الحج منافع وفضائل

الحمد لله رب العالمين .. جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا ، وشرع الحج إليه فرضا ونفلا ، ورتب عليه جزاء وأجرا فقال تعالي (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(125) البقرة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير. أمر بتأسيس البيت علي التوحيد فوفد إليه المؤمنون من كل فج عميق لإقامة ذكره وشكره وحمده فهو المحمود في كل الأحوال ولا معبود بحق سواه . فقال تعالي ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28) ) الحج . وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. خير من لبي نداء ربه سبحانه وتعالي فنادي في الناس قَائِلاً: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ بِهِمْ هَتَفَ فِيهِمْ فَقَالَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : فيا أيها المؤمنون ….
لقد فرض الله على عبادِه حجَّ بيتِه الحرام في العمر مرَّة واحدة لِمن كان مستطيعًا، فقال تعالي: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، ولم يَفرضْه عليهم لحاجته إلى ذلك؛ فهو سبحانه الغنِيُّ الحميد: ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].
قال قتادةُ رحمه الله “إنَّ الله لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجتِه إليهم، ولا ينهاهم عمَّا نهاهم عنه بُخلاً عليهم، بل أمرهم بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرُّهم”.
فلا تنفعه سبحانه طاعةُ الطَّائعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصين؛ كما جاء في الحديث القدسيِّ:(يا عِبادي، إنَّكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلكم وآخِرَكم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجَرِ قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا…) .
وقد سجَّل سبحانه وتعالى أعمالَ العباد، وأحصاها لهم: (فمَن وجد خيرًا، فلْيَحمد الله، ومن وجدَ غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسَه) ، فمن: ﴿عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
وإنَّما فرضَ سبحانه وتعالى عليهم الحجَّ؛ لما فيه من المنافع العظيمة التي تعود عليهم في الدُّنيا والآخرة؛ كما صرَّح بذلك القرآنُ في قوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: 28].
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما “أمَّا منافع الآخرة، فرِضوان الله تعالى، وأمَّا منافع الدُّنيا، فما يُصيبون من منافع البدَن، والذَّبائح والتجارات”
فمَنافع الحجِّ كثيرة؛ منها: الإيمانيَّة، والتربوية، والاجتماعية، والاقتِصادية، والإدارية، والسياسيَّة، و…
فمن منافع الحج :ــ
أولا :ـ*الفيوضات الربانية :ـ هذه الرحلة ليست ككل الرحلات فيها زاد مكثف وفير يكرم الله به زوار بيته الحرام ، فالفيوضات الربانية أثناء فترة الحج وفى الأماكن المقدسة وعند أداء هذه الشعائر فيوضات غامرة من النور و الهداية و التقوى و الرحمة و السكينة ، خاصة إذا كان جهاز الاستقبال وهو قلب الحاج سليماً نقياً نظيفاًَ مخلصاً الوجهة لله ، فالمشاعر الوجدانية التى تتملك الحاج قبل سفره من رغبة ملحة وشوق كبير لأداء فريضة الحج وزيارة بيت الله الحرام وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم و التى تزداد أثناء السفر ، ثم اللحظات التى يقع فيها البصر لأول مرة على الكعبة المشرفة ، ما أعظمها وأروعها من لحظات فكأن شحنة روحية تدفقت على القلب الحاج فملأته خشية وخشوعاً لله وتعظيماً ومهابة لبيت الله الحرام ، وعند استلام الحجر الأسعد يمين الله فى الأرض ، وعند الوقوف بأعتاب الكعبة عند الملتزم حيث تسيل العبرات وتذرف دموع الخشية و الضراعة و التوبة و الندم ، وهناك أيضاً على عرفات الله وعلى جبل الرحمة فيض غامر ، الجميع فى صعيد واحد يجأرون إلى الله بالدعاء وقد أتوا من كل فجٍ عميق ، والحج عرفة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون إكرام الله لزوار بيته فلا يردهم خائبين ، فيقبل توبة التائبين واستغفار المستغفرين ودعاء الداعين وتتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتغمر قلوبهم بنور الله وتقوى الله وتكون السعادة الحقة التى تذكر بسعادة أهل الجنة .
