الخديوي السيسي يرهن مصر للسعودية والإمارات بالديون

كانت سلطات الانقلاب العسكري تقترض مليارات الدولارات بشكل مفزع على مدار السنوات الخمس الماضية، فيما تحذر التقارير الصحفية من الشروط التي كان يفرضها أصحاب هذه الديون، بدءا من صندوق النقد الدولي الذي اشترط إلغاء الدعم عن الغلابة واستجاب له النظام، مرورا بدولتي الإمارات والسعودية اللتين أصبحتا تتدخلان في كل كبيرة وصغيرة في الشئون الداخلية لمصر، فحذرت تقارير الخبراء والسياسيين على صحف محلية وأجنبية من أن تسير مصر في اتجاه الخديوي إسماعيل، الذي انتهت ديونه في مصر بأن فرضت بريطانيا وفرنسا شروطهما عليه، وقامت بإنشاء “صندوق الدين”، وقامت من خلاله بفرض وزيرين ممثلين لكل دولة، للحكم بشكل مباشر في مصر، بزعم حماية أموالهما التي استدانها إسماعيل.

“ولسون” و”دلسيبس” يعودان من جديد

إلا أن المفاجأة التي سبق بها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، هى أنه أدى نفس الدور الذي قام بتأديته الخديوي إسماعيل، وسار على نفس السيناريو المكتوب، في وقت وزمن قياسي، لتفاجأ مصر بنفس النهاية، وهي تعيين وزير للدولة في الإمارات هو سلطان الجابر، مهمته هي حماية الاستثمارات والديون الإماراتية في مصر، بعد أن دخلت في شراكة مع سلطات الانقلاب على البلاد والعباد، حتى قناة السويس التي أنفق عليها السيسي 68 مليار جنيه من أموال الغلابة بزعم جلب مزيد من الأرباح للقناة، ليفاجأ المصريون بشراكة موانئ دبي لقناة السويس بزعم التطوير والإشراف مقابل نسبة 49% للإمارات من دخل قناة السويس.

نفس الأمر فعلته المملكة العربية السعودية، التي أنفقت الغالي والنفيس لدعم نظام الانقلاب العسكري وتنفيذ صفقة القرن، عبر شراء جزيرتي تيران وصنافير، حيث سارت على نفس طريق الإمارات لحفظ أموالها في مصر، وعينت وزيرا هو ماجد القصبي، الذي خرج أمس الخميس ليصرح في وكالات الأنباء والصحف السعودية، بأنه تلقى تكليفا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأن يعتبر نفسه وزيرا في الحكومة المصرية.

وبرر وزير التجارة السعودي ماجد القصبي تعيينه وزيرا في الحكومة المصرية، بأن التكليف يأتي في إطار التأكيد على أن مصر هي السد الاحترازي للأمة العربية، مشيرا خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات مجلس الأعمال المصري السعودي، إلى أن مصر هي الشريك الاستراتيجي الأكبر للملكة العربية السعودية على مستوى العالم.

بل أعلن القصبي تدخله في كل اجتماعات الحكومة وخاصة ما يتعلق باجتماعات المجموعة الوزارية الاقتصادية في مصر، بأنه تم الاتفاق مع وزيري التجارة والاستثمار في مصر على تشكيل وفد من مجلس الأعمال المصري السعودي يضم 5 أعضاء لحضور الاجتماعات التي ستنظمها وزارة الاستثمار المصرية لإزالة جميع العقبات التي تواجه الاستثمارات السعودية في مصر.

ليكون تعيين وزير الدولة الإماراتي مندوبا ساميا في مصر، ونظيره السعودي باعترافه شخصيا بأنه ممثل السعودية في الحكومة المصرية، هو تكرار حرفي لصندوق الدين الذي فرضته الدول الدائنة على مصر وتأسس بمرسوم من الخديوي إسماعيل في 2 مايو 1876 للإشراف على سداد الحكومة المصرية ديونها للحكومات الأوروبية، التي تراكمت في عصر إسماعيل.

كيف تأسس صندوق الدين؟

وكان الصندوق في البداية يرأسه أمين وثلاثة مفوضين يمثلون حكومات النمسا والمجر وفرنسا وإيطاليا، بعد أن شعر الخديوي إسماعيل بارتباك الحالة المالية، وما تنطوي عليه من الأخطار وما يجر إليه سخط الماليين والأوروبيين من العواقب، فأراد استرضاء الدائنين بوضع نظام يكفل لهم استيفاء ديونهم، فطلب إلى وكلاء الدائنين بمصر وضع النظام الذي يرتضونه،  فقدم وكلاء الماليين الفرنسيين مشروعا بإنشاء صندوق الدين وتوحيد الديون.

استجاب إسماعيل لمطالب وكلاء الدائنين الفرنسيين، وأصدر مرسوما في 2 مايو 1876 بإنشاء صندوق الدين، ومهمته أن يكون خزانة فرعية للخزانة العامة تتولى تسلُّم المبالغ المخصصة للديون من المصالح المحلية، وخصص له إيراد مديريات الغربية والمنوفية والبحيرة، وأسيوط، وعوائد الدخولية في القاهرة والإسكندرية وإيراد جمارك الإسكندرية والسويس وبورسعيد ورشيد ودمياط والعريش، وإيراد السكك الحديد، ورسوم الدخان وإيراد المصلح (ضريبة الملح)، ورسوم الكباري، وعوائد الملاحة في النيل، وإيراد كوبري قصر النيل، وإيراد أطيان الدائرة السنية، أي أنه خصص لسداد الديون معظم موارد الخزانة المصرية.

