الشعب.. لماذا يخشاه “ماكرون” ولا يكترث له السيسي؟

لم تفلح إذن نصائح قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي وإعلامه والتي قدمها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع بداية أزمة مظاهرات أصحاب السترات الصفراء التي لا تزال مستمرة حتى الآن، أعلن ماكرون أمس الإثنين، عن زيادة في الحد الأدنى للأجور في فرنسا بداية من العام المقبل، وقال في كلمته للشعب: “أريد أن يحدث تحسن كلي بداية من العام المقبل، وأطلب من أصحاب العمل تقديم علاوات وستكون معفية من الضرائب”.

وفي خطاب مرتقب استمر 15 دقيقة فقط، وعد ماكرون بسلسلة إجراءات تصب في خانة تعزيز القدرة الشرائية وتقضي برفع الحد الأدنى للأجور مئة يورو اعتبارا من 2019 من دون أن تتحمل الشركات أي كلفة إضافية، وإلغاء الضرائب على ساعات العمل الإضافية من 2018 وإلغاء زيادة الضرائب على بدلات التقاعد لمن يتقاضون أقل من ألفي يورو شهريا، ودعا أيضا من يستطيعون من أصحاب العمل إلى “رصد مكافأة لنهاية العام” ستعفى من الضرائب.

وإذ أكد تفهمه “الغضب” و”المحنة”، اقر ماكرون بالمسؤولية بعد مطالبات عدة باستقالته في صفوف “السترات الصفراء” خلال تظاهرات عدة شهدتها فرنسا منذ منتصف نوفمبر واتخذت أحيانا منحى عنيفا وتسببت بشلل البلاد وسلطت الضوء على انقسام اجتماعي عميق بين الفئات الشعبية والحكومة.

غيبوبة اجتماعية

تقول الناشطة السياسية مي عزام: “فرق كبير حين يشعر الحاكم أنه جاء نتيجه تصويت الشعب له وأن شعبيته وكذلك منصبه على المحك لو غضب عليه هذا الشعب وحين يشعر الحاكم أنه تفضل على الشعب بحكمه وان شعبيته لا تؤثر على منصبه فهو باق حتى لو أصبحت شعبيته 1% عن خطاب ماكرون وخطابات زعمائنا أتحدث لك الله يا بلاد العرب”.

وعلى النقيض من سير الاحتجاجات في فرنسا، في أقل من شهر رفعت حكومة الانقلاب في مصر أسعار 12 خدمة وسلعة أساسية آخرها البنزين والسولار والبوتاجاز والمازوت بنسب تتراوح من 40 إلى 66 %، قد سبقها رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق 250 %، والكهرباء 26 % ومياه الشرب 46 %، وغيرها من ارتفاعات بتراخيص السيارات بنسبة 200 % واستخراج جوازات السفر 150 %، وتعريفة التاكسي والمواصلات الداخلية بنسبة 30 %.

ورغم ارتباط هذه الزيادات بحياة المواطن البسيط، إلا أن القرارات مرت بهدوء، باستثناء اعتراضات شهدتها القاهرة ردا على ارتفاع أسعار مترو الأنفاق، وهو ما علق عليه الخبير الاقتصادي الأممي إبراهيم نوار بصفحته على “فيسبوك” بالغيبوبة الاجتماعية.

وأضاف: “الناس في مصر أصبحوا مغمى عليهم اجتماعيا بسبب صدمات الأسعار المتكررة والتقلبات اليومية للأسواق”، وأردف قائلا: “مع زيادة حالة الإغماء الاجتماعي واتساع نطاقها، ستزيد محاولات الهروب من الواقع بالمخدرات، أو الانتقام من الواقع بالجريمة، أو الانتقام من النفس بالانتحار”.

جرأة على الشر

وما أشار إليه نوار كان مثار تساؤلات لعدد من الخبراء والمحليين عن أسباب الجرأة التي يتحرك بها قائد الانقلاب السفيه السيسي في أخطر الملفات التي كان يخشاها سابقوه من العسكر، وكانت أحد أسباب الثورة على المخلوع مبارك، ولماذا لم يعد السفيه السيسي يخشى من ردة فعل الشعب المصري، الذي أصبح على موعد كل صباح مع ارتفاع جديد بالأسعار.

من جانبه، أكد المتخصص بعلم الاجتماع السياسي سيف المرصفاوي أن “السيسي مهد الطريق جيدا خلال السنوات الماضية لاتخاذ مثل هذه القرارات، وكانت البداية بشيطنة الإخوان المسلمين ومواجهتها بكل السبل الأمنية الإجرامية أو القضائية وكذلك الاقتصادية، والإعلامية، باعتبارها القوة الأكثر تأثيرا بالشارع المصري، ثم جَيّش كل وسائل وإمكانيات الدولة لمواجهة الأصوات المعارضة الأخرى واتهامها بدعم الإرهاب”.

مدرسة جديدة في الديكتاتورية

وأضاف المرصفاوي أن “السيسي يؤسس لمدرسة جديدة في الديكتاتورية تقوم على الجرأة والسرعة، بصرف النظر عن ردود الأفعال، معتمدا على آلة إعلامية تستطيع تشويه أي مخالف له حتى لو كان من مؤيديه، إضافة لجهاز أمني شرس يستمتع بالانتهاكات، ولديه شهوة غير طبيعة للدم”.

وأشار إلى أن ما فعله السيسي مع رافضيه، ثم ما جرى مع رموز سياسية وعسكرية من المفترض أن لها قوة في مواجهته، كسامي عنان وعبد المنعم أبو الفتوح، ثم فصائل المعارضة المخالفة له، وأخيرا تنحية وزير الدفاع المحصن بحكم الدستور، كل هذا منحه قوة بطش جعلت الشعب كامنا ويكتفي بالاعتراض داخل الغرف المغلقة فقط”.

واستكمل المرصفاوي قائلا إن: “أخطر ما أسسه السيسي في الحالة المصرية الجديدة، ليس فقط السكوت، بل وكذلك انتظار البلاء بشيء من الرضا، بعد أن قسم الشعب، ورغم أن الجميع في الهم سواء، فالمعارضون له منذ البداية يشمتون مثلا في الذين دعموه ويكتوون الآن بنيرانه، علما بأن الزيادات على الجميع، ولعل هذا أخطر ما طرأ على الحالة المصرية الراهنة”.

إرهاب الدم

وعن غياب ردود الفعل الشعبية تجاه استمرار الزيادة بالأسعار، أكد أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر عبد الحليم العشري أن “الشعب المصري يعيش حالة من الخوف لم يشهدها من قبل، وما زال شكل الدم الذي سال خلال السنوات الماضية حاضرا في ذهنه بشكل كبير”.

وأوضح أن “القبضة الأمنية القوية للسيسي لم تجعل بيتا بمصر إلا وله مصاب بسببها، إما بالاعتقال أو القتل والتشريد والهجرة، وهو ما جعل الشعب يكفر بالثورات باعتبارها السبب في كل ما يجري له”، مشيرا إلى أن قاعدة “الضغط يولد الانفجار” حاضرة في المشهد، ولكن تحتاج لوقود يشعلها.

واختتم العشري بالقول إن “هذا الوقود يتمثل في القيادات السياسية والشعبية والدينية التي لها مكانة لدى الشعب، ولعل الهدف الأساسي للسيسي الآن عدم إيجاد هذه الشخصيات لعدم خلق الوقود الذي يخشاه، إلا أن الثورات أيضا أصبحت لا تحتاج إلى من يدعو لها وإنما أصبحت تشتعل بالدفع الذاتي”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...