أهم 10 دروس تعلمتها من ثورة 25 يناير

“مسبهلاً” لفظة مصرية  دارجة مصدرها ” اسبهلال” وتعني باللغة العربية  ” مندهشاً جداً”

أردت بهذه الاستهلالة اللغوية أن أمهد لقولي بأني مازلت مسبهلاً منذ اندلاع أحداث الثورة المصرية وحتى يومنا هذا”

ولا أكاد أصدق ما حدث وما يحدث وكأني في حلم غريب, لكنه حلم جميل على أي حال, فقبل يوم 25 يناير لو قال لي شخص ما , أن  الرئيس مبارك سيرحل, و نجله جمال لن يترشح, وعز والعادلي وجرانة والمغربي وباقي لصوص الحزب الوطني سيسجنون, وأن مواد الدستور المعيبة ستتغير, كل ذلك في ثمانية عشر يوماً, لظننت بدون أدنى شك أن هذا القائل مجذوباً أو على أقل تقدير ” مسطولاً” , فحتى لو كنا نملك خاتم سليمان الذي به تصنع العجائب لما تمكنا من القضاء على هذه العصبة في هذا الوقت الوجيز, لكن سبحان الذي أمره بين الكاف والنون.

المهم أخي القارئ, لا  أدري ما السر وراء عدم تحمسي للتدوين أثناء وبعد أحداث هذه الثورة المجيدة؟

لعلها حالة ” الاسبهلال” التي تحدثت عنها سابقاً, ولعلها أيضاً حالة الترقب والخوف والحيرة والرجاء التي صاحبتنا جميعاً أثناء وبعد هذه الأحداث المتلاحقة, وقد يكون للسببين معاً, أما الآن قد عاودتني الرغبة في الكتابة, ولم أجد بعد هذا الانقطاع سوى هذا الموضوع لكي أتحدث عنه بعد أحداث هذه الثورة المجيدة.

هناك دروس وعبر تعلمتها من هذه الثورة, هناك العديد من الأفكار التي تغيرت لدي, وأفكار أخرى ترسخت بداخلي أكثر وأكثر, خطط قد أعدت صياغتها من جديد وأخرى تنازلت عنها إلى الأبد.

 

1- تعلمت أهمية التواصل مع الآخرين من أجل تحقيق النجاح وانجاز الأهداف

كنت أعتقد أن فيس بوك وتويتر والمدونات وباقي الشبكات الاجتماعية الأخرى تكمن أهميتها فقط في أغراض التسويق وتبادل المعلومات والخبرات, لم أكن أدرك أبداً أن هذه الشبكات الاجتماعية قد تصنع تغيرات جليلة كما حدث في ثورتي مصر وتونس, لم أكن أدرك أن هذه الشبكات الاجتماعية قد تصلح ما أفسده نظام التعليم الرديء, ولما لا وهي الأداة التي اسهمت في  تنوير وزيادة وعينا بقضايا وطننا.

بت أحلم بأن تكون هناك “جروبات” على فيس بوك وتويتر تهتم بمحاربة الفساد في المجالات المختلفة, بت أحلم بأن يتحد المدونون فيما بينهم ويؤسسوا لمشاريع كبرى بالمجهود الذاتي,  شركات إنتاج تصنع لنا أفلام وثائقية وسينمائية عالية المستوى تخلد لثقافتنا العظيمة وتاريخنا المجيد, جمعيات خيرية لدعم الأسر المتعففة, قناة فضائية خاصة بهم وبأفكارهم, لا تعتقد عزيزي القارئ أن أحلامي هذه ضرباً من المستحيل, فكل ما حلمت به هنا أقل بقليل من المستحيل الذي تحقق يوم 25 يناير بفضل هذه الأدوات المتاحة للجميع.

 

2- تأكد لدي بأن لا أعتمد على المظهر فقط في الحكم على الناس

في نهار إحدى أيام شهر رمضان المبارك, دخل واحد من الصحفيين على رئيسيه في العمل فوجده يكتب مقال عن فوائد الصيام الروحية والخلقية والصحية, وأن الصائم له فرحتان, فرحة عن فطره وفرحة عن لقاء ربه, الغريب في الأمر – والكلام على لسان الصحفي- أن رئيس التحرير هذا كان يكتب المقال وبيده سيجارة يعبق دخانها أرجاء الغرفة وبيده الأخرى فنجان قهوة تتصاعد منه رائحة البن اليمني المعتبر, وحينما نشر المقال صبيحة اليوم التالي قرأه الناس وأعجب الكثيرين مما جاء به من حكم ومواعظ, لكن الصحفي الذي شاهد ما صدر من رئيسه في العمل كان يقرأ المقال وهو فاغر الفاه. فلماذا يقول رئيس التحرير ما لا يفعل؟

تذكرت مقال هذا الصحفي أثناء وبعد الثورة, بل وأصبحت أشد اندهاشاً منه, فقد رأيت أنوع من البشر تدعو إلى التقيؤ, فهناك من كان قبل نجاح الثورة بيوم يمجد في الرئيس ومحاسنة وسجاياه وبعد ذلك وبلا ثمة تدرج أو ذكاء في النفاق وجدتهم يسبون ويلعنون في ما كانوا يعانوه من ظلم وقمع واستبداد, من هؤلاء مثقفين وإعلاميين ورجال دين حينما تراهم للوهلة الأولى تعتقد أنهم من أهل الحيثية, لهذا السبب أدركت أن التسرع في الأحكام على الناس من المظهر شيء خطير ويحتاج إلى مراجعة.

