مذبحة 6 أكتوبر نموذجا.. لماذا تورط عسكر الانقلاب في دماء آلاف المصريين؟

في مثل هذا اليوم 06 أكتوبر 1973 عبرت قواتنا المسلحة خط قناة السويس نحو الضفة الشرقية للقناة وحطمت أسطورة خط بارليف الذي روجت الآلة الإعلامية الصهيونية الضخمة أنه كأعظم مانع مائي في العالم ويستحيل تجاوزه وأن جيشها لا يقهر، لكن جنودنا قدموا أعظم مشاهد الشجاعة والإقدام وهو ما أبهر العالم أجمع؛ إذا كيف يواجه الجندي البسيط مدرعة كاملة ويقضي عليها، واسترد جنودنا البواسل بعبورهم القناة قدرا من كرامة أمة منيت بهزيمة ماحقة قبل ذلك بـ6 سنوات أفضت إلى احتلال سيناء كاملة والضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.

وفي مثل هذا اليوم 06 أكتوبر 2013، وجهت عصابات جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي التي اختطفت الجيش المصري لصالح أطماعها وأغراضها الدنيئة سلاح المصريين نحو صدور المصريين، وارتكبت مذبحة أخرى يندى لها جبين الإنسانية تضاف إلى سجل هذه المليشيا الأسود الذي بدأته في مجلس الوزراء والعباسية وماسبيرو ثم رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة وغيرها.

في مثل هذا اليوم 2013، قتلت عصابات السيسي التي ترتدي ملابس الكاكي أكثر من 53 مواطنا وأصابت نحو 250 آخرين في مظاهرة مليونية خرجت من الدقي ورمسيس ونحو ميدان التحرير، لكن عصابات الانقلاب المأجورة لصالح الصهاينة والأمريكان وجهت بنادقها نحو صدور هذه الملايين التي خرجت تزأر برفضها لانقلاب العسكر على أول مسار ديمقراطي حقيقي تشهده مصر في تاريخها كله.

وتحظى مذبحة 06 أكتوبر 2013 برمزية كبيرة؛ إذ تأتي في ذات اليوم الذي يحتفل فيه المصريون كل عام بانتصار أكتوبر على العدو الصهيوني، لكن مليشيا السيسي أطفأت بريق هذا اليوم العظيم وبات المصريون يتذكرون مشاهد القتل والقنص والذبح التي تمارسها عصابات السيسي وباتوا يترحمون على جيش مصر الذي هزم الصهاينة وقد تمكن من اختطافه عصابة السيسي وبعض كبار الجنرالات وغيروا عقيدته العسكرية وحولوه إلى مليشيا لا وظيفة لها سوى ضمان أمن الكيان الصهيوني وضمان حماية المصالح الأمريكية في المنطقة.

العسكر ودماء المصريين

وتبقى أسباب تورط عصابة الجنرال في هذه المذابح لغزا يحمل الكثير من الدلالات والرسائل المؤلمة؛ إذ كيف لجيش الوطن أن يعتدي على الوطن، وكيف لجيش يفترض أن يحمي الشعب أن يقتل الشعب؟، ومتى وكيف تغيرت عقيدة الجيش من جيش الشعب إلى جيش الجنرالات، ومن جيش الأمة إلى مرتزقة تمارس الأعمال القذرة تنفيذا لأوامر حفنة من الجنرالات الفسدة الذين أجرموا في حق الوطن والشعب والجيش؟

أول أسباب تورط عسكر الانقلاب في سفك دماء الآلاف من المصريين، هو عملية الاختراق الواسعة التي احدثتها اتفاقية كامب ديفيد 1978م، واتفاقية السلام المزعوم 1979م، على تركيبة المؤسسة العسكرية المصرية، فمع التحولات الكبرى التي أحدثتها هذه الاتفاقية المشئومة بشأن السلام المزعوم، كان التحول الأكبر هو ما يتعلق ببنية وتركيبة المؤسسة العسكرية فمع بدء واستمرار المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية والتي تبلغ “1,3” مليار دولار واعتماد الجيش كليا على السلاح الأمريكي، ثم الدوررات العسكرية المستمرة كل عام.

