سراب السلام مع إسرائيل

مجدي مغيرة:

حينما أعلن السادات عزمه عن الصلح مع إسرائيل وتطبيع العلاقات ليس بين الحكومات فقط ، بل كذلك بين الشعب المصري والشعب الصهيوني ، أردف ذلك بسيل من الأحلام الوردية والأماني العذاب والرخاء الذي سيعم أنحاء مصر بسبب هذا السلام الحالم .

وانطلق إعلامه يبشرنا بالخير العميم ، إذ سننفق أموالنا في تنمية البلاد وإصلاح أحوالها بدلا من إنفاقها على الحرب والسلاح ، وسنحفظ دماء أبنائنا من الجنود والضباط ، وبدلا من دمار الحرب ، سنسعى للتنمية والتعمير .

ولقد صدق كثيرٌ من الناس تلك الوعود ، وهاجموا كل من يعارض السلام مع إسرائيل ، متهمينه برغبته في استمرار الخراب وسفك الدماء وبقاء البلد على حالها دون إصلاح .

والذي حدث للمصريين هو عكس ما تمنوا ، وضد ما أمَّلوا ، فقد زادت الأسعار ، وزاد معها الفقر ، وارتفعت نسبة البطالة ، وعجزت رواتب الموظفين عن الوفاء باحتياجاتهم الأساسية ، بعد أن كان راتب الموظف حتى نهاية الثمانينات يكفيه وأولاده ، ويدخر منه ما يزيد ، فضلا عن ظهور الكثير من الآفات الزراعية في أراضي مصر التي كانت شديدة الخصوبة ، وكذلك زادت نسبة الأمراض المزمنة والمستعصية ، والأعجب أن نسبة الوفيات في حوادث الطرق كانت أعلى من نسبة الشهداء الذين خاضوا الحروب والمعارك ضد العدو الصهيوني .

وبدأ المصريون يبحثون عن السفر خارج البلاد ، ويرغبون في الهجرة الدائمة أو المؤقتة ، ويتهافتون على جنسيات الدول الغربية في سابقة لم تحدث من قبل ، ومازال السلام قائما بين مصر وإسرائيل ، ومازال الانحدار نحو القاع  والهبوط والسقوط هو أبرز ما نراه في مصر  منذ عقدنا معاهدة السلام عام 1977م وحتى الآن .

وما جرى في مصر ، جرى أيضا مع منظمة التحرير الفلسطينية التي ظنت أنها بذكائها وعبقريتها ستستطيع أن تستفيد من اتفاقها مع إسرائيل ؛ ليكون لها موطئ قدم في فلسطين ، وتكون هي البداية لتحرير الأرض ، ثم انتهى بها الحال أن صارت هي الحارس الأمين للدولة الصهيونية ضد المقاومة الفلسطينية ، وصارت أشد على المجاهدين من اليهود .

وكذلك لم نرَ أي تحسن طرأ على الأردن بعد أن أقام سلاما مع إسرائيل .

فهل من المنتظر أن تكون نتيجة السلام بين إسرائيل وباقي الدول العربية غير ذلك ؟ !!!

إننا الآن نسمع عن حوارات تدور بين العرب واليهود في السر أحيانا ، وفي العلن في أحيانا أخرى ، ونسمع عن تبادل تجاري ، وعن تبادل معلومات ، وعن تنسيق أمني وغير أمني في بعض المواقف ، بل سمعنا عن تعاون وثيق ضد المقاومة الفلسطينية ، وضد كل من يمثل حجر عثرة في طريق أطماع إسرائيل ، فهل هذا هو الرخاء المنتظر من إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل ؟

وهل هذا سلام بالمعنى الحقيقي لكلمة “سلام” أم هو استسلام ، وتطويع الشعوب العربية رغبا ورهبا لقبول إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة ؟

وإذا كانوا يريدون جعلها دولة طبيعية في المنطقة وليست كيانا استيطانيا يستولي على مقدرات شعوبنا ومقدساتنا ، أليس الأولى هو إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية بعضها وبعض بدلا من هذا التشرذم والتناحر والتطاحن ؟

أولى بمن يبحث عن السلام أن يقيمه مع الأقربين أولا ، وأولى بمن يتنازل عن الأرض وعن الثروات أن يكون تنازله لشعبه أولا ، أما أن يكون شحيحا على شعبه وعلى إخوانه ، مسرفا في العطاء لليهود والنصارى ، رحيما بهم  شديد القسوة على شعبه ؛ فنحن إذن أمام حالة غريبة عن معاني الأخوة الإسلامية ، وعلى الروابط القومية والوطنية .

لا أظن أن السلام بيننا وبين إسرائيل سينشر الأمن والأمان ، بل سينشر الرعب والخوف ، وسينشر الفقر والمرض ، وسينشر الفرقة والتطاحن بين الأشقاء ، وسيكون مدخلا لتسخير كل خيرات بلادنا للكيان الصهيوني ولكل من هب ودب عدا شعوبنا المغلوبة على أمرها ، كما قال الله عز وجل عن اليهود في قرآنه الكريم :” كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”   المائدة (64)  .

من ظن أن ملكه بيد البشر ، وغناه بيد البشر ، وأمنه وأمانه بيد البشر ، ولا يستريح قلبه إلا للبشر ، ولا يسود وجهه إلا عند سماع كلمة الحق ؛ فقد حق عليه وعيد الله تعالى كما قال في كتابه قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا”   مريم (75) .

فمتى نصحح المسار ؟ متى نستعيد وعينا ؟ متى سنتعمد على الله لا على البشر ؟

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...