بعد فشل وساطة الطرطور.. ماذا يريد السيسي من شيخ الأزهر؟

“أنا بقول لفضيلة الإمام كل ما أشوفه أنت بتعذبني، فيقولي أنت بتحبني ولا لأ.. ولا حكايتك إيه؟ أنا بحبك وبحترمك وبقدرك وإياكم تكونوا فاكرين غير كده تبقى مصيبة”.. هذهاشكل العلاقة التي يخرج بها السيسي للعلن مع شيخ الأزهر ، خلال كل احتفالية دينية يحضرها الاثنان معا، إلا أن المشكلات الدائرة والخلافات التي كشفت حقيقة العلاقة بين الجانبين، أثبتت أن السيسي يظهر عكس ما يضمر لشيخ الأزهر، خاصة في ظل الخلاف الأخير حول هجوم السيسي على السنة النبوية، والمطالبة بوقف العمل بالطلاق الشفوي، واعتماد الطلاق على يد مأذون فقط.

لم تمنع هذه الخلافات بين شيخ الأزهر والسيسي، من أن يفصح عنها الأخير بشكل واضح، حينما خرج مع إحدى القنوات الأمريكية الإخبارية، وقال إنه المسئول الأول عن كل شيئ في مصر، خاصة الدين، مضيفا أن الفتوى التي تصدر يجب أن تتفق مع رؤيته كحاكم ومسئول أمام الله سيحاسبه هو دون غيره، ليعطي السيسي لنفسه كهنوتا دينيا فوق سلطة شيخ الأزهر، كشفت عن نية السيسي في رغبة الانفراد بشئون الدين كما انفرد بشئون الدولة.

دستور الانقلاب

وبالرغم من أن دستور الانقلاب ينص على أن “شيخ الأزهر باق في منصبه لا يعزل وفق الدستور”، إلا أن الحرب التي شنتها وسائل إعلام الانقلاب على شيخ الازهر بالتزامن مع المطالب بتعديل الدستور لمد فترة حكم السيسي، كشفت أن هناك نية للتخلص من شيخ الأزهر في القريب العاجل، كما تخلص من أسلافه وشركائه في الانقلاب، وعلى رأسهم صدقي صبحي رغم مخالفة الدستور التي حصنت منصب وزير الدفاع، ومع ذلك تمت إقالته بالمخالفة للدستور، ولم يستطع صدقي صبحي فعل أي شيئ يحصن به بقاءه.

وكشف مقربون من شيخ الأزهر، أن هناك ثلاث خيارات للتخلص من شيخ الأزهر، أولها تعديل المادة 7 من الدستور بما يسمح بتعيين وإقالة شيخ الأزهر، ثانيا، تحديد منصبه بفترة زمنية من خلال تعديل دستوري أيضا، والثالثة، تقديم شيخ الأزهر استقالته، أو وفاته، فيخلو بذلك المنصب”.

وليس أدل على ذلك من قدرة السيسي على التخلص من شيخ الأزهر أن السيسي تخلص من كل من لا يريده، بالدستور وغير الدستور، بمن فيهم المستشار هشام جنينة، ووزير دفاعه، وداخليته؛ فالسيسي لا يقبل من الجميع إلا أن يسلموا له تماما، والعمل بما يمليه عليهم جميعا.

الحصانة بشرع السيسي

كما أثبتت كل التجارب أن كل الذين تحصنوا في نظام الانقلاب العسكي للاستمرار في مناصبهم، لم يتحصنوا بدستور أو قانون، ولكن تحصنوا بنفاقهم للسيسي فقط، واستمدوا شرعيتهم من انقلابه، ودعمهم له، حيث لم يستبعد مختصون بالشأن الديني ومحللون لجوء السيسي إلى استخدام برلمانه لتعديل المادة السابعة من الدستور يما يسمح بعزل شيخ الأزهر، أو تحديد منصبه بمدة زمنية، كما حدث مع مناصب أخرى حصنها الدستور من العزل، ثم قام بتعديل المواد الخاصة بها، أو دفع للاستقالة.

وطالب بالفعل النائب في برلمان العسكر محمد أبو حامد لأكثر من مرة بتعديل الدستور، وإدخال تعديلات جديدة على قانون الأزهر، ومنصب شيخه، في الوقت الذي ارتفعت وتيرة هذه النغمة من نواب وإعلاميين لم يمنعهم السيسي من سب واتهام شيخ الأزهر بالإرهاب.

ودللت المصادر على إمكانية عزل شيخ الأزهر بأنه في مارس 2016، عزل السيسي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، بعد أن منح نفسه سلطة عزل رؤساء الهيئات الرقابية والمستقلة.

وفي يونيو 2018، أطاح السيسي بصديقه ووزير دفاعه، صدقي صبحي، في خطوة مفاجئة، رغم حصانته الدستورية، التي تنص على توليه منصبه لفترتين متتاليتين، أي لثمان سنوات.

الخطاب الديني

وبدأ السيسي يناير 2015، معركته ضد الأزهر خلال احتفال وزارة الأوقاف والأزهر الشريف بالمولد النبوى الشريف، وقال السيسي وقتها إنه يحمّل الأزهر الشريف، إمامًا ودعاة، مسؤولية تجديد الخطاب الديني والدعوة بالحسنى وتصحيح الأفكار والمفاهيم التي ليست من ثوابت الدين، مطالبًا بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة.

