من هاجر خارج مصر فهو آمن.. ماذا عن بقية الشعب؟

بعد انقلاب الثلاثين من يونيو 2013 أصبح الندم شعار من أيد ودعم ومن شاهد وصمت، جميع الطوائف وشرائح المجتمع المصري باتت تعض أصابع الندم على ما جرى، حتى تلك الشرائح التي أيدت السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ونشرت سيدة مصرية بوست صادما ومحزنا وكاشفا، تعلن رغبتها بالهجرة خارج البلاد باولادها وما تبقى من ثروتها خوفا على مصير أسود ينتظر الجميع إذا استمر انقلاب العسكر.

سيدة تدعى داليا عبد الفتاح نقل عنها السفير فوزي العشماوي، وكلاهما من مؤيدي انقلاب 30 يونيو، حيث قالت: “ناس كتير من أصحابي لما عرفوا إني بحضر للهجرة سألوني باستنكار شديد جدا .. انتي تهاجري!!.. انتي عايشة كويس اوي ..انتي عايشة عيشة مش هتلاقيها برة .. انتي مش ناقصاك حاجة اصلا . انتي ناجحة هنا وبتنجحي كل يوم ..انتي حظك احسن من ناس كتير .. ليه تفكري في الهجرة ..ده انتي هاتروحي تتبهدلي .. وتندمي وترجعي تلاقيكي ضيعتي شغلك وحياتك هنا”.

وتضيف: “الكلام ده سمعته من أكتر من حد بطرق مختلفة بعضه أو كله.. ولما بفكر في الأسباب اللي تخليني ابذل مجهود كبير وعارفة إني هابتدي حياتي من الصفر في سن كبير نسبيا ومعايا ولادي واحط تحت كلمة الولاد كذا خط وعارفة قد ايه التعب اللي هاشوفه ومتوقعاه ..ومش متخيلة ابدا اني رايحة جنة .. وعارفة اني هاخسر حاجات كتير هنا ..لكن الاسباب شايفاها كافية على الاقل من وجهة نظري برغم عشقي لمصر .. عشقي لكل شئ فيها حرفيا .. انا بحب بلدي لدرجة الهيام .. ودي اكتر حاجة تعباني .. أنا مش متشائمة بس كل المؤشرات واضحة لأي واحد مهما كان افقه رايح في داهية ..”.

السيسي حرامي

تقول السيدة داليا عبد الفتاح: “ادفع أرقام مبالغ فيها في تعليم أولادي تعليم صوري شكلي.. بحيث يكون أقصى نجاح ليهم لما يكبروا أنهم يسافروا برة !..أعيش في غربة داخلية دائمة .. لا احصل على حقوقي في بلدي بالرغم من وجود اقارب في مناصب هامة لكني إنسانة تعتز بكرامتها وأرى أن طلب واسطة للحصول على حقوقي هو شيء مهين وبائس …في بلدي الجريح حيث القانون ليس اكثر من آلة موسيقية.. والبلطجة فوق كل اعتبار ..”.

وتابعت: “اجتهدت طول عمري حرفيا لتأمين وضع مالي مريح .. ثم بسبب ممارسات اقتصادية فاسدة ومستمرة تم سرقتي في ثلثي مدخراتي بالمعنى الحرفي بعد التعويم .. سرق مالي وعمري بسبب عبث اقتصادي .. وما زال الوضع في منتهى العبث ولا يوجد اي مؤشر للتفاؤل ..”.

وأوضحت: “الفساد اصبح خارج السيطرة تماما .. في كل المجالات..التلوث السمعي والبصري والبيئي … في مجتمع متصالح تماما مع اكوام القمامة والقبح ..انأى بنفسي عن حياة تتشابه مع حياة البهائم”، وبحلول خمس سنوات مرّت على انقلاب السفيه السيسي ماذا كانت الحصيلة؟

هذا الانقلاب هو محصلة فشل النخب المصريّة المدنية، فهذه النخب التي تنتمي لها السيدة داليا عبد الفتاح وغيرها، وبدلاً من الحفاظ على مؤسسات الحكم المدني المنبثقة عن ثورة 25 يناير 2011 شارك أغلبها في تحريض الجيش للاستيلاء المباشر على السلطة مجددا، وأسهم هؤلاء، عمليّا، في تمرير وإنجاح الثورة المضادّة التي لم تكتف فقط باعتقال الرئيس المنتخب، ومطاردة جماعة الإخوان المسلمين، ولكنّها قامت فعليا بالانقلاب على كل القوى الحزبية والسياسية والمدنية التي أسهمت في هذا المخطط.

