حقيقة الشهادة وفضل الشهداء

من هم الشهداء؟
الشهداء هم الذين قُتلوا في سبيل الله تعالى، سواء أكان ذلك في ميدان القتال، أم كان في ميدان الدعوة إلى الله تعالى وإلى الصراط المستقيم، وكل داع لله إذا قتل في سبيله أو مات في طلبه فقد قتل في سبيل الله تعالى، فعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» البخاري، وفي رواية الإمام مسلم: عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ  عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ».
(يقاتل بشجاعة)؛ أي: ليذكره الناس، ويصفوه بالشجاعة.
(حمية): الحمية الأنفة والغيرة لعشيرته؛ أي: يقاتل مراعاةً لعشيرته والقيام لأجلهم. (كلمة الله):؛ أي: دينه، والمراد: أن من قاتل لإعزاز دينه فقتاله في سبيل الله، لا ما ذكره السائل.
مكانة الجهاد في سبيل الله:
الجهاد في سبيل الله هو العزُّ الذي أظهر الله به دينَ الإسلام، والتجارةُ الرابحةُ التي ندب الله إليها خيارَ عباده أولي العزم من المؤمنين، فقال عز وجل: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة: 111).
والجهـاد: لغـة: المشقة وبذل ما في الوسع، وشـرعًا : بذل الجهد واستفراغ الوسع في قتال الكفار والمنافقين وسائر أعداء الدين، وقد عرَّفه الإمام ابن تيمية – رحمه الله – في كتاب ( العبودية ) بأن حقيقته: الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان.
أما أنواع الجهاد فإن الناظر في القرآن والسنة يجد أن الجهاد له خمسة أنواع، وإن شئت فقل: خمسة ميادين، لكل ميدان منه أسلوبُه المناسبُ وطريقتُه اللائقةُ به، وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين، وجهاد أهل المنكر من الظالمين والفاسقين وأهل البدع، وهي ميادين مرتبط بعضها ببعض ارتباطًا وثيقًا، وهي وإن تفاوتت أهميتها من وقت لآخر ومن شخص لآخر إلا أنها جميعًا لازمة للمسلم، لا يكمل إيمانه إلا بها، قال تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (التوبة: 73)، وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدريرضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وجهاد الكافرين يكون بالقتال في سبيل الله بأدوات القتال، وأما جهاد المنافقين يكون بالدعوة والبيان، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( النحل: 125).
الشهادة هي الحياة الحقيقية:
الموت في سبيل الله هو عين البقاء، والحياة في باطل هي عين الفناء، قال الله تبارك وتعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (البقرة: 154)، وقال عز من قائل: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ . الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (آل عمران:169-172)، يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّ أرواحَهم حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ فِي دَارِ الْقَرَارِ، والشُّهَدَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللهِ، وَهُمْ فَرحون مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْغِبْطَةِ، وَمُسْتَبْشِرُونَ بِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ بَعْدَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَنَّهُمْ يقدَمون عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ مِمَّا أَمَامَهُمْ وَلَا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا تَرَكُوهُ وَرَاءَهُمْ.
إن الشهادة في سبيل الله هي الحياة حقًا، بها يغلب الإنسان غريزة حب البقاء وطول الأمل وإرادة الخلود التي أغرى بها الشيطان آدم عليه السلام؛ ليستنـزله من الدرجة الرفيعة والدار العالية البهية التي بوَّأه الله إياها، حين قال له: يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (طه:120)، فقد أوهم إبليس آدم وزوجه، فأطمعهما أن يصيرا من الملائكة إذا أكلا من الشّجرة، ويبقيا خالديْن بلا موت.
نعم إن الشهيد هو الذي قهر تلك الإرادة، ورضي بحياة حقيقية في جوار الله، دفع في مقابلها روحه وماله، فقبل الله البضاعة، وقدَّم لصاحبها ذلك الثمن النفيس الفردوس الأعلى، فقال عز وجل: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة:111).
