وتجرد، إنها استقلال ووسطية، إنها طاعة وتلبية،  إنها تأدب رفيع مع وحي السماء، وأدب جم مع خالق الأرض والسماء ” قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا..” البقرة (144 ).

محطة إعداد وتدريب: شهر فيه تدريب وتهذيب، استعدادا لموسم الطاعات، وسوق الحسنات، وملتقى الخير مع المؤمنين والمؤمنات، إنه انطلاقة بعيدا عن ثقلة الحياة،وعوادم الأرض، وجواذب النفس، يسير الإنسان ببدنه إلى خالقه بعد الإسراء، ويعرج المرء بروحه إلى رازقه بعد المعراج،  يسمو بروحه فيفرح للقاء ربه،، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه, فقيل له يا رسول الله كراهية لقاء الله في كراهية لقاء الموت فكلنا يكره الموت قال: لا إنما ذاك عند موته إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه)

ويتقن عمله فيفرح برؤيته ربه “وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” (التوبة105).

وسنوالي الولوج في تلك المحطات لنقف عند اللمحات ونتعرض للنفحات، تباعا بإذن الله رب الأرض والسماوات.

اللهم تقبل منا رجب وشعبان وبلغنا رمضان، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا،وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...