“روح” ثورة يناير هي الأصل

لا تزال ثورة يناير تنبض أيامها وذكرياتها بداخلي، هذا هو الإحساس الرئيسي والأول الذي شعرت به حينما مر على خاطري ذكرى أيام الثورة الثمانية عشر، تلك الأيام التي ربما كانت الأنقى في تاريخ مصر الحديث والتي غيرت في مصر وفينا الكثير بفعل تداعياتها، لا أحد يتصور حجم الإحباط الذي تملكني وتملك ربما العشرات أو المئات غيري منذ أن أصبحنا في موضع دفاع عنها، بعد أن كانت مصدر فخر لنا لا ثمة تهمة ملقاة في وجهك.

لكن ربما كان هذا قدر الثورات في التاريخ كما أخبرنا بعد ذلك أهل الاختصاص، لكن لم يخبرنا أحد أن سرقة الثورات والإنقضاض عليها وتفريغها من مضمونها، يسرق معه الروح، الروح التي كانت بمثابة الميلاد الثاني الذي خرج من رحم تلك الأيام، نعم هي لحظات اسثنائية لا يبنى عليها ولا يقاس عليها، لكنها لحظات كنا في حاجة إليها حينها ونسافر إليها بالخيال كلما اشتقنا واحتجنا لها لتقوينا، ثورة يناير هي الأصل في كل شيء وهي المرجعية لنا مهما حاول نظام عبد الفتاح السيسي ومن معه من بقايا نظام مبارك تشويهها أو تشويه من قاموا بها وضحوا خلالها وبعدها.

ربما تفرقت دماء شهداء الثورة الأولون ونساها البعض في خضم خطة المجلس العسكري بقتل روح الثورة، وإخماد جذوتها، واشتعل الصراع السياسي مبكرا وفرق الناس وسط تشجيع من المجلس العسكري وبرعاية قدامى وقيادات الأحزاب والجماعات السياسية قاطبة، وهو ما أثر بقية مكونات الثورة وشبابها المسيس، لكن وسط كل ذلك بعدما ذهب الفرقاء في طرق شتى وتقاطعات متفرقة بقيت ثورة يناير لا خلاف عليها، فلا أحد يجادل فيها أو يتجاوزها في أي حديث، هي الجميلة والفاتنة التي لا خلاف على جمال طلتها في ذاكرتنا ولا على جمال روحها التي نقتبس منها بعض الصبر واليقين.

 ولربما كانت روح الثورة وجذوتها وحالة الأمل التي أشعلتها والطاقات التي فجرتها هي إحدى دلائل روعة هذه الثورة، آية ذلك، هو حكم القضاء الإداري الأخير “بمصرية” أراضي جزيرتين تيران وصنافير في مواجهة التفريط الذي أراده النظام فيهما لصالح النظام السعودي، فحالة الفرحة التي عمت والبهجة التي سادت حتى أن بعض الزملاء والأصدقاء ذكروا أنه في يوم النطق بالحكم هذا الأسبوع، البعض تبرع من ماله او جهد في عمله لصالح الخير، بمعنى أدق سرت الروح في الجسد المنهك بفعل الإنقلاب مرة أخرى.

 نعم هذا هو الفارق بين ما أحدثته الثورة وبين ما أحدثه الإنقلاب عليها أو على مكتسباتها بمعنى أدق، فالثورة ليست فقط حالة تغيير اجتماعي أو سياسي كبيرة أو عميقة، بل هي أيضا تغيير في الروح والدافع والإقبال على الحياة، لا أحد ينكر أن هذا ما ساد خلال أيام الثورة أو بعدها، وما ساد حينما شعر الناس أن تلك الأراضي لهم وأنهم انتصروا ولو جزئيا في مواجهة نظام أراد التفريط في الحدود والأرض بما لذلك من دلالات.

 لا تزال ثورة يناير هي الأصل، ولا نزال في حاجة لروحها أن تسري فينا مرة أخرى، فالثورة تنزع الزيف من على الأشياء وتجعل معدلات الصدق عالية لدى الناس، وتبث فيهم طاقة تجعلهم يحققون المستحيل، لذلك ونحن على أعتاب العام الخامس لذكرى تلك الثورة، علينا أن نستعيد تلك الروح علينا أن نتذكر أن ثمة أساطير تفككت حولنا بفعل مناخ الحرية والمواجهة الذي ساد، ليس في مواجهة النظام فقط بل مع أمور شتى كثيرة حولنا في الحياة، الثورة شجاعة والشجاعة روح تسري فيك قبل أن تقدم على أي فعل، كانت هذه ثورة يناير وهذه هي روحها التي علينا أن نتلمس الأسباب لنعيدها.

ولا يعني هذا أننا سنعيد الثورة بنفس مشاهدها أو أنها ستتكرر بالشكل التي كانت عليه، فهذا غير منطقي، لكن حينما نُعلم الأجيال القادمة وحينما نَعلم نحن أيضا أن الثورة هيا روح تسري فينا، فإننا سنصل إلي حالة الفعل عبر التراكم وعبر إدراك أن أية مواجهة بلا روح محكوم عليها بالفشل.

 ليس بالضرورة أن يثور الناس غدا أو أن يكون فعل الثورة هو الوحيد الذي سيأتي بالحرية ويخرج المعتقلين من السجون ويظهر المختفين قسريا، لكن الأكيد بالنسبة لي أنه دون روح ثورية تسري في النفس وتجعلها حرة لن يكون هناك تغيير.

 لذا فخلاصة القول فإن علينا أن نعلم الناس والأجيال الجديدة ماذا كانت ثورة يناير وما هي روحها التي يجب أن تظل سارية في الجسد، وأنها ليست مجرد ذكرى جميلة تأتي مرة كل عام، فلتمجدوا الثورة ولتعطوها حقها ولتسيروا بها بين الناس، لعل في يوم من الأيام تصبهم وتصيب الأجيال الجديدة مس منها يحرك مياه الروح الراقدة.

ــــــــــــ

عبد الرحمن يوسف.. صحافي

#عيش_حرية_كرامة
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...