قال العلماء في تفسير هذه الآية: لا ترى ترغيبًا في الجهاد أحسنَ ولا أبلغَ من هذه الآية؛ لأنه أبرزه في صورة عقد، عاقدُه: رب العزة، وثمنُه: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومكان التسليم: أرضُ المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ»، ولم يجعل اللهُ المعقودَ عليه كونَهم مقتولين فقط، بل إذا كانوا قاتلين أيضًا لإعلاء كلمته ونصر دينه، وجعله مُسجَّلًا في الكتب السماوية، وناهيك به من صدقه، وجعل وعده حقًّا، ولا أحد أوفى من وعده، تنسيئُه سبحانه – أي: ما أخَّره من الوعد – أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم.
إن الشهيد يقدم روحه؛ فداءً لدينه، وعزةً لأمته، فيموت عزيزًا؛ لتحيا أمته عزيزةً، ويبقى دينه خالدًا مرفوعًا؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، ولهذا استحق هذا الشهيد بجدارة أن يكتب الله له الحياة السعيدة.
لأجل هذا يتسابق العقلاء المخلصون في طلب الشهادة، وهم يعلمون معناها ويدركون أين يطلبونها؟ فيسعون إلى الجهاد غير هيابين ولا مترددين، فقد صح عن ابن حبان عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ قال: «أَنْ يُعْقَرَ جَوَادُكَ، وَيُهْرَاقَ دَمُكَ».
وصح عن ابن حبان أيضًا، عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فقال – حين انتهى إلى الصف – :اللهم آتني أفضلَ ما تُؤْتي عبادَك الصالحين، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «مَن المُتَكَلِّمُ آنِفًا؟» قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: «إِذًا يُعْقَرُ جَوَادُك، وَتُسْتَشْهَدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى».
هذا هو السبيل لتحصيل أفضل ما أعطى الله عباده الصالحين، أن يموتوا ليحيا دينهم، ويستشهدوا لتعز أممهم .
النبي يتمنى الشهادة:
بلغ من رفعة الشهادة أن أفضل الخلق  كان يتمناها، وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ؛ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ».
الكرامات العشر للشهيد في سبيل الله:
مما يدفع المجاهدين إلى طلب الشهادة علمُهم بما أعدَّ الله للشهيد من الخير والكرامة في الدنيا والآخرة، بحيث لا يجد المؤمنُ بوعد الله مفرًّا من القبول بالصفقة الربانية الرابحة التي عرضها الله – تبارك وتعالى – في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (الصف:10-13).
وهاك عشرًا من الكرامات التي أعدها الله للشهيد:
1– تخفيف ألم القتل على الشهيد:
فمن رحمة الله بهذا العبد المخلص المجاهد أن يُهَوِّن عليه الألم، فلا يجد ألمًا لما يصيبه من القتل، إلا شيئًا يسيرًا؛ فقد أخرج الضياء المقدسي في المختارة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عَضَّةُ نَمْلَةٍ أَشَدُّ عَلَى الشَّهِيدِ مِنْ مَسِّ السِّلَاحِ، بَلْ هُوَ – أي: القتل بالسلاح – أَشْهَى عِنْدَهُ مِنْ شَرَابٍ بَارِدٍ لَذِيذٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ».
وأخرج أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مَسَّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسَّ الْقَرْصَةِ» .
فسبحان من يرحم أولياءه ويعطف على أهل كرامته!
2 – تجب له الجنة بمجرد الشهادة:
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/111)، وأخرج البخاري عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
بل هو في الدرجات العلا من الجنة، فقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك- رضي الله عنه – أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ – وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ – أَتَتْ النَّبِيَّ  فَقَالَتْ:يَا نَبِيَّ اللهِ؛ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ، قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ؛ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى».
على أن بعض الروايات تذكر أن حارثة لم يكن قتل يوم بدر في قتال، بل انطلق ينظر ما صنع القوم، فأصابه ذلك السهم الغرب، فقد أخرج أحمد وصححه ابن حبان عن أنس قال: انْطَلَقَ حَارِثَةُ ابْنُ عَمَّتِي يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  غُلَامًا نَظَّارًا، مَا انْطَلَقَ لِلْقِتَالِ، قَالَ: فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، قَالَ: فَجَاءَتْ أُمُّهُ عَمَّتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ ابْنِي حَارِثَةُ إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِلَّا فَسَيَرَى اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ؛ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى».