ثانيا :تحقيق التوحيد:ـ ففي القرآن سورة سُمِّيت بـ”سورة الحج”، جلُّها تتحدَّث عن التوحيد، والتحذير من الشِّرك بكافَّة صُوَرِه وأشكاله؛ ومما جاء في هذه السورة الكريمة قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26]، وفيها قولُه تعالى: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31]، وفيها قوله: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: 34].
فالحجُّ هو خاصَّة الحنفيَّة، وسرُّ كلمة التَّوحيد؛ قال ابن القيِّم رحمه الله “وأمَّا الحجُّ، فشأنٌ آخَر، لا يدركه إلاَّ الحُنَفاء الذين ضربوا في المحبَّة بسهمٍ، وشأنه أجَلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصَّة هذا الدين الحنيف، حتَّى قيل في قوله تعالى: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ﴾ [الحج: 31]؛ أيْ: حُجَّاجًا، وجعل الله بيته الحرامَ قيامًا للنَّاس، فهو عمود العالَم الذي عليه بناؤه، فلو ترك النَّاس كلُّهم الحجَّ سنةً، لَخرَّت السماء على الأرض؛ هكذا قال ترجمان القرآن ابن عباس، فالبيت الحرام قيامُ العالم، فلا يزال قيامًا ما زال هذا البيت محجوجًا، فالحجُّ هو خاصَّة الحنيفة، ومعونة الصَّلاة، وسِرُّ قول العبد: “لا إله إلا الله”؛ فإنه مؤسَّس على التوحيد المَحْض، والمحبَّة الخالصة”.
ولِما للتَّوحيد من أهمية عظيمة، ولِما للشِّرك من أخطار جسيمة؛ فقد استغلَّ عليه الصَّلاة والسَّلام “حجَّة الوداع” في الحثِّ على تحقيق التوحيد، والتحذير من الشِّرك بأقواله وأفعاله؛ كما تدلُّ على ذلك عدَّةُ مواقف؛ منها:
1 – التَّلبية وهي شعار الحجِّ – فقد وحَّد اللهَ فيها، ونفى عنه الشريك، فقال:(لبَّيْك اللهم لبَّيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك).
2 – الدُّعاء، كما في قوله: (خير الدُّعاء دعاء يوم عرفات، وخير ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير).
3 – الطَّواف والسعي؛ كما في حديث جابرٍ الطويل، وفيه: “فبدَأ بالصَّفا، فرَقِي عليه حتَّى رأى البيت، فاستقبل القِبلة، فوحَّد الله، وكبَّرَه، وقال: (لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، لا إله إلاَّ الله وحده…) قال مثلَ هذا ثلاث مرَّات، حتَّى أتى المروة، ففعل على المروةِ كما فعل على الصَّفا…”
ثالثا : المتابعة:ــ
وذلك بأنْ يتعبَّد العبد لربِّه بما شرَعه له في كتابه وفي سُنَّة نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم لا بما يهواه أو يَستحسنه؛ لذلك نرى أن النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في حجته أكَّد على أهمية المتابعة، فقال مخاطِبًا الصحابة: ((لتأخذوا مناسِكَكم؛ فإنِّي لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعد حجتي هذه)).
وهو خِطابٌ لجميع الأمة؛ وكأنَّه يقول: تعلَّموا كيفية الحجِّ؛ فأحرِموا من الميقات كما أحرَمْتُ، ولَبُّوا كما لبَّيت، وطوفوا باليت سبعًا كما طُفْتُ، وقِفُوا في عرفات كما وقَفْتُ، وهكذا افعلوا في جميع مناسك الحجِّ، فأدُّوا مناسك الحجِّ كاملةً بشروطه وأركانه، وواجباته وسُنَنه.