على الجانب الأخر ظهرت شخصيات جعلتني أحترمها على الرغم من أني كنت أنظر لها قبل الثورة من من منظور يخلو تماماً من الاحترام, المشكلة عندي ليست فيمن وقف بجانب الثورة أو ضدها, المشكلة هي في الناس الذين يتلونون تلون الحرباء, فأنا أحترم الأشخاص الذين صرحوا بدعمهم للنظام السابق وظلوا عند رايهم حتى بعد الثورة,  لكن المنافقين والطبالين والعوالم لا يستحقون أي احترام نجا الله أمتنا منهم بإصلاح حالهم.

 

3- تعلمت تقبل النقد مهما كان بالغاً

تعلمت أن معظم الدكتاتوريين لا يعرفون أنهم ديكتاتوريين إلا بعد فوات الأوان, فهم بطريقة غير مباشرة يصنعون حول أنفسهم حاشية تصور لهم أن كل قراراتهم سديدة, وأنهم بالفطرة معصومين من الخطأ, ومع مرور الوقت تعجب النفس بنفسها وتعتاد على عدم تقبل اي رأي يخالف الهوى, ويوماً وراء يوم تتعاظم النفس أكثر فأكثر فتكبر صفة العظمة شيئاً فشيئاً حتى تتحول إلى مرض يصعب الشفاء منه وقد يستحيل, والأمر أخي القارئ لا يقتصر على الحكام بل قد يمتد ليطولني ويطولك أنت إذا ما فرحنا فقط بالمجاملات والمديح, لذا علينا أن نسعى جاهدين للتعرف على الجوانب السلبية في شخصياتنا من خلال نقد الأخرين لنا, لا تعتقد ان كل من ينقدك حاسداً أو حاقداً, اسمع للنقد وحلله  وتعامل معه بجدية حتى لا تتحول في يوم من الأيام إلى ديكتاتور تعاني منك نفسك وعائلتك والمحيطين بك.

 

4- تعلمت عدم اتخاذ قرارات قائمة على العاطفة

حينما ألقى الرئيس السابق ” مبارك” خطابه قبل الأخير, تعاطف معه الكثيرين, وأنا واحد من هؤلاء الكثيرين, فقلت في نفسي لما لا نصبر على الرجل حتى يخرج بكرامته وكلها 9 اشهر والسلام, لكن بعد انتهاء الأحدث أدركت أن لو تأثر كل المتظاهرين مثلي لفشلت الثورة فشلاً ذريعاً, وذلك لأني قرأت مقال للكاتب الكبير فهمي هويدي يتحدث فيه عن سناريو محتمل في حالة تأثر المتظاهرين بهذا الخطاب, هذا السناريو هو أن يسعى النظام إلى استمالة البعض واعتقال البعض الأخر, وبعد ذلك سيخرج اتباع الرئيس في مظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء في السلطة وسيضطر حينها الرئيس أن يذعن لرأي الشعب ومن ثم تحدث الكارثة, هذا الموقف علمني أن الأنسان الذي يتأثر بالعاطفة عليه أن لا يأخذ أي قرار في ساعة الانفعال العاطفي بأن يتريث قليلاً حتى تتضح له الأمور وبعدها يأخذ القرار.

 

5- تعلمت أن كل ما أسهم به له أهمية وقيمة مهما كان بسيطاً

تعلمت أن مشاركة عفوية على الفيس بوك وتدوينه قصيرة على تويتر أشعلت ثورة, إذاً علينا أن لا نستهين بما نكتبه, فقد يكون السطر الذي نكتبه سبباً في بناء بيت وقد تكون حاشا لله سبباً في هدم آخر, فعلى كل مدون وكل مشارك على أي شبكة اجتماعية أن يصحح نيته قبل كتابة حرف واحد وأن يراعي الله ما استطاع لذلك سبيلاً.

 

6- تعلمت أن النجاح يحتاج إلى تضحيات

أدركت أن أي انتقال من وضع ما إلى وضع أفضل منه يحتاج إلى مجهود وتضحيات, فشهداء الثورة ألهمونا أن النجاح يتطلب بذل وتضحيات, وهذا الأمر لا يقتصر على التغيرات الكبرى التي تحدث في المجتمع, بل حتى على التغييرات التي يرغب الانسان إنجازها في حياته سواء أكانت تغييرات مادية أو مهارية أو معنوية, فالنجاح حتماً سيكلفك مجهود وتفكير ومشاكل اجتماعية ومال, فكن مستعداً لدفع الثمن.