وفي 7 مايو 1876، أصدر الخديوي مرسوما ثانيا بتحويل ديون الحكومة ودين الدائرة السنية والديون السائرة إلى دين واحد، سمي (الدين الموحد) قدره 91,000,000 جنيه إنجليزي بفائدة 7%، يسدد في 65 سنة، والغرض من هذا المرسوم توحيد وتأمين الدائنين على استيفاء ديونهم، ولكي يطمئن الدائنون على حسن إدارة وزارة المالية، أصدر الخديوي في 11 مايو 1876 مرسوما ثالثا بإنشاء مجلس أعلى للمالية، مؤلف من عشرة أعضاء، خمسة منهم من الأجانب وخمسة من الوطنيين، ومن رئيس يعينه الخديوي، تألف هذا المجلس من ثلاثة أقسام:

القسم الأول: يختص بمراقبة خزائن الحكومة، والثاني بمراقبة الإيرادات والمصروفات، والثالث بتحقيق الحسابات.

ويبدي المجلس رأيه في ميزانية الحكومة السنوية التي يضعها وزير المالية قبل نهاية كل سنة بثلاثة أشهر، وعُين السنيور شالويا scialoja، أحد أعضاء مجلس الشيوخ الإيطالي، رئيسًا لهذا المجلس.

وقضى مرسوم 18 نوفمبر سنة 1876، بفرض الرقابة الأجنبية على المالية المصرية، وأن يتولاها رقيبان (مراقبان) بوظيفة “مفتشين عموميين”، أحدهما إنجليزي (ويلسون) والآخر فرنسي (فرديناند دليسبس)، فالأول لمراقبة الإيرادات العامة للحكومة ويسمى مفتش الإيرادات، والثاني لمراقبة المصروفات ويسمى مفتش الحسابات والدين العمومي (مادة 7 من المرسوم)، وتختار الحكومتان الإنجليزية والفرنسية الرقيبين المذكورين.

مندوبان جديدان في مصر

والآن لدينا مندوبان ساميان أحدهما سعودي والآخر إماراتي، يديران الحكومة المصرية، وهما خليفتان للمندوب البريطاني والفرنسي.

وتكمن خطورة المندوب الأول من الإمارات وهو سلطان الجابر كونه وزير الدولة، والمندوب الإماراتي كونه يمسك بتلابيب ملف المشروعات الاستثمارية الإماراتية التي تنفذ على أرض مصر، ونظرًا لما يمثله هذا الملف الحيوي من أهمية قصوى للدولة المصرية التي تمر بظرف تاريخي صعب، بعد أن وافق عبد الفتاح السيسي على إنشاء شركة تنمية رئيسية مشتركة بين الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس ومجموعة موانئ دبي العالمية، لتقوم بتنفيذ مشروعات في منطقة قناة السويس، بنسبة 49 للإمارات وممثلها موانئ دبي، و51 للجانب المصري.

وهي من أهم ثمرات المندوب السامي الإماراتي في قناة السويس، فضلا عن بيع أجود أنواع الأراضي التي تم إخلاء السكان منها مثل مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق لمستثمرين إماراتيين لبناء منتجعات وفنادق بديلا عنها.

وأصبح نظام الانقلاب نحو مزيد من الاقتراض، ومزيد من الديون، يقف ومعه مصر نحو منحى اقتصادي متدهور، تكبل فيه السندات إمكانية الاستقلال المالي، إلا أن ما يجري في عصرنا ليس بنشاز في التاريخ المصري، بعد أن تكرر سيناريو الخديوي إسماعيل.

ويمكن قياس ذلك على حجم ما دخل الخزانة المصرية في أول سنتين من حكم السيسي، والذي قدرته بعض المصادر بخمسين مليار دولار، لم تفد الاقتصاد الوطني في شيء، بل بُددت هذه الأموال على مشروع تفريعة قناة السويس الذي أدخل مصر منذ افتتاح هذه التفريعة في جملة من المشكلات الاقتصادية، حيث فتحت الباب على مصراعيه للاقتراض من البنوك العالمية، وأخيرا قرض صندوق النقد الدولي الذي يُقدّر بـ12 مليار دولار، والذي فرض على مصر مجموعة من الشروط، وعلى رأسها إلغاء دعم الدولة للمنتجات أدت إلى غلاء فاحش في الأسعار قُدّر بأكثر من 50% في بعض المنتجات، وأكثر من 100% مع ثبات الرواتب في القطاعين العام والخاص، ما أثر بدوره على سحق الطبقة المتوسطة والهُويّ بها إلى منطقة الفقر.

وكان الفساد الإداري والسياسي، وخراب الديون الذي حل على مصر وشعبها، يرجع إلى سبب بسيط ومباشر، وهو غياب الرقابة المجتمعية والسياسية على هذا الخديوي الذي انصاع للغرب بكل جوارحه، وألقى بثقله خلف حفنة من اللصوص والمارقين والمضاربين الغربيين الذين لم يكن همهم إلا جني الأرباح الخيالية والسريعة من خلف هذا الصيد السهل.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...