فإن كان حارثة في الفردوس الأعلى مع ذلك، فما ظنك بمن خرج مقاتلًا، ولقي العدو مقبلًا غير مدبر‍؟ ‍
3 – يُغْفَر للشهيد مع أول قطرةٍ من دمه ذنوبُه كلُّها إلا الدَّيْن:
من كرامة الشهيد على ربه أن يغفر الله ذنوبَه وخطاياه كلها إلا الدَّيْن – لأنه حق العباد – مع أول قطرة من دمه الزكي الطاهر، فقد صحح الحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن».
كما صح عن سهل بن حنيف – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُهْرَاقُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ».
وأخرج النسائي وصححه ابن حبان عن أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – أنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِى سَبِيلِ اللهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللهُ عَنِّى خَطَايَايَ؟َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «نَعَمْ»، فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ – أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «كَيْفَ قُلْتَ؟»، فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ إِلاَّ الدَّيْنَ، كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ».
4 – يُزوَّج من الحور العين قبل أن تجف دماؤه:
إن الذي ترك زينة الدنيا، وأعرض عن مصاحبة وملاعبة الغيد الحسان من أهلها؛ طمعًا فيما عند الله، ورغبةً في إعلاء كلمة الله – لحقيق بهذه الكرامة الإلهية والمنحة الربانية، فلا يكاد دمه يسيل حتى يكون قد زُفَّ إلى الحور العين، فقد أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِىِّ  فَقَالَ: «لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ – يعني: مرضعتين- أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِى بَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ، وَفِى يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وكم من شهيدٍ أخلص نيَّتَه وصدق في طلبه، فأُري في منامه الحورَ الحسانَ تستعجلن مقدمه في شوقٍ ولهفٍ.
5 – تظلله الملائكة بأجنحتها:
الشهيد المبارك الذي استرخص روحه في سبيل الله، وهانت عليه الدنيا بزخرفها جدير بأن تحتفي به الملائكة، فتظلله حتى يُرفع من موضع استشهاده، فقد أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال : لَمَّا قُتِلَ أَبِي – يعني: في غزوة أُحُد – جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».
6 – يُحفظ من فتنة القبر:
فتنة القبر وسؤال الملكين فيه هو أشد ما يلقى الإنسان عقب موته، حتى كان النبي  يتعوذ من فتنة القبر، ويحض على التعوذ بالله منها، لكن الشهيد الذي صبر للسيوف اللامعة والرصاص القاتل والصواريخ المدمرة وهو يرى الموت يحصد النفوس ويقطع الرؤوس، يجعل الله ما رأى وعاين من تلك الشدائد في الميدان وعند الموت حظَّه من تلك الفتنة، وينجيه منها، فينجو من هول المطلع وشدة السؤال، فقد صحح الحاكم عن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : «مَنْ لَقِيَ فَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَغْلِبَ لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ».
وأخرج النسائي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ؟ قَالَ: «كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً».
7 – يكلمه ربه كفاحًا أي مواجهة بلا واسطة:
كيف لا، وقد باع لله نفسَه! واسترخص في سبيل الله روحَه! وآثَرَ ما عند الله على الدنيا وما فيها! فقد أخرج الترمذي وحسَّنه عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال: لَقِيَنِى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ؛ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: «أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي؛ تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ؛ تُحْيِينِى فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ»، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الآيَةَ.
