عندما تجوع رفح

بقلم: يحيى عقيل

مدينة رفح أصغر مراكز شمال سيناء مساحة على الإطلاق وأجودها أرضا. لكن لها جغرافيا خاصة بها، وضعتها إلى جوار شقيقتها مدينة غزة، ما جعلها تنشط في تجارة الأنفاق مع غزة، بالتوازي مع نشاط زراعي مكثف، وحالة استثمار مكثف في كل محيط رفح، جعلها أكثر ثروة من كل مراكز شمال سيناء. إلا أن وقوع المدينة في جوار فلسطين، والنشاط المكثف في ملف التفاوض السري بين الأنظمة العربية، والذي تم التوافق عليه ولم يعلن بعد، وإن تم الإعلان عن العنوان الكبير له (صفقة القرن)، بمعنى أنها صفقة سياسية بين أطراف المنطقة هي الأضخم في هذا القرن، فاختار المتعاقدون في هذه الصفقة السرية المشبوهة رفح وما حولها، لكي يتم حل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي على حسابها وحساب أهلها، فتم هدم جزء من المدينة على أنه منطقة عازلة، وتمت إزالة قرى بالكامل على أنها مناطق صراع، واستمر القصف في أجوائها نظاميا وعشوائيا أربع سنوات كاملة. وعلى الرغم من كل هذه المآسي، صمد كثيرون من الأهالي، وفقدوا كل شيء، لكنهم تمسّكوا بالأرض لأسباب متعددة، فأضيف إلى القتل والقصف، الحصار.

حصار لا يسمح فيه بدخول البضائع والأغذية إلى كل محيط رفح، إلا بشكل قليل، ومن خلال الجهات الرسمية، والذي يستخدم وسيلة للحصار والتعرف على الموجودين، أو من خلال تجار التهريب، وهو ما يرفع الأسعار كثيرا بما لا يتماشى مع حالة الناس أبدا.

بقي الوضع هكذا، حتى جاءت العملية الغاشمة الشاملة، وهي لها من اسمها حظ كبير، فشملت في شمولها منع كل شيء، إذ يكفي أن يصبح استخدام السيارات محظورا، بل كل سيارة متحركة هدف مشروع، فصارت وسائل الانتقال في رفح عبر الكارو والحمير، وصارت كلفة الانتقال أكثر عشر مرات. أما نقل بضائع أو خلافه، فأصبح أقرب إلى المستحيل، ومع إغلاق باب التهريب وتقليل الكميات التي يتم توزيعها، أصبحت رفح الثرية صاحبة الوفرة أقرب إلى حال المجاعة، فلا غرابة أن تسمع قصة أن يدخر الرجل خبزه بنشره تحت الشمس، ثم يعيد تقسيمه على الأسبوع، لكل فرد رغيف ينقع في الماء ليستطيع تناوله. أما طعامهم فحشائش الأرض من الخبيزة وما على شاكلتها، لا شيء أكثر من ذلك، وهو بالكاد يكفي ويتحسب الناس من دخول الصيف وجفاف الأرض وموت الحشائش.

هكذا وصل الحال برفح الزاهرة العامرة إلى أن تصير في محنة وشدة لا يعلمهما إلا الله، ويعجز الناس عن فهم دور ذلك في الحرب على الإرهاب، لسبب بسيط أنه إذا كان للمهربين طرق لتهريب السلاح فلن يعدموا طرق تهريب الطعام. لكن للحقيقة، لا أحد من النظام، ولا حتى مؤيديه، يشغل نفسه بتفسير شيء. أما المواطن القابض على أرضه فهو حقا القابض على الجمر.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...