الإيمان أولاً

يهمنا أن ندرك معنى الإيمان والإسلام والارتباط بينهما، فالإيمان هو: التصديق الجازم بكل ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) وثبت ثبوتا قطعيا، وعلى مجيئه من الدين بالضرورة، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، خيره وشره.
وكالإيمان بفرضية الصلاة والزكاة والصيام والحج. والإيمان بتحريم القتل ظلما للنفس المعصومة، وتحريم الزنا والربا وغيرها.
والإيمان بهذا المعنى محله القلب، والإسلام بالمعنى الآتي لازم له.
أما الإسلام فمعناه الإذعان والخضوع النفسي والاطمئنان القلبي، والشعور بالرضى بالنسبة لكل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) من دين، وعلم مجيئه عنه بالضرورة: أي بدون احتياج إلى سؤال أوكشف وبحث لشهرته بين المسلمين. ويلاحظ أن الإسلام بالمعنى المذكور هوحالة نفسية وقلبية، مثل الإيمان، والفرق بينهما أن الإيمان تصديق جازم بما سبق، وأن الإسلام رضاء قلبي وعدم اعتراض على أي تشريع شرعه الله تعالى، وعلم بالضرورة، وأنت قد تصدق بوجود شيئ ولا ترضاه، وكم سمعنا من يقول: أنا أومن بأن الإسلام فرض الصلاة والزكاة، ولكنني غير مقتنع بهما ولا بالحكم الترتبة عليهما.
فهذا الإعتراض يجعله غير مسلم، لأن عنصر الخضوع والإذعان غير متوفر، وهذا يجعلنا نشك في إيمانه، لأنه لوصدق بالله وبحكمته وعلمه ورحمته لأسلم نفسه ورضي كل ما ارتضاه الله، لذلك قلنا: إن الإيمان الصادق يلزم منه الإسلام بالمعنى السابق، والدليل على أنه غير مؤمن من قوله تعالى:
}فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً { [1] ولوعرضت كثسرين من المسلمين على هذه الآية لوجدت كثيرين منهم خارجين عن الدين وغير مؤمنين، لأنهم غير مستسلمين لله عز وجل وغير خاضعين خضوع رضا لأحكام الله تعالى.
بقي العمل بالتشريعات الإسلامية، مثل: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وجميع الفرائض، والبعد عما حرم الله ونهى عنه.
هل لا بد من تنفيذ الفرائض الإسلامية وترك المحرمات مع الإذعان السابق ليصير المرء مسلما، أم يكفي الإذعان في إطلاق اسم الإسلام على الإنسان؟ هما رأيان للعلماء. فالجمهور على أن تنفيذ أوامر الإسلام والعمل بما جاء به ليس شرطا ولا ركنا في جواز إطلاق اسم الإسلام على الإنسان. وبعض العلماء يرى أن العمل وتنفيذ أعمال الإسلام وأركانه شرط في صحة الإسلام، أوركن من أركانه، فمن أسلم وأذعن بقلبه ولم يعمل الأعمال الإسلامية مثل الصلاة وغيرها، فليس بمسلم.
وعلى الرأي القائل بأن من أذعن بقلبه ولم يعمل أعمال الإسلام فهومسلم – وهورأي الجمهور – فإن هذا الإنسان عند القائلين بهذا الرأي يعتبر فاسقا وعاصيا، فيطلقون عليه اسم: المسلم الفاسق، والمسلم العاصي، والمسلم المذنب، وتقام عليه حدود الإسلام التي شرعها زجرا وتأديبا لمن ترك فرضا أوفعل منكرا. فافهم ذلك جيدا . وهذا المسلم الفاسق أمره إلى الله في الآخرة. إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بجريمته، ولكن مآله الجنة، إن كان قد مات على الإيمان والإسلام. وهذا هورأي أهل السنة.
قال تعالى:} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ { [2]والإسلام بهذا المعنى محله ظاهر الإنسان وباطنه، لأن الإذعان بالدين والرضى به أمر باطني، والخضوع لأحكامه أمر ظاهري. وعلى هذا فالإسلام أعم من الإيمان، والإيمان أخص من الإسلام. والإيمان باطني فقط، والإسلام ظاهري وباطني.
ونحن نحكم على الناس بالإسلام حين يكونون مذعنين ظاهرا لأحكام الله، غير رافضين لها، بمعنى أن أعمالهم وأقوالهم وتصرفاتهم لا تدل على رفضها وعدم الإذعان لها. أما بواطنهم فلا يعلمها إلا الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية. ولذلك فضح الله أناسا أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر في قوله تعالى:} قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ { [

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...