وحذَّرهم عليه الصَّلاة والسَّلام من اتِّباع الهوى، والابتداع في الدِّين، فقال وهو على ناقته بعرفات:(ألاَ وإنِّي فرَطُكم على الحوض، وأُكاثر بكم الأُمم، فلا تُسوِّدوا وجهي، ألاَ وإنِّي مستنقِذٌ أُناسًا، ومستنقَذٌ منِّي أناس، فأقول: يا رب، أُصَيحابي، فيقول: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
فهذا النبي صلي الله عليه وسلم يتقدم في إحرامه الطاهر وقلبه الخاشع وخلقه المتواضع، يتقدم إلى حيث ذكريات جده أبي الحنيفية، ومُرسِي دعائم هذا البيت العتيق، وجنبات الحرم تدوي بالتهليل والتكبير {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [(127) سورة البقرة].
كلمات التلبية وعبارات التوحيد تملأ المكان، وتُطرِبُ الزمان، وتتصاعد في إخلاصها إلى الواحد الديّان، ويقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود ليقبله قبلة ترتسم على جبينه درة مضيئة على مر السنين، لم يتمالك نفسه صاحب النفس الخاشعة والعين الدامعة، فينثر دموعه مدراراً وتتحدر على خده الشريف المشرق صلى الله عليه وسلم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتابع الموقف بلهفة وتعجب: يا رسول الله: لماذا تبكي؟ يكفكف صلى الله عليه وسلم – دموعه الطاهرة ويجيب عمر بعبارات هادئة خاشعة باكية قائلاً:(هنا تسكب العبرات يا عمر) .
الحجر الأسود قبلته *** بشفتي قلبي وكلي وله لا لاعتقادي أنه نافع *** بل لاقتدائي بالذي قبله محمد أطهر أنفاسـه *** كانت على صفحته مرسله قبله والنور من ثغره *** يشرق آيات هدى منزله .
وقد وعى الصَّحابةُ هذا الدَّرس، وطبَّقوه في حياتهم كلِّها؛ فهذا عمر بن الخطاب يُتابع النبِيَّ في كلِّ شيء؛ حتَّى إنه لَمَّا أتى إلى الحجر الأسود قبَّله كما قبَّله رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: “إنِّي لأَعْلم أنَّك حجر لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقبِّلك ما قبَّلتُك”.
وقد استنبطَ العلماء من هذا الأثر فوائدَ جمَّة؛ منها: “التسليم للشَّارع في أمور الدِّين، وحسن الاتِّباع فيما لم يُكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتِّباع النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيما يفعله ولو لم تُعلم الحكمة فيه”
وعبدالله بن عمر تابَع رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل شيء، وفعل كما فعل، ولما استلم الحجر الأسود أكَّد على اتِّباعه للسُّنة بقوله: “اللَّهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، واتِّباعًا لِسُنَّة نبيِّك”
فمتابعة الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – نجاة، ومخالفتُه فِتنة، فقد رُوي أنَّ رجلاً جاء إلى الإمام مالكِ بن أنس، فقال له: “يا أبا عبدالله! من أين أُحْرِم؟ قال: من ذي الحُلَيفة، من حيث أحرمَ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: إنِّي أريد أن أُحرم من المسجد، فقال: لا تفعل، قال: فإنِّي أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل؛ فإنِّي أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة هذه؟! إنما هي أميال أَزِيدها، قال: “وأي فتنة أعظم من أن ترى أنَّك سبَقْتَ إلى فضيلةٍ قَصُر عنها رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! إني سمعتُ الله يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]”
فللإخلاص والمُتابعة أهميَّة عظيمة؛ فقَبول الأعمال الصَّالحة ورَدُّها متوقِّف عليهما، فإذا وُجِدا قُبِلَت، وإذا فُقدا – كِلاهما، أو أحدهما – رُدَّت؛ لقوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2].
قال ابن كثيرٍرحمه الله “ولا يكون العمل حسَنًا حتَّى يكون خالِصًا لله – عزَّ وجلَّ – على شريعة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فمتَى فقَد العملُ واحِدًا من هذين الشَّرطين، حَبِط وبَطَل”.