وفي هذا العام خلال الاحتفال بالموالد النبوي، وقبل أن ينطلق السيسي ليتحدث كعادته في المناسبات الدينية عن “التجديد الديني”، وقف أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في مناورة جديدة من مناوراته الإعلامية التي باتت تتكرر بينه وبين السيسي في كل مَحفل رسمي. وحذّر الطيب حينها من دعاوى التجديد التي تُنكر السُنة، مضيفا أن القرآن لا يمكن الاستغناء به عن السنة، وواصفا هؤلاء المنكرين بأن الشك والريبة تجمعهم، ليقاطع المستمعون كلامه بتصفيق حار ثناء على كلامه.

ليرد السيسي هجوم شيخ الأزهر، وهو ما جعله يشتبك مباشرة مع ما قاله الطيب بقوله: “أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة لأحد”، وليؤكد أن “الإشكالية في عالمنا الإسلامي حاليا ليست في اتباع السنة النبوية من عدمها، فهذه أقوال بعض الناس، لكن المشكلة هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا، وهذه المرة الرابعة أو الخامسة التي أتحدث فيها معكم، كإنسان مسلم وليس كحاكم”. ويتساءل السيسي: “من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟”.

حرب التصريحات

وتكررت المناوشات بين الطيب والسيسي، بداية من طلب السيسي من شيخ الأزهر القيام “بثورة دينية” موجها الحديث له على الهواء مباشرة: “أنتم المسؤولون أمام الله عن ذلك، والله لأُحَاجيكم يوم القيامة”.

واستخدم السيسي أسامة الأزهري، تلميذ عليّ جمعة، مستشارا دينيا لينشئ به سلطة دينية موازية لشيخ الأزهر، لتحقيقه، كما اتهم السيسي شيخ الأزهر بأنه يسير ببطء وأنه عليه مسؤولية جمع الشمل.

وتتابعت حرب التصريحات فيما عُرف “بالحرب على داعش” ومحاولة الحكومة استصدار فتوى من الأزهر تُكفّر تنظيم الدولة، وهو ما تصدى له الطيب بالتفريق بين قِتالهم وتكفيرهم، وأن التنظيم مفسد مستحق للقتال، لكن القِتال لا يلزم منه التكفير، قائلا: “الأزهر ليس ما يطلبه المستمعون! عاوزني أكفّر داعش ولو مكفرتش تقول عليا أنا داعشي.. قول براحتك. لكن التكفير له ضوابط وأنا مش من حقي أن أكفر أحد”.

كما طالب السيسي بإصدار فتوى تُبطل وقوع الطلاق الشفوي. وفي الأسبوع نفسه كان رد هيئة كبار العلماء، والتي يرأسها الطيب، بالرفض لهذا الاقتراح العلنيّ، وهو ما اعتبره البعض محاولة لإيقاف العبث الذي يتم باسم التجديد، لا سيما مع ضم الهيئة لعلماء كبار أظهروا معارضتهم لانقلاب السيسي مثل الشيخ حسن الشافعي ومحمد محمد أبو موسى والمفكر المصري محمد عمارة.

وكشف مصلدر داخل الازهر الشريف، أن شيخ الأزهر يواجه حربا شرسة من قبل النظام، لدرجة وصلت إلى تدخل بعض سدنة النظام للتهدئة، بعد الصدام المباشر بين شيخ الازهر وبين السيسي.

وأكدت المصادر، في تصريحات خاصة لـ”الحرية والعدالة”، أن الرسائل الموجهة من النظام أشارت إلى أن شيخ الأزهر أصبح يأخذ أكثر مما يستحق ويجب إيقافه. واستدلت المصادر بالخطوة المفاجئة التي أقدم عليها رئيس الانقلاب المؤقت عدلي منصور، حينما ذهب لشيخ الأزهر، أمس الإثنين، للتوسط بينه وبين السيسي لوقف حالة السجال من طرفه، وعدم الدخول في صراع مع دولة الانقلاب.

وكشفت عن توسط منصور، في أعقاب الهجوم الضاري الذي شنه الإمام الأكبر على من يطعنون في قيمة ومكانة السنة النبوية، والتطاول عليها والتقليل من قدرها، تحت دعاوى متسترة بغطاء تجديد الخطاب الديني.

هجوم الذباب

من ناحية أخرى، بدأ السيسي يلوح باستخدام السيف ضد شيخ الأزهر، من خلال ذبابه الإلكتروني وأعضاء برلمان العسكر. وقال محمد أبو حامد- عضو برلمان العسكر المعروف بمواقفه المعادية للمسلمين، والذي دخل في حرب كلامية ضد شيخ الأزهر، ورفع مشروع قانون لتعديل قانون الأزهر، والسماح لرئيس سلطة الانقلاب بإقالته- “إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر.. إن افتعال معارك وصراعات وهمية وابتزاز مشاعر المواطنين الدينية، لن يوقف مطالبتنا لكم بالقيام بواجبكم نحو تطوير حقيقي للخطاب الديني، ومواجهة حقيقية للأفكار المتطرفة واللاعقلانية واللاإنسانية الموجودة في المناهج الدينية”.

فيما قال الصحفي إسلام كمال، نجل الصحفي الراحل عبد الله كمال: “اسألوا الإمام الأكبر الذي انتفض ضد التوانسة، عن جيرانه في الصعيد، والبحراوية والدلتاوية الذين لا يورثون الفتيات ولا يعوضوهن”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...