شرين عرفة تكتب : إلى قاع الحضيض وما بعده ؛ سيسي يطير

بين مشهد الملك فاروق وهو يرسل يخت المحروسة إلى الملك المؤسس للسعودية الراحل “عبد العزيز بن آل سعود” ليأت به إلى مصر.
إلى فيديو “سيسي” وهو يصعد إلى طائرة ابن الملك عبد العزيز ،الملك الراحل “عبد الله” ،وتقبيله لرأسه ثم جلوسه منزويا على كرسي جانبي ليتلقى التعليمات ويتسول منه،
ستون عاما من حكم العسكر لمملكة مصر والسودان  ، تلك المملكة التي كانت تضم دولة السودان بكاملها واجزاء من ليبيا وتشاد وقطاع غزة، بل وطلبت أوغندا من الملك فاروق عام 1950 أن تكون جزء من حدود مصر تحت التاج الملكي المصري.
كان معروف في الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا، أن “مصر تنتج، والعالم يستهلك”، ظلت مصر الدولة رقم 1 في العالم في إنتاج القطن وتصديره بأجود الأنواع ،حتى أوائل الخمسينات ،كانت لدى مصر أهم وأشهر بورصة قطن في العالم وهي بورصة “مينا البصل”،
وحاز مجموع المعاملات وقيمة التداول لبورصتي القاهرة والإسكندرية على المرتبة الرابعة عالمياً في فترة الأربعينات،
كانت مصر أول دولة في العالم تقوم بتشغيل محطة كبيرة في المعادي لتوليد الطاقة الشمسية عام 1911 .
وجاءت إلى مصر  عام 1862 بعثة يابانية لدراسة أسباب نهضة مصر وتقدمها لتستفيد منها، وأصيبوا بالدهشة مما شاهدوه.
كانت مصر تمتلك اعلى غطاء نقدي عالمي ، وكان الجنيه المصري يساوي جنيه ذهب ، ويعادل 7 جنيه استرليني و50 فرنك فرنسي،
ونسبة البطالة أقل من ٢% ،وكان الاوروبيون يأتون لمصر ليعملوا في مهن متواضعة كالنادل والسايس والحلاق ،
وعندما يأتي طبيب إنجليزي إلى مستشفى قصر العيني، لم يكن يُسمح له بمزاولة المهنة إلا بعد الحصول على شهادة (معادلة) مصرية ، كانت الرعاية الصحية علي نفقة الدولة والعلاج مجانا للجميع.
كانت إنجلترا مدينة لمصر ب 350 مليون جنيه استرليني،
 والقاهرة أجمل مدن العالم،والشوارع فيها تغسل بالمياه والصابون وترش بماء الورد يومياً.
والدول الإفريقية جميعها تطلق على مصر لقب “الأخ الأكبر”
 فاستلمها العسكري ابن البوسطجي ذو التاريخ الطويل من العقد النفسية وأمراض السادية وجنون العظمة ،فتتحول على يديه إلى جمهورية مصر العربية الشحاذة ،ويتركها مثقلة بديون تتخطى ال 2 مليار دولار،
بعد أن تخلى طواعية عن كامل أراضي السودان،و قد انتزعت منه إسرائيل قطاع غزة ، وثلث مساحة مصر ممثلة في “شبه جزيرة سيناء، بعد ان صفعته على وجهه، وضربت جيشه بالحذاء.
 ترك البلاد مدمرة منهكة على كافة الاصعدة”، لا يستطيع المواطن فيها أن يرفع رأسه ،سوى على مقصلة الإعدام،
كانت قاطرة العسكر تسير بسرعة رهيبة نحو الهاوية ،لم تتوقف سوى عام واحد يتيم هو العام الذي حكم فيه الرئيس الشريف طاهر اليد، العالم الدكتور “محمد مرسي”، والذي تصور أنه بعد إيقاف سير القاطرة وإندفاعها إلى القاع ، يمكنه العودة بها إلى الوراء،للخروج من هذا المستنقع السحيق، ولم يدر أن قاطرة العسكر لا تملك اساسا سوى القدرة على السير للأمام ، خشي الرئيس المحترم ،أن يستبدل القاطرة بغيرها فتنهار الدولة “هكذا تصور”.
حينما ثار الشباب في الخامس والعشرين من يناير 2011 استطاعوا أن يسقطوا رأس الدولة المخلوع اللامبارك ،وبسقوطه انفتح الغطاء، وشاهد المصريون بأم أعينهم بلاعة العسكر الفاسدة وقاعها السحيق ،وهي تفور بما فيها من فضلات وقاذورات وفساد،
ولأن السياسة في مصر كانت مؤممه منذ 60 عاما، والجميع لا يملك لا الخبرة ولا الرؤية ولا التصور ، بما فيهم الإخوان، في الوقت الذي كان غيرهم لا يفتقر فقط إلى الرؤية، بل مشبعة أنفسهم بالنهم والحقد والأطماع.
أهمل الجميع ،وأخطأ الجميع،وتركوا “البلاعة” تفور بقاذوراتها، واكتفى الرئيس المحترم ،برش معطرات للجو ،و تنظيف ما يخرج منها،
حتى تحولت الصراصير إلى تماسيح ، والديدان إلى ثعابين ،وابتلعوا كل شيء ،وطفحت المجاري فأغرقت البلاد.
منذ الإنقلاب المشئوم ، يجزم المصريون انه لا قاع تبقى لنصل إليه، قد وصلنا أخيرا إلى أسفل سافلين.
ويثبت لنا كل يوم “سيسي” أن هناك قاع أسفل القاع، وأن الحضيض المقصود، لم نصل إليه بعد،
ثار المصريون على مبارك بعد أن فقدت مصر على يديه مكانتها كأخ أكبر، وأصبحت تابع لأمريكا وإسرائيل، كنا نعتقد وقتها ان هذا هو القاع،
فأثبت لنا “سيسي” أنه يمكن لمصر ان تتحول إلى شغالة فليبينية تصعد طائرة سيدها لتقدم له فروض الطاعة والولاء،
كان الإعلام المصري نموذجا للعهر والإبتذال حتى جاء “سيسي” ليثبت لنا ، أننا لم نكن نعلم شيئا بالمرة، عن العهر والإبتذال!!
تخرج صحف العالم ومانشيتاتها تتساءل إلى أي قاع يهوي الإعلام المصري ،إنهم يصفون أوباما بانه إخوان؟!!
يشعر المصريون بالعار من صورة مبارك التي زورتها جريدة الأهرام ،والتي كان يسير فيها في مؤخرة صف الزعماء، ليأتي سيسي بمشاهد تعجز مخيلة أبرع كتاب العالم ومؤلفيه أن تصنع شبيها لها في الضعة و الإهانة،
فتارة يرتدي معطفا لحراس بوتين الشخصيين وهو في زيارة لروسيا ،ومرة يصعد لطيارة الملك السعودي ويقبل رأسه ،
ومرة يصطحب معه فرقة من الراقصات والداعرات والطبالين المأجورين ليهتفوا ويصفقوا له في ألمانيا،
وتارة يتكفل زعماء الدول الاخرى كإيطاليا وفرنسا بإهانته وتعمد تجاهله والإستهزاء به،
لم تترك كبرى صحف العالم وصفا مهينا إلا وخلعته عليه ، وبعد أن كان لدينا رئيسا -وهو “مبارك” – تصفه صحف العالم بالديكتاتور المصري ، او رجل امريكا في منطقة الشرق الأوسط،
أصبح لدينا ما تصفه الصحافة : بالديكتاتور الأخرق ، وتصفه الدول المضيفة بالزائر ثقيل الظل ، وصاحب الابتسامة البلهاء،
بينما صوره ومواقفه وحركاته وتعبيراته ،مادة دسمة للبرامج الساخرة في تليفزيونات العالم.
كان لدينا شرطة مجرمة تعذب معتقليها داخل السجون، فأصبح لدينا شرطة تصفي معتقليها قبل أن تعتقلهم ،وتقتلهم في منازلهم وداخل غرف النوم!!
كان لدينا دولة يسيطر فيها الجيش على ما يقرب من 60% من إقتصادها ،بينما ينخر الفساد فيما بقي منها،