وقال الفضيلُ بن عياضٍ في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: 2]، قال: “أخْلَصه وأصوبَه”، قالوا: يا أبا علي، ما أخلَصُه وأصوبه؟ قال: “إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا، لم يُقبل، حتَّى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصَّواب: أن يكون على السُّنة”
رابعا : حصول التقوى : ــ
فقد شرع الله الشرائع كلَّها لهذه الغاية؛ فعلى سبيل المثال شرع الله الصيام لذلك، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وأيضًا شرَع الله الحجَّ لذلك؛ فقد ذُكِرَت التَّقوى في آيات الحجِّ في عدَّة مواضع؛ كما في قوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾… ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: 196]، وقال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [البقرة: 203]، وقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197].
فخيرُ زادٍ يتزوَّد به العبد زاد التَّقوى؛ كما قال ابن رجب رحمه الله “فما تزوَّد حاجٌّ ولا غيره أفضل من زاد التَّقوى، ولا دُعِي للحاجِّ عند توديعه بأفضلَ مِن التقوى، وقد رُوي أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ودَّع غلامًا للحجِّ، فقال له: (زوَّدَك الله التقوى)
وعندما يُسافر العبد يدعو ربَّه بقوله: “اللَّهم إنَّا نسألك في سفَرِنا هذا البِرَّ والتَّقْوى، ومِن العمل ما ترضى”
فالتَّقوى: “زاد القلوب والأرواح؛ منه تَقْتات، وبه تتقوَّى وترفُّ وتشرق، وعليه تستند في الوصول والنَّجاة، وأُولو الألباب هم أوَّل مَن يُدرك التوجيه إلى التَّقوى، وخير مَن ينتفع بهذا الزاد”[30].
والتقوى غاية الأمر، وجماع الخير، ووصية الله للأولين والآخرين، والحج فرصة عظمى للتزود من التقوى، قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) “البقرة: 197”. وقال عز وجل: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) “الحج: 32”. * فأولو الألباب الذين خصهم الله بالنداء لتقواه ، يأخذون من الحج عبرة للتزود من التقوى، فينظرون إلى أصل التشريع الإلهي، ومكانته المهمة في الدين، ويعلمون أن صدق المحبة والعبودية لله لا يكون إلا بتقديم مراد الله على كل مراد. * فهذا إبراهيم الخليل – عليه السلام- ابتلاه الله عز وجل بذبح ابنه الوحيد إسماعيل، الذي ليس له سواه، والذي رزقه الله إياه عند كبر سنه؛ والذي هو أحب محبوب من محبوبات الدنيا. * وهذا الأمر من أعظم البلاء، وبه يتحقق الإيمان وتظهر حقيقة الامتحان؛ فالخليل أعطى المسلمين درساً عظيماً للصدق مع الله، وذلك بتقديم مراد الله على مراد النفس مهما غلا وعظم؛ فإنه عليه السلام – بادر إلى التنفيذ- مع شدة عاطفته، وعظيم رحمته ورقته وشفقته- فأفلح، ونجح، وتجاوز هذا البلاء، فرحمه الله، وشل حركة السكين عن حلق ابنه، بعد أن أهوى بها الخليل؛ ففداه الله بذبح عظيم، وجعلها سنة مؤكدة باقية في المسلمين إلى يوم القيامة؛ ليعاملوا الله – عز وجل- معاملة المحب لحبيبه ومعبوده، فيضحوا بمرادات نفوسهم ومحبوباتها في سبيل مراد الله ومحبوبه. * فإذا عرف الحجاج هذا المعنى، وأدركوا هذا السر العظيم الذي لأجله شرعت الهدي والأضاحي عادوا يحملون تلك المعاني العظيمة؟