سلفية أم جبرية ؟!

مجدي مغيرة:

نعيش اليوم أوضاعا دينية عجيبة وغريبة ، هي ثمرة ما عشناه في الماضي القريب من أفكار ومفاهيم ظنناها تعبر عن الحقيقة ، وإذ بنا نكتشف تحت وقع المعاناة التي نحياها أنها كانت فخاخا نصبوها للإيقاع بنا .

فقد نشأنا ونحن ننظر إلى ما يسمى بالسلفية على أنها حركة إحياء إسلامية تهدف إلى العودة إلى حياة السلف الصالح ، ومع ما كنا نراه في بعض أفكارها من جموح وتشدد ، وسوء ظن بالعلماء الذين لا ينتمون إليها ، فقد كنا نفسر ذلك بأنه سوء فهم منهم ، وما إن يقرأوا هم لهؤلاء العلماء حتى يزول الالتباس ، وتتضح الصورة ، ويحسنون بهم الظن  .

لكننا اكتشفنا فيما بعد أن المسألة ليست سوء فهم ، بل هي في الحقيقة المرة تعمُّدٌ لتشويه صورة علماء مجاهدين نطقوا بكلمة الحق في وجه سلطان جائر بغرض تنفير الناس منهم ؛ فلا يقرأون لهم ، ولا يتبنون أفكارهم .

فلقد تسلط هؤلاء على الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ، فأشاعوا عنه ما أشاعوا ، واتهموه في عقيدته ، ولقد استمعت إلى بعض خطب هؤلاء ودروسهم وهم يفندون أفكار الغزالي بأسلوب مليء بالمغالطات والتدليس، وكنت أستغرب من انتشار تلك الخطب والدروس انتشار النار في الهشيم رغم تهافتها ، ولم أكن أنتبه وقتها أن الذي يسعى لنشرها على أوسع نطاق هي الأجهزة الأمنية بقصد تنفير الناس من العلماء والدعاة الذين ينطقون بكلمة الحق ولا يخشون في الله لومة لائم .

ومثلما فعلوا مع الغزالي ، فعلوا أيضا مع شهيد القرآن سيد قطب رحمه الله ، ومما كان يثير استغرابي أن الشهيد سيد قطب يدعو إلى العقيدة السلفية التي يناصرونها ، وكان أولى أن يستفيدوا من دفاعه عنها ، لكن للعجب تجدهم يتهمونه باتهامات بالغة الغرابة ، ورغم أن العديد من العلماء فندوا تلك الاتهامات ، مستندين في ذلك إلى كلام سيد قطب الصريح في كتبه العديدة ، لكن كان هناك إصرار على تجاهل تلك الردود الواضحة وضوح الشمس ، وإصرار كذلك على ترديد الاتهامات  وتكرارها حتى تصير في أذهان الناس كأنها حقيقة مسلم بها .

وقل مثل ذلك على كتابات الشيخ يوسف القرضاوي صاحب المؤلفات المتميزة.

ولم يقتصر الأمر على مهاجمة العلماء ، بل تعدى ذلك إلى مهاجمة حركات المقاومة التي حملت عبء الدفاع عن مقدساتنا في فلسطين ، وتصيبك الدهشة حينما تستمع إليهم وهم يهاجمون حركة حماس ، ويشمتون فيما يصيبها من العدو الصهيوني ، ويفتون بعدم جواز تقديم العون لها ، بل ويحرضون عليها .

في مقابل ذلك كنت تجد أمرا عجبا ، فحينما كان الأمن المصري يقبض على شباب الصحوة عشوائيا دون تهم محددة ، كان يتم الإفراج سريعا عن هؤلاء بمجرد أن يذكر أنه أحد اتباع الشيخ فلان أو علان من دعاة السلفية !!!

وفي الوقت الذي يهدمون فيه هؤلاء الأعلام تجدهم يفتون بفتاوى تجعل من المسلم مجرد مخلوق خانع ، لا يرفع رأسا ضد باطل ، ويطأطئ أمام الطغاة والمستبدين بحجة وجوب طاعة ولي الأمر وإنْ جَلَد ظهرك وأخذ مالك، رغم أن القرآن يربي أتباعه على عزة النفس ، والرسول صلى الله عليه وسلم يوجه المسلم ألا يعطي الدنية من نفسه ودينه .

وحين حمل بعضهم السلاح ، لم يحمله ضد أعداء الأمة ، بل توجهت رصاصاته إلى صدور المسلمين ، وإلى رؤوس المجاهدين ، رأينا ذلك بصورة واضحة في العراق وسوريا وفلسطين واليمن ، وغيرها من أرض المسلمين المشتعلة بروح الثورة على الظلم والظالمين .

لقد كان هؤلاء ، – وما زالوا – خنجرا في قلب الأمة ، يسعون إلى قتل روح النخوة في النفوس ، ويهدفون إلى كسر شوكة المجاهدين في الوقت الذي يدعون فيه أنهم أنصار الإسلام وحملة راية العلم فيه ، فما أكثر الزيف في عالمنا اليوم ، وما أحوجنا إلى التمييز بين الدعاة والأدعياء ، وبين المجاهدين والمجرمين ، وبين المخلصين والمنافقين .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...