كَفّ ُ الأَذي

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما
وأشهد أن لا إله إلا الله الرقيب الحسيب توعد من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بالوعيد الشديد ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )
الأحزاب ( 58 )
وأشهد أن سيدنا ونبينا ومعلمنا محمدا ً عبد الله ورسوله – نبي الرحمة للبشرية كلها ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء ( 107 ) ولذلك يعلن الرسول – صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم هذ ا القانون المحمدي العادل ( لا ضرر ولا ضرار ) فلا يجوز لك أن تضر نفسك ولا تضر غيرك 0 ويرحم الله الإمام البنا حين قال في رسالة إلى الشباب – لقد آمنا إيمانا ً إيمانا ً لا جدال فيه ولا شك معه , واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر , بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الإنسانية الحائرة وتهدي التاس سواء السبيل , هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه
( فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) سورة طه ( 123 )
أما بعد للشريعة الإسلامية عدة مقاصد وهي حماية الدين والنفس والمال والعقل والنسل ولذلك يحرم شرعا ً كل ما يناقض هذه الضرورات والمقاصد ويضر بها عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( كل المسلم على المسلم حرام . عرضه وماله ودمه , التقوى هاهنا , بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) أخرجه الترمذي وحسنه وحرم الإسلام إيذاء المؤمنين والمؤمنات بأي صورة من صور الإيذاء 0 قال تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ً وإثما ً مبينا ً ) الأحزاب ( 58 )
قال ابن كثير. أي ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه 0 وهذا هو البهت الكبير
– عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يَظلمُه ُ, ولا يَخذُلُهُ ولا يحقَََرُهُ , بحسب امريء من الشر أن يحقرَ أخاه المسلم ) أخرجه مسلم وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال . صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المنبر , فنادى بصوت رفيع ٍ , فقال . ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفض ( لم يدخل ) الإيمان إلى قلبه , لا تؤذوا المسلمين , ولا تعيروهم , ولا تتبعوا عوراتهم , فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته , ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله , قال . ونظر ابنُ عمر يوما ً إلى البيت أو إلى الكعبة , فقال . ما أعظمك وأعظم حرمتك , والمؤمن أعظمُ حرمة عند الله منك ) الترمذي 0
وعلامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه هي سلامة المسلمين من لسانه ويده عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما – عن النبي- صلى الله عليه وسلم ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) البخاري قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ( قالوا معناه المسلم الكامل وليس المراد نفي أصل الإسلام عن من لم يكن بهذه الصفة )
وقال الخطابي , المراد أفضل المسلمبن من من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين 0 قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري . وأفضلية المسلم حاصلة بهذه الخصلة عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال . ( قالوا . يارسول الله , أي الإسلام أفضل ؟ قال . من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وجاءت أحاديث أخرى ( أي الإسلام خير ) ( أي المسلمبن خير ) ونهى الإسلام عن كل مساوىء الأخلاق وجعلها من علامات المنافق ومن ذلك ما رواه عبد بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) رواه الترمذي 0 وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه فهو منافق , وإن صام وصلى وحج واعتمر , وقال . إني مسلم , إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا عاهد غدر , وإذا أؤتمن خان ) رواه مسلم إيذاء الناس طريق للإفلاس ودخول النار عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم . ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا . المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع 0 فقال . إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا , وقذف هذا , وأكل مال َ هذا , وسفك دم َ هذا , وضرب هذا , فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته , فإن فنيت حسناتُه قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم , فطُرحت عليه , ثم طُرح في النار ) رواه مسلم وعن أبي هريرة – رضي الله عنه قال . قيل يارسول الله , إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار , وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها , سليطة 0 فقال . ( لا خير فيها , هي في النار ) الحاكم . الحفاظ على المسلمين من الأذي طريق للصدقات والجنة
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( إماطة الأذي عن الطريق صدقة )
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( مرَّ رجل ٌ بغصن شجرة على ظهر طريق 0 فقال . والله لأُنحينَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة ) رواه مسلم – ذكر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم أن فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها , وأنها تتصدق – بالأثوار من الأقط – بالقطع من الجبن – ولا تؤذي جيرانها 0 قال( هي في الجنة )
رواه أحمد
من صور الإيذاء للغير
إيذاء الوالدين بالعقوق والتسبب في شتمها وسبابهما من الآخرين
قال تعالى ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما ) الإسراء ( 23 )
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال ( من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه , قال . يارسول الله , وهل يشتم الرجل والديه , قال . نعم يسبُّ أبا الرجل ِ فيسبُّ أباه , ويسبُّ أمَّه فيسبُّ أمَّه )
إيذاء العلماء والصالحين و تجريح الأشخاص أو الهيئات
عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال . قال النبي – صلى الله عليه وسلم . ( يقول الله تعالى . ( من عادى لي وليا ً فقد آذنته بالحرب ) 0 وفي لفظ . ( فقد بارزني بالمحاربة ) 0 أخرجه البخاري
و من صور الإيذاء اثارة الاشاعات أو السخرية أو اللمز أو التنابز بالألقاب أو سوء الظن أو التجسس أو الغيبة وغير ذلك من الوسائل 0 وقد نهانا الإسلام عن ذلك 0 واقرأ ً الآيات من سورة الحجرات من أول قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ً 000)
إلى قوله تعالى ( واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) الحجرات ( 6 – 12 )
وكذلك جاءت حادثة الإفك في سورة النور ( 11 – 26 )
وكذلك سورة الهمزة وعند أبي داود ( من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار )
قال القرطبي . إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب , مُدخل للفساد بين الناس 0 وعن أبي هريرة – رضي الله عنه قال . قال النبي – صلى الله عليه وسلم ( تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين , الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) البخاري

وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( لا يتناجى اثنان دون واحد , فإن ذلك يؤذي المؤمن , والله عزوجل – يكره أذى المؤمن )
إيذاء الجار ماديا ً أو معنويا ً
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جارٌهُ بوائقه ) رواه مسلم وقال النووي – رحمه الله . لبوائق جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك 0 وفي معني لا يدخل جوابان في كل ما أشبه هذا أحدهما أنه محمول على من يستحل الايذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخلها أصلا ً والثاني معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر ثم قد يجازى وقد يعفى عنه فيدخلها أولا ً لأن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصراً على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولا ً وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة 0 والله أعلم وعن أبي شريح أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال . ( والله لا يؤمن . والله لا يؤمن , والله لا يؤمن 0 قيل من يا رسول الله ؟ قال . ( الذي لا يأمن جارُه بوائقَه ) البخاري
قال النووي . معناه ليس مؤمنا ً إيمانا ً كاملا ً 0
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه قال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم 0( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) رواه البخاري

ترويع الآمنين والإفساد في الأرض بقطع الطريق وانتهاب الأموال غير ذلك 0
قال تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم 0 إلأ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) المائدة ( 33 – 34 ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال . قال . قال النبي – صلى الله عليه وسلم ( من أشار إلى أخيه بحديدة , فإن الملائكة تلعنه , وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) رواه مسلم
و يقول – صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ً ) رواه أبوداود
الإعتداء على أموال الناس بغير حق
1- ومن ذلك أكل أموال الناس بالباطل
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ) البقرة ( 188 ) قال . هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام , وهو يعرف أن الحق عليه , وقد علم أنه آثم , آكل حرام )
الدر المنثور
2- أكل مال اليتيم ظلما ً
قال تعالى ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ً إنما يأكلون في بطونهم نارا ً وسيصلون سعيرا ً ) سورة النساء ( 10 )
3 – السرقة
قال تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما جزاء بما كسبا نكالا ً من الله والله عزيز حكيم ) المائدة ( 38 )
4 – التطفيف في الكيل والميزان والغش
قال تعالى ( ويل للمطففين ) سورة المطففين
قال ابن كثير . المراد بالتطفيف هنا البَخس في المكيال والميزان إما بالازياد إن اقتضى من الناس وإما بالنقصان إن قضاهم
وفي الحديث ( ومن غشنا فليس منا ) رواه مسلم 5- الاحتكار
– ومعناه ( حبس الطعام وانتظار الغلاء – أ وحبس السلع أوالخدمات والتحكم فيها سواء في البيع أو الشراء ليربحوا الأموال الطائلة من وراء ذلك ظلما ً وعدوانا ً كما كان يصنع أحمد عز في الحديد وغيره من رجال الأعمال الذين يسببون الأزمات للناس مثل أزمات الغاز والسولار والخبز 0 – عن ابن عمر – رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال . ( من احتكر طعاما ً أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى وبريء الله تعالى منه , وأيَّما أهل عَرصَةٍ أصبح فيهم امرؤ ٌ جائع ٌ فقد برئت منهم ذمة ُ الله تعالى ) رواه أحمد

التعاون على الإثم والعدوان
وفي الحديث ( 00 ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل ُ آثام من تبعه لا يَنقُصُ ذلك من آثامهم شيئا ً ) رواه مسلم عن أبي هريرة 0
وفي الترمذي ( لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهُُم الله ُ في النار )
التعسير على الناس بأي صورة من التعسير
ولهذا كان دعاء النبي- صلى الله عليه وسلم ( اللهم من ولي َ من أمر أمتي شيئا ً فشق عليهم فاشقق عليه , ومن ولى َ من أمر أمتي شيئأ ً فرفق بهم فارفق به ) رواه مسلم 0 الاباحية والإنحلال الأخلاقي والتبرج والسفور وكل ما يؤدي إلى إشاعة الفاحشة 0 قال تعالى ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ) النور ( 19 ) ومن صور الإيذاء عدم مراعاة آداب الطريق
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال . ( إياكم والجلوس في الطرقات 0 فقالوا . يارسول الله ما لنا بُد ٌٌ من مجالسنا , نتحدث فيها 0 فقال . فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه 0 قالوا . وما حق الطريق يارسول الله ؟ قال . ( غض البصر , وكف الأذى , ورد السلام , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) البخاري
إيذاء المسلمين في المساجد
ففي الحديث المتفق على صحته عن جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال ( من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذي مما يتأذى منه بنو آدم )
وأكل هذه الأشياء مباح إلا أنه يتحتم على من أكلها البعد عن المسجد ومجتمعات الناس حتة تذهب رائحتها 0 ويلحق بها الروائح الكريهة كالدخان والتجشؤ والبخر

الخطبة الثانية
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ً رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وبعد
عباد الله احذروا معصية الله ولا تؤذوا عباد الله ( ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير )
آل عمران ( 28 )
واعلموا أننا في سفينة واحدة إن غرقت غرق كل من فيها ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) الأنفال ( 25 )
وكونوا عباد الله إخوانا ً , والله معكم يحفظكم ويرعاكم
اللهم أعزنا بعز طاعتك ولا تذلنا بذل معصيتك 0 اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا , وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان , واجعلنا اللهم من الراشدين 0

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...