، التي تجعلهم لا يتوانون عن تنفيذ شيء من أوامر الله، فلا تمنعهم لذة النوم وشهوة الفراش عن المبادرة إلى القيام إلى صلاة الفجر. * ولا يمنعهم حب المال، والحرص على جمعه من ترك الغش، والغبن، والربا، والتطفيف، وإنفاق السلع بالأيمان الكاذبة. * ولا يمنعهم حب الشهوات والميل إلى النساء، والطمع في نيل اللّذة المحرمة من غض البصر، ولزوم العفة، وحفظ الفروج؛ إيثاراً لما يحبه الله على ما تحبه نفوسهم، وتنزع إليه طبائعهم، ورغبة في نيل رضا الله وعوضه في الدنيا والآخرة. * ولا يمنعهم حب الدنيا عن الإنفاق في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
فالعبد حينما يقوم بأداء مناسك الحجِّ يكون في غايةٍ من المُراقبة لله، فهو يراقب الله في إحرامه من الميقات، فلا يتجاوَز الميقات بدون إحرام، ويراقبه في الامتناع عن ارتكاب ما يخلُّ به من المحظورات، ويراقب الله في سعْيِه وطوافه، فلا يزيد فيهما ولا ينقص، ويراقب الله في الوقوف في عرفات، فيقف في الوقت المحدَّد للوقوف، ويحرص على أن يقف في داخل حدودها، لا في خارجها؛ لأنَّه يَعلم أنَّ الوقوف بعرفات رُكْن الحجِّ الأعظم؛ لقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم (الحجُّ عرفات).
فالحاج يطوف بالبيت العتيق سبعاً ويسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ويرمي الجمار سبعاً، ويقف في عرفةفي وقت محدد، وينصرف منها في وقت محدد، ويبيت في المزدلفة في وقت محدد، وهكذا. فلا تراه يزيد في الجمار أو ينقص، ولا تراه يفعل عملاً من أعمال الحج في غير وقته، ولا تراه يأتي محظوراً من محظورات الإحرام عالماً عامداًً. لماذا؟ لأنه يخشى من فساد حجه، ولأنه يعلم بأن الله مطّلع عليه.
وقد جاءت الإشارة إلى التحلِّي بالمراقبة في قوله تعالى في آيات الحجِّ: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197].
خامسا: التعود على انتظار الفرج : فإذا رأى الحاج جموع الحجيج المزدحمة عند الطواف، والسعي، وفي رمي الجمرات ظن أن تلك الجموع لن تتفرق، وأنه لن يصل إلى مبتغاه من إكمال الطواف، أو السعي أو رمي الجمار، وربما أدركه الضجر، وبلغت به السآمة مبلغها، وربما أضمر في نفسه أنه لن يحج بعد عامه هذا. وما هي إلا مدة يسيرة، ثم تنتقل الجموع، ويتيسر أداء المناسك. * وهذا درس عظيم، وسر بديع يتعلم منه الحاج عبودية انتظار الفرج، وهي من أجلّ العبوديات، وأفضل القربات؛ فلا ييأس بعد ذلك من روح الله، وقرب فرجه مهما احلولكت الظلمة، ومهما استبد الألم، ومهما عظم المصاب سواء في حاله أو في حال أمته، بل يكون محسناً ظنه بربه، منتظراً فرجه ولطفه، وقرب خيره- عز وجل- فيجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه، وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل. ولا بعد في خير وفي الله مطمع ولا يأس من روح وفي القلب إيمان.
فتتعلُّقُ القلوبِ بالله وإحساسُها بالعبوديةِ التامَّةِ لجبَّارِ السمواتِ والأرضِ، حتى ولو لم تكنْ آمنتْ به من قبلُ، وتنسى آلهتَها المزعومة من الملائكةِ والبشرِ وغيرهم، لأنها تدركُ يقينًا أنْ لا سبيلَ للنَّجاةِ من الشِّدَّةِ إلا باللُّجوءِ إلى القويِّ القاهرِ سبحانه، مع أنها قد تنسَى ذلك بعدَ النجاة، وهذا ما جاءَ في آياتٍ كثيرةٍ في القرآنٍ العظيم، منها ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾. (يونس 12).
ومنها ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (يونس 22-23).
