معضلة دولة “الجباية”: الضرائب 75% من الإيرادات وعجز الموازنة يتصاعد!

بحسب الخبراء والمراقبين تزداد منظومة الضرائب في مصر فسادا يوما بعد يوم، إثر سياسات الجباية التي ينتهجها السيسي، حتى باتت تشكل وحدها نسبة 75% من الناتج المحلي الإجمالي.

ورغم تلك النسبة المرتفعة التي تتخطى الكثير من دول العالم، فإن الدولة ما زالت تعاني عجزًا بالموازنة العامة بلغ نحو 438 مليارا و594 مليون حنيه، وما زالت عاجزة عن توليد دخول تفي باحتياجاتها المالية.

ولجأت الدولة إلى فرض المزيد من الضرائب التي تسببت في هروب الاستثمارات من مصر، وباتت دول كالمغرب وتركيا وتونس ملاذا للاستثمارات الامنة.

وإثر الفشل العسكري في إدارة شئون الدولة، استدارت الحكومات العسكرية إلى المجتمع، وحاولت بشتى الطرق استقطاع مواردها المالية منه فلجأت إلى الضرائب؛ حيث فرضت ضريبة على المبيعات والدخل، وطاردت المصريين العاملين في الخارج، فألزمتهم بضريبة جديدة، لتشعر أن جني المزيد من الإيرادات كان الشغل الشاغل للدولة حتى لو لجأت إلى ضرائب غير دستورية.

وسرعان ما تحول سلوك الدولة الاقتصادي ليشبه “دولة الجباية” تلك التي تعلو فيها اعتبارات تنمية الإيرادات على أي اعتبارات أخرى، وفي ظل هذه الدولة تعددت الطرق التي تجنى بها الإيرادات وتنوعت، ومنها:

ضريبة التضخم

حيث يقوم العسكر بفرضها عبر طبع المزيد من النقود لتعويض محدودية الإيرادات، فتضعف بذلك من القيمة الشرائية للعملة، مما يعني استقطاع الأموال من المواطنين.

وعادة ما يلجأ النظام لهذه الضريبة لما تنطوي عليه من مزايا وفي مقدمتها طابعها الخفي، فهي تُفرض في إطار من السرية، إذ لا تصدر بقانون بل بقرار من البنك المركزي، وحتى حينما يفتضح أمرها عبر رفع الأسعار، يُمكن للنظام حينها المناورة وإلقاء المسئولية على “جشع التجار” فيتم توجيه الغضب إليهم بدلًا من النظام.

كذلك تتميز هذه الضريبة بالطابع المتناثر “فهي ضريبة على الكل”، لا تنصب على فئة معينة بل تُصيب جميع الفئات، صحيح أنها تؤثر على الفئات الفقيرة والمتوسطة بشكل أكبر، ولكنها بالنهاية تشمل المجتمع بأسره مما يجعل المقاومة الشعبية لها ضعيفة.

الضريبة العامة على المبيعات

في يوليو 1990 بدأت الدولة تدرس فرض تلك الضريبة على مرحلتين: الأولى، تُطبق على الفور وتشمل الصناعيين والمستوردين، والثانية، تُطبق لاحقًا وتشمل التجار. وبالرغم مما واجهته المرحلة الأولى من ردود أفعال معارضة من قبل منظمات الأعمال، فإن ذلك لم يُثنِ عن فرضها.

بالفعل بدأ تطبيقها في العام المالي 1991 /1992، وارتفع نصيبها من إيرادات الدولة من 13.1% ذلك العام إلى 14.4% عام 1997/1996 وإلى 23% عام 2007 /2008.

وفي أبريل 2001، شرعت الدولة في تطبيق المرحلة الثانية. قوبل الأمر باحتجاجات وردود أفعال أشد معارضة من قبل التجار، إلا أن الحكومة استطاعت مواجهتها أمنيًا، وفرضت الضريبة بسهولة. وبالرغم من الإصرار على فرضها كانت إيراداتها محدودة، حيث ظلت ثابتة عند 5.5% في العام الأول لتطبيقها، كما انخفضت في 2007/2006 إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشفت تلك الضريبة عن ضعف الدولة الشديد في مجال تعبئة الإيرادات، حيث تميزت حملة تسويق الضريبة بالتشوش والتضارب. فكان لحكومة الانقلاب خطاب مزدوج؛ الخطاب الموجه للتجار يقول: لمَ أنتم غاضبون؟ أليس المستهلك هو الذي سيدفع في النهاية الضريبة؟ والخطاب الموجه للمجتمع القلق من ارتفاع الاسعار بفعل الضريبة كان يقول: لا داعي للقلق، لن نفرض ضريبة جديدة، الأمر ينحصر في تحصيل ضريبة كانت قد فرضت بالفعل عام 1991 مع المرحلة الأولى من ضريبة المبيعات.. وهكذا كان الكل في حيرة، لا أحد يفهم من أين ستأتي المليارات المنتظرة من الضريبة إذا لم يتحملها لا التجار ولا المستهلكون.

ضرائب على المصريين في الخارج

كانت هذه الضرائب أبرز مظاهر دولة الجباية، فالمفترض أن الضرائب تُفرض على المقيمين داخل الدولة نظير ما تقدمه لهم من خدمات، ولا يتحملها من يعمل في الخارج، إذ لا يحصل على خدمات الدولة في فترة إقامته خارجها.

إلا أن زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج ووصولها إلى نحو 3 مليارات دولار في ظل ارتفاع العجز المالي كان كفيلًا بأن يغري الدولة ويدفعها نحو فرض ضرائب على هؤلاء العاملين.