يا بشرى تلك العين الكريمة التي تلذذت بالنظر إلى وجه الله الكريم! وتلك الأذن العظيمة التي تلذذت بهذا الخطاب الرحيم! وذلك اللسان الطيب الذي خاطب العلي الأعلى جل وعلا! ولئن كان ذلك عقب استشهاده ونحن في الدنيا، فما ظنك بكرامة ذلك الشهيد على الله يوم لقائه والعرض عليه؟. ‍
8 – تطير روحه في الجنة وتَعْلُق بأغصانها حيث شاءت:
ألا ما أكرم الشهيد على ربه، وما أرفع منزلته عنده! إذ تُحَلِّقُ روحُه في رياض الجنة، وتسرح فيها حيث شاءت، حتى ترجه إلى جسدها يوم القيامة، فتنال الجائزة الكبرى والفوز العظيم، وقد أخرج أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله : «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِى إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِى ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِى الْجَنَّةِ نُرْزَقُ؛ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِى الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ؟ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا» إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وأخرج أبو داود وصححه ابن حبان عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله : «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا».
وأخرج مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ – يعني: ابن مسعود رضي الله عنه – عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ – يعني: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِى إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَىْءٍ نَشْتَهِي، وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ؛ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا».
9 – يُبْعَث الشهيدُ يوم القيامة وريحُ دمه ريحُ المسك:
إن هذا الدمَ الزكيَّ النفيس الذي أهريق في ذات الله لهو أنفس وأغلى ما يُبذَل، ولئن كان الموتى تتغير روائحُهم وروائحُ دمائهم فإن الشهداء سيُعْرَفون بين الناس يوم القيامة حين يُبْعَثون بدمائهم، اللونُ لونُ الدم والريحُ ريحُ المسك، وتلك آيةٌ لهم خاصة؛ حتى يعرف الأشهادُ كرامةَ الشهداء عند الله، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله  قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ – إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ».
وصحح ابن حبان عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : «مَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ، وَمَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللهِ طُبِعَ بِطَابَعِ الشُّهَدَاءِ».
وفي رواية عند ابن حبان أيضا: «مَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحُهُ كِرِيحِ المِسْكِ، لَوْنُهُ لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ، عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ، وَمَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ مُخْلِصًا أَعْطَاهُ اللهُ أَجْرَ شَهِيدٍ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ».
ولذلك أُمر بأن يُزَمَّل الشهيد في دمه، ولا يُمْسَح عنه الدم، حتى يخرج به آية يوم القيامة، فقد أخرج الترمذي وحسَّنه، وصححه ابن حبان عن عبد الله بن ثعلبة – رضي الله عنه – قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  لِقَتْلَى أُحُدٍ: «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِى اللَّهِ إِلاَّ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ».
10 – هو أول من يدخل الجنة مع الأولين:
حُق للشهيد وقد باع لله روحه، وأسلم لله نفسه، ولم يبخل بحياته في سبيل دينه أن يكون من أول الداخلين إلى الجنة، بل أن ينزل في الجنة في أحسن دورها وأعلى قصورها، فأخرج الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله : «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ».
وصح عن ابن حبان عن سَمُرَة بن جُنْدب قال: كان رسول الله  إذا صلى الغداة -يعني الفجر – أقبل علينا بوجهه، فقال: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» فَسَأَلَنا يَوْمًا، ثم قال: «أُرِيتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ فَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فَقَالَ: أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ».
فهل أدرك المتعجبون بعض أسرار اندفاع المجاهدين المخلصين لنيل الشهادة وسر تسابقهم إلى الفوز بها؟
الخلاصة:
كرامات الشهداء عند ربهم:
• الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله تعالى.
• الجهاد في سبيل الله هو العزُّ الذي أظهر الله به دينَ الإسلام، و هو التجارةُ الرابحةُ.
• الجهاد هو الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان.
• الجهاد له خمسة أنواع، وإن شئت فقل خمسة ميادين، لكل ميدان منه أسلوبُه المناسبُ وطريقتُه اللائقةُ به، وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين، وجهاد أهل المنكر من الظالمين والفاسقين وأهل البدع.
• من كرامات الشهداء ما ورد في قوله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ” ( آل عمران: 169 – 171).
• من كرامات الشهداء: ما رواه المِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : “لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ” الترمذي: صحيح.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...