 

فأصبح لدينا جيشا يبتلع في أحشاءه دولة، والفساد فيها كالدماء تجري في العروق!!

 

كان لدينا رؤساء من العسكر يعتقدون في العلمانية دينا ومذهبا، يكرهون الدين في أنفسهم، ويظهرون احترامه في العلن، ضيقوا على الناس ممارسة شعائرهم، ومنعوا المساجد من أن تقوم بدورها.

 

حتى جاء لنا رئيس يعلن صراحة أنه ما قدم إلا ليحارب نصوص الدين وعقائده ،بل ويصم مسلمي العالم كله بالإرهاب، ولم يكتف بغلق المساجد وتدنيسها وإقتحامها بالبيادات، بل هدم بعضها وأحرق البعض منها، وأدخل الدولة كلها في حرب مع جملة تدعو للصلاة على نبي الإسلام.
كان لدينا رؤساء من العسكر يفرطون في أمن سيناء ،ويتعمدون تهميشها ،وإفقار أرضها، وينسقون سرا مع العدو الصهيوني.
فجاء رئيس قرر أن يهجر أهلها أساسا،ويجرف أرضها من كل شيء حي، ليقدمها على طبق من فضة لعدو إسرائيلي ،بل ويعلن صراحة أنه لم يفعل ما فعل إلا لحماية أمن هذا العدو ،ينسق معه في العلن، ويترك طائراته تمرح على ارض سيناء لتقتل من تشاء، وتقصف ما تشاء.
مهما تصورت أنك رأيت القاع ،ستجد الارض تنشق من تحتك ليبرز قاعا أسفل منه،
قالها السيسي في بداية حكمه : أن الوقت ضيق ،وأن “ماسر” محتاحة لأن تقفز ..لا أن تسير بسرعة.
واليوم وبعد مرور عام تعيس على حكمه ،اكتشف المصريون أنه لا يقفز ..بل “سيسي” يطير ، إلى قاع الحضيض وما بعده.
فيديو الملك فاروق وهو يستقبل يخت المحروسة المصري بعد أن أتى بالملك عبد العزيز

السيسي يصعد إلى طائرة الملك عبدالله التي حطت بمطار مصر ، ثم يقبل رأسه ويجلس على كرسي جانبي ، ولم تستغرق الزيارة سوى عشرون دقيقة

الملك فاروق في زيارة للسعودية عام 1945 وحوله أصحاب السمو الملكي ابناء الملك عبد العزيز آل سعود
undefined
صورة نادرة لساعة الملك فاروق عليها خريطة مصر وقتها ” مملكة مصر والسودان الكبرى”
undefined
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...