علــــوّ الهمّـة وبنــاء الأُمّــــة

الحمد لله رب العالمين، الواحد بلا شريك، القهار بلا منازع، القوي بلا ظهير، العزيز بلا نصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو عز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، وغوث كل ملهوف، وهو ناصر كل مظلوم، وعد عباده المؤمنين بولايته وحمايته، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}، وتكفّل لهم بالهداية فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}، كما أكرمهم بوُدِّه ومحبته، فقال عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا وقائدنا محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار علة هديه ودربه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن من بين أهم صفات الإنسان المؤمن «علوّ همته»؛ لأنها دليل قيمته؛ فقيمة كل إنسان ما كان يحسنه، فإن كانت همته في خير وإلى خير كانت قيمته الحسنة، وإن كانت همته في شر وإلى شر كانت قيمته كما أراد لها…. وكيف لا؟ وهمّة المرء أبلغ من عمله.. هي طريق عزّ الأمّة ورشادها واستقلالها، هي منبع الخير، وبلسم الصلاح، ودليل الإصلاح..
مـــا الهمّـــة؟
الهمّة هي الباعث على العمل؛ فإمّا إلى أعلى أو إلى أسفل؛ فقد يوصف العبد بأنّ همّته في الثرى، أو همّته في الثريّا، كما أنّ الهمّة عمل قلبيٌّ. وهمّة العبد أبلغ من عمله؛ فمن سأل الله الشهادة بصدق بلّغه منازل الشهداء، ورُبّ درهم سبق ألف درهم، ومن همَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، فربّما أعطى الله تعالى على الهمّة أكثر مما يعطي على العمل. وصاحب الهمّة بقدر ما يتعنّى ينال ما يتمنّى. وعلو الهمة فريضة شرعية وضرورة واقعية؛ فالحديث عن علو الهمة ضرورة ملحة، تفرضها طبيعة الحياة، وحقيقة الدين الذي نحمله، وفظاعة بؤس الواقع الذي نعيش.
فإذا كنت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم

 لماذا علو الهمة؟
 مجالات علوّ الهمّة ودورها في بناء الأُمّة.
 كيف نرتقي بالهمم؟
إني لأتأمّل في هذه النماذج وتلك الصور الحيّة، ما الذي حرَّكهم، ودفعهم لفعل ما تنوء عنه الجبال؟ انظروا إليهم:
 خرج أنس بن النضر يوم أحد وقد فاته شرف المشاركة في بدر، فأقسم إن أراه الله معركة أخرى ليفعلن ما تسر به نفسه وأمته، فصدق الله فصدقه الله، واستشهد في أحد ولم يعرف -من كثرة الطعن والضرب- إلا من علامة في بنانه، حتى قال بعض الصّحب الكرام: كنا نقول نزلت فيه وفي أشباهه هذه الآية: «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»….. فما الذي حرَّكهُ؟ إنها الهمة العالية..
 ما الذي جعل أبا بكر يصوم يوما ويطعم مسكينا ويتبع جنازة ويعود مريضا في يوم واحد عند صلاة الفجر… ليس إلا الهمة العالية…
 يترك الثراء كله، وينتقل من معسكر الشرك واللهو إلى معسكر الفداء والتضحية وشظف العيش (مصعب الخير)، ويصير سفيرًا للإسلام، ويتحرّك بالدعوة بلا خوف أو وجل، ويضحي بروحه ونفسه في الجهاد؛ إرضاءً لله تعالى، ويموت يوم يموت ولا يجدون له كفنًا يناسبه، لماذا؟ همّته اشتعلت بحبّ الدين فقام يفتديه بروحه وماله وثرائه كله.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...