ومنها ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ (الإسراء 67).
ويستشعر المؤمن معني معية الله عز وجل ويشتشعر معني دعاء النبي صلي الله عليه وسلم ( اللهم أنت الصاحب فى السفر و الخليفة فى الأهل و المال و الولد ) ما أعظم أثر هذا الدعاء فى نفس المؤمن يشعر بصحبة الله ومعيته فى السفر ، فهو فى حفظ الله ورعاية الله وضمان الله ، ثم الاطمئنان أن الله هو الخليفة فى الأهل و المال و الولد فلا قلق ولا انشغال على شىء من ذلك، وهكذا يتحقق التفويض لله وجميل التوكل عليه بصورة عملية واقعية ، ومن أروع القصص التابعي الجليل حاتم الأصم رحمه الله تعالي . كان لحاتم الأصم أولاد ، فقال لهم :إني أريد الحج هذا العام. فبكوا، وقالوا :إلى من تكلنا يا أبانا؟ فقالت إحدى بناته:كفوا عن البكاء ، و دعوا أبانا يحج ، فليس هو برازق : ” إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين” الذاريات58. نام الأولاد جياعاً ، و جعلوا يلومون أختهم ،فقالت : اللهم لا تخزني بينهم. فمر أمير البلد بهذا المكان وطلب ماءً ، فناوله أحدهم كوزاً (الكوز:إناء من الفخار أصغر من الإبريق) جديداً فيه ماء بارد، فشرب الأمير ، و سأل الولد : دار من هذه؟ قال :دار حاتم الأصم، فرمى الأمير قطعة من ذهب ،و قال لأصحابه: من أحبني فعل مثلي ، فرموا كلهم مثل ما رمى. بكت بنت حاتم الأصم، فقالت لها أمها: ما يبكيك وقد وسع الله علينا؟ فقالت : يا أماه ،مخلوق نظر إلينا فاستغنينا وشكرنا، فما ظنك بالله جلّ و علا لو نظر إلينا ؟
سادسا: التخلق بأخلاق الإسلام:ــ فالحج ميدان فسيح لمن اراد ذلك؛ فالحاج يتدرب عملياً على الحلم، والصبر، والمداراة، وكظم الغيظ من جرّاء ما يلقى الزحام، والتعب، والنصب سواء في الطريق إلى الحج، أو في الطواف، أو في السعي، أو في رمي الجمار، أو في غيرها من المناسك، فيتحمل الحاج ما يلقاه من ذلك؛ لعلمه بأن الحج أيام معدودة، ولخوفه من فساد حجه إذا هو أطلق لنفسه نوازع الشر، ولإدراكه بأن الحجاج ضيوف الرحمن؛ فإكرامهم، والصبر على ما يصدر من بعضهم دليل على إجلال الله عز وجل. فإذا تحمل الحاج تلك المشاق في أيام الحج صار ذلك دافعاً لأن يتخلق بالأخلاق الجميلة بقية عمره. * ثم إن الحاج يتعلم الكرم، والبذل، والإيثار، والبر، والرحمة، وذلك من خلال ما يراه من المواقف النبيلة الرائعة التي تجسّد هذه المعاني؛ فهذا سخيّ يجود بالإنفاق على المساكين، وذاك كريم بخلقه يعفو عمّن أساء إليه، وأخطأ في حقه، وذاك رحيم يعطف على المساكين ويتطلف بهم، وذاك حليم يصبر على ما يلقاه من أذى، وذاك بر بوالده يحمله على عاتقه، وذاك يحوط أمه العجوز بلطفه ورعايته. * بل ويكتسب الأخلاق الجميلة إذا رأى من لا يدركون معنى الحج، ممن يغضبون لأدنى سبب، وتطيش أحلامهم عند أتفه الأمور. فإذا رأى العاقل البصير سوء فعال هؤلاء انبعث إلى ترك الغضب، وتجافى عن مرذول الأخلاق.
