عقاب جماعي للفقراء بتحفظ نظام السيسى على الجمعيات الخيرية

قبل نحو خمس سنوات، كان السائق أحمد عبد الرحمن يشق الطرق والجبال من القاهرة إلى جنوب سيناء (شمال شرقي مصر) لتسليم دفعة مالية ومعونات عينية لإحدى الجمعيات الخيرية المتكفلة بأسر عشرات اليتامى، التي تم التحفظ عليها بعد أشهر من الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013.

في تلك الأثناء كان السائق الخمسيني ينقل شهريا ما يزيد على ستين ألف جنيه لمندوب جمعية مهتمة برعاية الأيتام بمدينة طابا، مشيرا إلى أنه كان يقوم بذلك متطوعا بجانب آخرين.

وبعد أشهر من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أعلن نظام السيسى تشكيل لجنة لمصادرة وإدارة أملاك جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن تستبدلها في أبريل/نيسان الماضي بقانون “تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين”.

ومنذ الإعلان عن تشكيل اللجنة الأولى، صدرت قرارات تحفظ دون بيانات إجمالية عن حجم المؤسسات والجمعيات والأموال المتحفظ عليها، التي تقدر بالمئات.

دعم المحتاجين
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح السائق عبد الرحمن أنه بادر في السنتين السابقتين للانقلاب بتقديم خدمة نقل المعونات النقدية والمالية لأسر اليتامى، نظرًا لطبيعة عمله سائقًا في نقل مواد البناء من القاهرة ومحافظات أخرى صوب جنوب سيناء.

وعن المستفيدين من تلك المعونات، قال إن عشرات الأسر كانت تنتظرها شهريًا، حيث كانت تغطي عدة مدن بتلك المنطقة النائية، من بينها سانت كاترين وأبو رديس وأبو زنيمة وطابا ورأس سدر.

وتوقف عمل تلك الجمعية -بحسب السائق- عقب التحفظ عليها، واعتقال القائمين عليها، ونقل ملكيتها إلى الحكومة.

وأشار في الوقت ذاته إلى تأثر عمله بصورة غير مسبوقة؛ نظرًا للمضايقات الأمنية التي يتعرض لها كل من يتوجه إلى سيناء إثر الوضع الأمني غير المستقر هناك، إزاء أعمال العنف المتبادل بين القوات المصرية وجماعات مسلحة.

عقاب جماعي
ووفق تقارير وأحاديث مسؤولين سابقين عن المؤسسات والجمعيات المتحفظ عليها (فضَّلوا عدم ذكر أسمائهم لاعتبارات أمنية)، فإن نشاط تلك الجمعيات كان منصبًا على رعاية الفقراء وكفالة اليتامى وتقديم خدمات تعليمية وطبية لغير القادرين، بجانب تنفيذ مشروعات خيرية أخرى كبناء المساجد والمستشفيات.

وتنتشر هذه الجمعيات في أغلب محافظات الجمهورية، وكانت تقوم على تبرعات خيرية.

ومؤخرًا، كشفت تقارير محلية -نقلاً عن مصادر باللجنة الحكومية- عن التحفظ على أموال 3200 ممن تصفهم السلطات “بالإرهابيين”، من بينهم 1589 اتخذ قرار باستمرار مصادرة أموالهم إلى الخزانة العامة، في حين أحيل الباقون إلى لجنة الفحص، وطلب تحريات تكميلية عنهم.

فضلا عن التحفظ على 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية وخيرية، و104 مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية.

وكانت اللجنة بمسماها القديم، أعلنت في يناير/كانون الأول 2016 أنها تتحفظ على 62 شركة و1125 جمعية، وأموال 1370 شخصا، والتحفظ على 19 شركة صرافة، بإجمالي أموال بلغت خمسة مليارات و556 مليون جنيه مصري (نحو 310 ملايين دولار).

وكان آخر قرارات التحفظ على الجمعيات الخيرية، مطلع الأسبوع الجاري، حين أعلنت مديرية التضامن الاجتماعي بمحافظة دمياط (شمال) التحفظ على مقر جمعية “رسالة” الخيرية.

إلا أن جمعية رسالة المعروفة التي يقع مقرها بالقاهرة ولها فروع بمحافظات أخرى، نفت علاقتها بهذا الفرع، وقالت إنها طالبت أكثر من مرة بتغيير اسمه، ولم يتسن الحصول على تعقيب من المسؤولين عن الجمعية التي تم التحفظ عليها.

واقع صعب
وعن واقع الجمعيات الخيرية المتحفظ عليها عقب الانقلاب، قال مسؤول عن جمعية “الإحسان الخيرية”، بإحدى قرى محافظة سوهاج (جنوب)، (وتحفظ على ذكر اسمه) إن الجمعية تمت مصادرتها بعد أن كان يستفيد منها 650 أسرة.

وأضاف أن قرار التحفظ أوقف أيضًا بناء مجمع للجمعية كان عبارة عن مسجد وحضانة أطفال ومشغل ومستوصف طبي، موضحًا أن العاملين بها كانوا متطوعين دون أجر.

وبينما تأثرت أغلب الجمعيات الخيرية بقرارات التحفظ، ما يزال بعضها مستمرًا في تقديم خدماته للمحتاجين، وفق حديث هشام عبد العليم، أحد المسؤولين الإداريين بجمعية “أنصار السنة المحمدية” فرع حي عابدين (وسط القاهرة).

وقال عبد العليم للجزيرة نت إن “أنصار السنة المحمدية” واجهت قرار التحفظ، صيف 2013، عبر الطعن عليه قضائيًّا، لنحو عام كامل، قبل أن تصدر محكمة القضاء الإداري (معنية بالمنازعات القانونية الإدارية) حكمًا لصالح الجمعية.

وعن نشاط الجمعية، أشار إلى أن لها نحو خمسمئة فرع على مستوى الجمهورية، يقدم فرع “عابدين” خدمات لنحو 350 أسرة بالحي، بعد أن كان الفرع وحده يغطى عشرات المناطق وسط القاهرة، إثر تداعيات قرار التحفظ، مؤكدًا في الوقت ذاته عدم تأثر التبرعات كثيرًا جراء القرار.

وللمدارس نصيب
ومنذ انقلاب يوليو/تموز 2013، صادرت السلطات ما يزيد على مئة مدرسة على مستوى الجمهورية بدعوى تبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين، وقررت لجنة التحفظ على الأموال إسناد إدارتها لوزارة التربية والتعليم، التي تخلصت بدورها من الإدارات القديمة في تلك المدارس، وعينت قيادات جديدة لها.

وكان للقاهرة نصيب الأسد من المدارس التي تمت مصادرتها بواقع 23 مدرسة، من بينها مدارس “المقطم الدولية للغات”، و”الرضوان” و”المساعي الحميدة”.

وحلت الجيزة ثانية بواقع عشر مدارس، أبرزها: مدرسة “فضل الحديثة” التي شهدت في أبريل/نيسان 2015 “محرقة” لـ76 كتابًا أمام أعين الطلاب، قامت بها وكيلة وزارة التربية والتعليم بثينة كامل بزعم “احتوائها على مواد تدعو للتطرف”، في واقعة أثارت استهجانا ورفضًا من قبل أكاديميين ومفكرين وناشطين معارضين ومؤيدين للنظام آنذاك.

واستندت قرارات التحفظ على الجمعيات والمدارس والمؤسسات الأخرى والأموال في مجملها على تحريات الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...