Egyptian immigrants Samar Shoreibah (L), 29, her husband Taha Shoreibah (2nd R), 39, and their children Yousef (2nd L), 5, and Maria, 2, hold U.S. flags at a naturalization ceremony for 3,703 new U.S. citizens from 130 countries, in Los Angeles, California, December 17, 2013. REUTERS/Lucy Nicholson (UNITED STATES – Tags: SOCIETY IMMIGRATION) – RTX16MS6

وصلت حالة الاعتذار والندم مؤخرا إلى حركة “تمرد” الطلابية، التي كانت إحدى أكثر المساهمين والمحرضين للجيش في الهجوم على الشرعيّة المنتخبة؛ حيث قام أحد قادتها بإعلان اعتذاره علنيّا بقوله إنه لم يطالب بدم ولا بإقصاء ولا بدكتاتورية جديدة ولا كان مع الردة على ثورة 25 يناير ولا طالب بحبس أحد ولا برر القمع ولا الفقر ولا الفساد ولا الدم “لقد عارضت حكم الإخوان وهذا حقي. غير ذلك لا شيء يمثلني مما حدث”.

اشتداد قبضة الظلم

لم يكتف الانقلاب بافتراس قادة وكوادر حركة الإخوان المسلمين ومحاولة إقصائها من المشهد السياسي، وبالتنكّر للأحزاب والتيارات والقوى التي ساندت حركته، وبتبرئة رموز نظام مبارك وإطلاق سراح مسؤولية الكبار، بل صنّع قوانين جديدة للتوقّي من أي ثورة جديدة عبر قانون منع التظاهر، ونفّذ انتقاماً مستمراً من المشاركين في الثورة، وفرض قانون الطوارئ.

ومع اشتداد قبضته على مؤسسات البرلمان والقضاء بدأ بإصدار أحكامه العنيفة، التي كان آخرها قرار قضائي اليوم بإعدام 75 شخصا في هزلية فض رابعة، وقراراته الاقتصادية القاسية، ومنها رفع أسعار المحروقات مؤخرا، ناهيك عن قراره بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو قرار هزّ فئات واسعة من الشعب المصري التي اعتبرته تنازلا عن أراض مصريّة إلى السعودية مقابل المال.

أعطى إقصاء الانقلاب العسكري للإخوان أسبابا كبرى لانتشار التطرّف السلفيّ المسلّح الذي تحتقر تشكيلاته طرائق عمل الإخوان السياسية وتعادي الديمقراطية “الكافرة” وأساليب العمل السياسي المدنيّ من انتخاب ونقابات وأحزاب، وانعكس هذا بعمليّات إرهابية ضد قوّات الأمن والجيش والقضاء والسياحة والأقباط، وكان ردّ الجيش والأمن عمليّات يختلط فيها العمل الأمني بالإرهاب ضد مدنيي رفح وسكان سيناء وطالت عمليّات القتل سياحا مكسيكيين وطالبا إيطاليا وقادة ومسئولين وعناصر من الإخوان وناشطين مصريين وكثيرين لا ناقة لهم في السياسة ولا جمل.

وعود السيسي

إضافة إلى هذا الخطّ الانتقاميّ القمعيّ المتشدد في داخل مصر فقد دخل الانقلاب في حلف إقليميّ مع دولة الإمارات العربية المتّحدة وبدأ تدخّلاً عسكريّاً مكشوفاً في ليبيا عبر دعم الجنرال خليفة حفتر، كما انعكس هذا التحالف المستجدّ الغريب في ساحات عربية أخرى وكان حصار قطر الأخير أحد تجلّياته المشينة.

استنبط الانقلاب معادلة لبقائه تتمثّل، داخليّا، باستيلاء الجيش على أركان السلطات وتجميد حركيّة المجتمع بالقوّة الغالبة والقوانين القمعية مستعيناً بخبرات أجهزة الأمن والتحالفات العابرة مع رجال الأعمال القادرين على الدفع، كما هو الحال مع طلعت مصطفى المدان بجريمة قتل مطربة لبنانية والذي حصل على عفو رئاسي بعد دفع شركته ما قيمته 4,4 مليار جنيه في مشروع فاشل للدولة، فيما تتوالى آلاف الأحكام المشددة للناشطين المحكومين في قضايا التظاهر والإضراب والنشر الالكتروني وغيرها من «جرائم» في عرف الانقلاب العسكري القائم.

أما المعادلة الخارجية لبقاء الانقلاب فتقوم على موضعه إقليميّا وعالميّا ضمن المنظومة الرائجة للعداء لأي تيارات تحمل طابعاً إسلاميّاً، حتى لو كانت ضد الإرهاب بكافة أشكاله وتؤمن بالانتخابات والتصويت وتناضل للحقوق المدنية، وقد أضاف السفيه السيسي ركناً آخر لانقلابه، يقارب تعامله مع قضية طلعت مصطفى، حيث يقوم بعرض خدماته السياسية والأمنية والسيادية لمن يستطيع الشراء.

تبخّرت وعود السفيه السيسي عن رخاء يعمّ بلاده خلال سنتين وأن مصر ستصبح قد الدنيا ودخلت البلاد استعصاء سياسيا واقتصاديا مريراً سيحاول الانقلاب إعادة تدويره إلى أن تتمكن النخب السياسية والمدنية وربما العسكرية؟ من تقديم آليّة تكسر هذه الدائرة المظلمة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...