سابعا: التعود علي مراغمة الشيطان: فالشيطان عدو للإنسان مبين، ولقد حذرنا الله – تبارك وتعالى- من الشيطان وأمرنا بأن نتخذه عدواً، وبألا نتبع خطواته، فمراغمة الشيطان مرضاة للرب –جل وعلا-. * وهذا الأمر يتجلى في الحج، وأعظم ما يتجلى في رمي الجمار؛ فالحجاج لا يرمون الشيطان، وليس الشيطان بواقف لهم يرجمونه. وإنما يرجمون المواقف التي وقف فيها الشيطان لأبيهم إبراهيم، فرجمه الخليل –عليه السلام- فهم يرجمونه لا لمجرد التكرار، وإنما للانتفاع والاعتبار؛ فعليهم أن يتأملوا كيف عرف أبوهم إبراهيم الذي وقف له ليصده عن تنفيذ أمر ربه أنه شيطان؛ حيث تمثل له ثلاث مرات؛ ليثنيه عن ذبح ابنه، فرجمه إبراهيم ثلاث مرات كل مرة سبع حصيات، وقال له: ليس لك عندي إلا الرجم، فخنس وخسأ، وخاب ظنه، ونكص على عقبيه. * فأولو الألباب يعتبرون بهذا الجرم، ويأخذون منه دروساً وعبراً؛ إذ يعاملون كل شيطان من شياطين الجن والإنس ممن يريدون صرفهم عن طاعة ربهم بالرجم المعنوي الذي هو بغض مَنْ صدّ عن سبيل الله، وعصيانه، و مراغمته، والابتعاد عنه، والاستعاذة بالله منه. فيعرفون أن كل من حاول صدهم عن طاعة ربهم، او فتنتهم في دينهم أنه شيطان مهما لبس من لبوس، ومهما أظهر من مودة وتصنع.
فضائل الحج :ـــ
لقد من الله تعالي علي حجاج بيته بفضائل عظيمة وكثيرة ومتنوعة منها :ــ
1 ــ من أفضل الأعمال والقربات عند الله:ــ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل؟ قال: “إيمان بالله ورسوله”. قيل: ثم ماذا؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”. قيل: “ثم ماذا؟” قال: “حج مبرور”. {البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأحمد}.
2- والحج يعدل الجهاد في سبيل الله، وينوب عنه لمن لا يقدر عليه ومن لا يُكلف به:ــ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: “لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور”. {البخاري }. وفي رواية: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: “لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حجٌ مبرور”. فقالت عائشة: فلا أدعُ الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . {البخاري }. وفي رواية للنسائي: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد. قال: “لا، ولَكُنَّ أحسنُ الجهاد وأجملُه حج البيت، حجٌ مبرور”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” جهادُ الكبير والضعيف والمرأة: الحَجّ والعُمرَة ” ، وعنه أيضاً أنه قال: سُئِلَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أيُّ العمل أفضل؟ قال:” إيمانٌ بالله ورسوله “، قيل: ثم ماذا؟ قال: ” الجهاد في سبيل الله “، قيل: ثم ماذا؟ قال: “حَجٌّ مبرور”.
3- الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة:ــ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”. {متفق عليه، البخاري كتاب الحج ، ومسلم }.
4- الحج المبرور سبب لغفران الذنوب:ــ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجح كيوم ولدته أمه”. {البخاري }.وعند مسلم: “من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه”. وعند الترمذي: “من حج فلم يرفث ولم يفسق غُفر له ما تقدم من ذنبه”. وقال النبي صلي الله عليه وسلم “اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج ” أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم . ويروى أن علي بن موفق حج عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حججا قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقال لي يا ابن موفق حججت عني قلت نعم قال ولبيت عني قلت نعم . قال فإني أكافئك بها يوم القيامة آخذ بيدك في الموقف فأدخلك الجنة والخلائق في كرب الحساب. وقال مجاهد وغيره من العلماء إن الحجاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقا . وقال الحسن من مات عقيب رمضان أو عقيب غزو أو عقيب حج مات شهيدا .