 

7- تأكد لي أن المصائب قد يكمن بها الخير وأن مع العسر يسرا

كما قلت سابقاً أن بعد خطاب الرئيس السباق تأثر كثيرون وفكروا في ترك الميدان, لكن حادثة الجمل جعلتهم يفكرون مرة أخرى ويصرون على موقفهم الأول, فحادثة الجمل كان تبدوا ككارثة لكنها في الوقت نفسه كانت السبب في استمرار الثورة, لذا علينا في حياتنا أن لا ننظر إلى المشاكل التي تمر بنا نظرة سطحية, فرب ضارة نافعة.

 

8- تعلمت أن الأفكار الصغرى قد تتطور إلى أفكار كبرى دون أن ندري

رسالة على فيس بوك وأخرى شبيه على تويتر, تفاعل معها  مجموعة من الشباب, ونزلوا إلى الشارع, فضرب منهم من ضرب, واعتقل منهم من اعتقل, لكنهم أصروا على البقاء, فنزلوا في اليوم التالي لإثبات الذات فوجدوا أن عددهم تضاعف عدة مرات, فنزلوا في اليوم الثالث فتشجعوا أكثر وأكثر  وتحولت أهدافهم من التظاهر اعتراضاً على تصرفات الشرطة إلى ثورة ضد النظام كله, من هنا أدركت أن فكرة صغيرة وبسيطة إذا ما تم الشروع بتنفيذها قد تتحول إلى فكرة كبرى دون قصد, وفكرة مشروع صغير قد تتطور يوماً ما إلى مشروع عالمي دون أن ندري, المهم الشروع في العمل ونقل الأفكار من على الورق إلى الواقع.

 

9- تعلمت أن التفكير الإيجابي أفضل من التفكير السلبي من أجل تحقيق الأهداف

تعلمت أن التفكير الإيجابي سبب من أسباب النجاح, فالثوار كانوا يريدون تغيير وطنهم إلى الأفضل, والنظام كان يريد القضاء على الثوار, فأيهما كان أكثر إيجابية حينذاك (من يريد الخير أم من يريد الشر),  رسول الله كان يريد نشر الرسالة في كافة أرجاء البسيطة, وقريش كانت تريد القضاء على الرسالة, فأيهما كان أكثر إيجابية من اراد البناء أم من أراد الهدم, من كان الأقوى في نظرك, المتظاهرين بأيدهم الرقيقة الخالية من السلاح, أم النظام بقوات أمنه وأمن دولته, من كان الأقوى رسول الله أم قريش بأموالها وأسلحتها وحلفائها, من كان الأقوى صقر قريش عبد الرحمن الداخل أم الدولة العباسية, أيهما كان أقوى موسى أم فرعون, أيهما كان أقوى عيسى أم أحبار يهود. شخص بمفرده يستطيع أن يقف في وجه جيوش جراره وينتصر عليها, إذا ما كانت لديه رسالة, رسالة ليس هدفها هدم رسائل الأخرين, من أجل هذا تعلمت أن لا يكون هدفي هو القضاء على الظلام بل يجب أن يكون ” نشر النور” , فالنور حينما ينتشر سينقشع الظلام من تلقاء نفسه, كن إيجابياً في التفكير فمحمد صلى الله عليه وسلم كان يهدف إلى نشر دعوته ولم يكن هدفه هدم عقيدة قريش, وموسى كان يريد إخراج يني اسرائيل من مصر ولم يكن يريد طرد المصريين من وطنهم.

 

10- تعلمت أن تجارب الأخرين قد تفيدني في تجربتي الشخصية

الفضل يعود إلى الثورة التونسية المجيدة في اشعال الثورة المصرية, نعم كانت الثورة المصرية ستحدث لا محالة طبقاً لتنبأت الكثير من المفكرين, لكن حدوثها في هذا التوقيت بالذات كان بسبب نجاح الثورة التونسية, فالثورة التونسية ألهمت الثوار المصريين وجعلتهم يوقنون أنهم قادرين على التغيير, فكم من ثورة ومظاهرة حدثت في مصر لكنها كانت تستمر على اكثر الأحول يوماً ثم بعد ذلك يفضها الأمن ويعود الجميع إلى بيته, لكن بعد ثورة تونس لم يعد المتظاهرين المصريين إلى بيوتهم على الإطلاق, فتعجب العادلي من إصرار المتظاهرين هذه المرة وأظن أنه لا يزال متعجباً إلى يومنا هذا. من هنا أدركت أن قراءتي لتجارب وقصص نجاح الآخرين قد يفيدني بصور مباشرة أو غير مباشرة أثناء تأليفي لقصة نجاحي…

هذه أبرز الدروس التي تعلمتها من الثورة المصرية, ولعل هناك الكثير من الدروس والعبر التي تعلمتها أنت عزيزي القارئ, فهل تمانع في مشاركتنا إياها؟

وفي النهاية تحياتي لكل من ساهم في هذه الثورة بإيجابية, وتحياتي إلى شهداء مصر وتونس وشهداء الأمة جميعاً

آمين

ـــــــــــــــــــــــــــ

حسن محمد

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...