وبالفعل أصدرت الدولة القانون رقم 228 لعام 1989 الخاص بفرض ضرائب على العاملين بالخارج، وجنت على إثره عائدات بلغت نحو 240 مليون جنيه، فيما بررت تلك الخطوة بأنها تحتفظ لهم بكل الحقوق والخدمات لحين عودتهم من الخارج.

وفي ظل المعارضة الشديدة لهذه الخطوة تم الطعن بها أمام المحكمة الدستورية، والتي قررت عام 1993 عدم دستوريتها. كما قضت بعدم دستورية محاولات الحكومة اللاحقة لتعديل القانون وفرض الضريبة، واستمر الأمر هكذا إلى أن أصدرت الدولة في يوليو 1998 قانونًا ينص عدم انطباق أحكام المحكمة الدستورية العليا بشكل رجعي في مجال الضرائب، ما تم تبريره بضرورة الحفاظ على الموارد الأساسية للدولة.

ضريبة الدخل

أدى الفشل في إيقاف التدهور المالي عبر تلك الضرائب السابقة، وتناقص حصيلة الضرائب، إلى لجوء الدولة لإصلاح نظام الضرائب على الدخل، فأعلنت عام 2000 عن نيتها إصدار قانون جديد يُصلح هذا النظام العاجز عن تحصيل الإيرادات.

قامت الفكرة الأساسية لهذا القانون على أنه إذا أرادت الدولة جني المزيد من إيرادات الضرائب، فعليها تخفيض أسعار هذه الضرائب، إذ إن التخفيض سيؤدي إلى زيادة دخل الشركات القابل لإعادة الاستثمار، وزيادة الاستثمار ستؤدي إلى زيادة الدخول ونمو الإيرادات الضريبية، ودعّم هذه الفكرة ارتفاع معدلات التهرب الضريبي نتيجة ارتفاع أسعار الضرائب، فلو تم تخفيض هذه الأسعار لشجع هذا رجال الأعمال على دفعها وانخفضت تلك المعدلات.

خفض مشروع القانون الجديد من الحد الأقصى للضريبة على الأرباح التجارية من 40% إلى 30%، والصناعية من 32% إلى 30%، وأرباح المهن الحرة من 40% إلى 30%. إلا أن ذلك لم ينل رضا التجار ورجال الاعمال؛ حيث رأوا أن التخفيض غير كاف.

بقي هذا الرفض إلى أن تم طرح القانون مرة أخرى عام 2004 مع بعض التعديلات أهمها تخفيض الحد الأقصى للضريبة على الشركات إلى 20%. فيما بدأ تطبيقه فعليًا العام التالي، وأكدت وزارة المالية حينها ارتفاع إيرادات ضرائب الدخل من 7.1% في 2005 إلى 9% في 2006.

وبالرغم من هذا الارتفاع، فإن التمعن في تفاصيله يؤكد أن هذه الزيادة هي نتاج لارتفاع إيرادات ضرائب البترول وقناة السويس، أما عائدات ضريبة الدخل على القطاع الخاص، فقد انخفضت من 1.7% في السنة الأولى لتطبيق القانون إلى 1.4% في السنة الثانية؛ ما يعني أن القانون فشل في زيادة احترام رجال الأعمال لقوانين الضرائب.

التوريد الإجباري للعملة الصعبة

وفي 2003 أصدرت الحكومة قرارًا يفرض على المصدرين توريد 75% من العملات الصعبة التي حصلوا عليها في عمليات التصدير، وكان سعر الصرف الرسمي للجنيه 6 جنيهات أما السعر غير الرسمي 7 جنيهات. وهكذا فكل دولار تم توريده لبنوك الدولة تضمن خسارة للمصدر تبلغ جنيهًا، وهذا الجنيه صب في خزانة الدولة، مما يعني أن هذا النظام تضمن ضريبة متخفية على المُصدرين. واستمر الوضع هكذا إلى أن تم إلغاء النظام في 2004، بعدما تعرض للطعن في محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة.

فشل ذريع

ورغم كافة هذه المحاولات، فشلت الدولة في زيادة إيراداتها المالية من الضرائب، واستمر عجز الموازنة العامة في الارتفاع. حيث تخلل النظام الضريبي المصري العديد من الثغرات التي أبطلت تأثيره، ومنها اللجوء إلى إجراءات غير شرعية، كالضريبة على المصريين العاملين في الخارج، والقرار الخاص بالتوريد الإجباري للعملة الصعبة.. بجانب فقدان القدرة على تعبئة التأييد السياسي لمشروعاتها لزيادة الإيرادات، تناقص الإيرادات وزيادة النفقات، وهو ما نتج عن بطء الدولة وعدم قدرتها على التكيف سريعًا لتحقيق التوازن المالي.

وبشكل أكثر وضوحًا، فتحقيق التوازن المالي يتطلب أن تعمل الدولة على زيادة إيراداتها وتقليص نفقاتها في الوقت ذاته، مما يتطلب بالضرورة أن تكون الجهة المتحكمة في الأمرين جهة واحدة، لا تقوم بأي مصروفات إلا إذا وفرت موارد لها.

وهكذا تسببت الادارة العسكرية للبلاد في تراكم الأزمات الاقتصادية وزيادة العجز المالي والاقتصادي وهروب الاستثمارات بتطبيق سلبي للنظام الضريبي وغير الواعي. وهو نهج العساكر اذا حكموا دولة أفسدوها وجعلوا أهلها فقراء وعثوا فسادا بالأرض.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...