وقال عمر رضي الله عنه الحاج مغفور له ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول. وقد كان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم ويسألوهم الدعاء ويبادرون ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام . ويروى عن علي بن موفق قال حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال الآخر لبيك يا عبد الله قال أتدري كم حج بيت ربنا عز و جل في هذه السنة ؟ قال لا أدري قال حج بيت ربنا ستمائة ألف ! أفتدري كم قبل منهم ؟ قال لا قال ستة أنفس قال ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعا واغتممت غما شديدا وأهمني أمري فقلت إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال أتدري ماذا حكم ربنا عز و جل في هذه الليلة قال لا قال فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف قال فانتبهت وبي من السرور ما يجل عن الوصف . وعنه أيضا رضي الله عنه قال حججت سنة فلما قضيت مناسكي تفكرت فيمن لا يقبل حجه فقلت اللهم إني قد وهبت حجتي وجعلت ثوابها لمن لم تقبل حجته قال فرأيت رب العزة في النوم جل جلاله فقال لي يا علي تتسخى علي وأنا خلقت السخاء والأسخياء وأنا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأحق بالجود والكرم من العالمين قد وهبت كل من لم أقبل حجه لمن قبلته.
5- الإكثار من الحج والعمرة ينفيان الفقر :ــ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد”. {الترمذي عن ابن مسعود، وابن ماجه عن عمر}.
6- الحاج وافد على الله، ومن وفد على الله أكرمه الله:ــ عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم”. {ابن ماجه }. وفي رواية: “الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم”. {ابن ماجه}.
7 ـ فريضة الحج دائمة مستمرة حتى بعد ظهور الفتن العظام:ــ “ليحجن هذا البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج”. {صحيح الجامع}. فإذا قبض الله أرواح المؤمنين في آخر الزمان ولم يبق على الأرض إلا شرار الخلق الذين تدركهم الساعة وهم أحياء توقف الحج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت”. {صحيح الجامع}.
8 ـ العبادة التي تغيظ الشيطان :ــ ومما يدل على فضل الحج ما يكون في عشية عرفة من تنزّل الرب سبحانه وتعالى ومباهاته سبحانه لملائكته بالحجاج فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفه، وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ” رواه مسلم.
9ـ تلبية الحجر والشجر مع الحاج :ــ عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه, و عن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا ” رواه الترمذي وبن ماجة.
10ـ فضل الطواف :ــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من طاف بهذا البيت سبوعاً فأحصاه كان كعتق رقبة ” صحيح الترمذي . وقال ” لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتبت له بها حسنة .. ” صحيح الترمذي ..
11- فضل مسح الحجر والركن اليماني :ــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن مسحهما كفارة الخطايا ” صحيح الترمذي ..
الخاتمة :ـ هنيئا لحجاج بيت الله الحرام الذين سافروا بقلوبهم وأرواحهم …فهي رحلة القلوب والأرواح وهذه استجابة لدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [(37) سورة إبراهيم] إبراهيم وفي عام من الأعوام شاهدوا منظرا تشيب منه الرؤس ، شاهدوا حاجين أحدهما أعمي والآخر مشلول ، حمل الأعمي المشلول فكانت الحركة من الأعمي والتوجيه من المشلول ، وتحملا كل المتاعب رغم الزحام عند كل منسك من المناسك وذلك لأن القلوب هي التي هوت وليست الأجساد .
– رحلة الحج ليست كغيرها من الرحلات إنها ليست رحلة بالأجساد الى مكة حيث الكعبة وجبل عرفات ، إنها رحلة ربانية ، رحلة نورانية ، رحلة قلوب وأرواح تسعى الى خالقها ، فتتصل بأصلها وتستمد القوة و الحياة و السعادة وتتزود بالتقوى خير زاد .
فاللهم ارزقنا حج بيته الحرام واكتب لنا زيارة نبيه عليه الصلاة والسلام وتقبل منا جميعا صالح الأعمال .
آمين يارب العالمين .

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...