كل هذه الإجراءات أحدثت اختراقا جسيما داخل المؤسسة، ساعد على ذلك حرص الجنرالات أنور السادات ومن بعده حسني مبارك والمشير محمد حسين طنطاوي وأخيرا جنرال الدم الطاغية عبدالفتاح السيسي على تعيين القادة الموالين لأشخاصهم وتمكن تحالف كامب ديفيد من السيطرة على مفاصل المؤسسة العسكرية المصرية والتحكم فيها بشكل مطلق فلا تكاد تجد جنرالا أو قائدا يعترض على هذه الاتفاقية المشئومة أو العلاقة الحميمة مع أعداء الوطن من الأمريكان والصهاينة.

تنفيذ الأوامر

هذه الاختراقات الواسعة حولت وظيفة المؤسسة العسكرية المصرية من جيش يحمي الوطن والشعب إلى شرطي دور هو تنفيذ الأوامر الصادرة من كبار القادة والجنرالات الذين هم بالأساس مجرد عملاء وطابور خامس داخل الجيش لصالح الأمريكان والصهاينة، وبذلك تحول الجيش إلى شرطي لا دور له ول وظيفة سوى ضمان حماية أمن الصهاينة وضمان حماية المصالح الأمريكية حتى لو كانت على حساب الأمن القومي المصري وتهدد الوطن كله حاضره ومستقبله وحدوده ووجوده!

ولعل هذا يفسر أسباب رفض القوى العالمية والإقليمية لتأسيس أي نظام ديمقراطي في مصر تحديدا؛ لماذا؟ لأن ذلك يعني استقلال القرار الوطني، ويعني بالضرورة التخلص من كبار القادة العملاء وبذلك سيتم استرداد المؤسسة العسكرية المخطوفة وبالتالي استرداد الوطن كله؛ وترى واشنطن وتل أبيب في ذلك خطورة كبيرة على مصالح الأولى ووجود الثانية؛ ولذلك تحرص هذه القوى على ضرورة وجود ديكتاتور عسكري مستبد على رأس السلطة في مصر لأن مثل هذه النوعية من عينة “القاتل الملعون” هي الأجدر على القيام بأعمال الخيانة والعمالة.

عمولات وصفقات وبيزنس

ثاني أسباب تورط عسكر انقلاب 2013 في دماء المصريين، هو التحولات الكبرى داخل المؤسسة فيما يتعلق بالتغول الاقتصادي ودخول كبار القادة في شركات وعمولات وصفقات وبيزنس وسمسرة، حتى بات الجيش محتكرا للمشهد الاقتصادي المصري حتى قدرت بعض الأوساط الاقتصادية نسبة إمبراطورية الجيش الاقتصادية بحوالي 60% من إجمالي الناتج القومي الإجمالي.

فالجيش أسس مئات الشركات وبات ينافس القطاع الخاص في كل شيء بدءا من المدن الجديدة وقطاع المعمار وصولا إلى الأجهزة المنزلية وصولا إلى السمك والجمبري والكعك والبسكوت والمربي والجبنه وغيرها، ومعلوم أن أخلاقيات رجل الأعمال تختلف عن أخلاقيات الفارس المحارب، فرجل الأعمال غالبا ما يتصف بالأنانية المفرطة والبحث عن المكسب بشتى الطرق، ولا تعنيه حالة البؤس التي يعاني منها الآخرون، لكن المحارب يتربى أساسا على معنى التضحية بالنفس والدفاع عن الشعب والوطن والبحث عن الشهادة في سبيل الله ثم الوطن، وعندما جرت التحولات الكبرى داخل المؤسسة العسكرية وتحول كبار القادة من محاربين إلى بيزنس مان، هنا تحولت وظيفة الجيش وأخلاقه من حامي الشعب والوطن إلى الباحث عن المكسب بأي وسيلة، يعزز ذلك تصريحات اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشئون المالية وعضو المجلس، في مارس 2012م، “سنقاتل على مشروعاتنا وهذه معركة لن نتركها. العرق الذي ظلينا ٣٠ سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح للغير أيا كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة”!

فهذه أخلاقيات رجال الأعمال الذي لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم القذرة من أجل حماية مصالحهم ومشروعاتهم وليس أخلاق المحاربين الفرسان، وفي تأكيد على أن الجنرالات يتعاملون بمنطق أن الجيش دولة داخل الدولة، تحدث نصر وقتها عن تقديم الجيش قروض للحكومة لدعم الاقتصاد المتدهور وهو ما يعكس طبيعة التصور العسكري لوضع المؤسسة العسكرية باعتبارها فوق الدستور وفوق الدولة ذاتها!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...