كفُّوا ألسنتكم عن قنوات الشرعية


دأب البعض على مهاجمة قنوات الشرعية التى تبث من الخارج، متهمًا القائمين عليها بالركاكة والفشل، بل ادَّعى أحدهم أنهم مجندون من قبل العسكر لتمييع القضية وجر الناس إلى مربع القبول بالواقع..
وأنا لست ضد النقد؛ لأنه لا تطوير من غير نقد، ولا تحسين من دون معرفة بالمثالب والعيوب، لكن أعيب من ينتقد من دون بينة، ومن يؤدى نقده إلى خسارة أفدح، وأنا هنا لا أدافع عن أشخاص، ولا أتحدث فى تفاصيل، إنما أدافع عن كيانات -مختلفًا مع الإخوة المنتقدين- لها دور معتبر فى التذكير بالقضية وفضح العسكر، كما أفعل ذلك لأننى عملت لمدة تزيد على ثلاثين عامًا فى الظروف نفسها التى تعمل بها هذه القنوات، وأدرك حجم الألم الذى ينزل على العاملين بها جراء نقد ناقد لا يدرك حجم التضحيات التى يقدمها هؤلاء الإعلاميون من وراء ستار.
أولاً: لا بد أن تكون النية معقودة على المساهمة فى إنجاح هذه التجارب، حتى إذا أبدينا نقدًا يكون مغلّفًا بالنصح المخلص والتوجيه الودود، وهو أبلغ فى التأثير، وما رأيت أحدًا وُجه إليه النقد فى صورة طيبة إلا استجاب وعظُم الناقدُ فى نظره، وبالعكس ما انتُقد أحدٌ بغلظة إلا انقلب محتدًا يدافع عن نفسه بالحق وبالباطل.
ثانيًا: لا تنتظروا من هذه القنوات أن تكون بمهارة قنوات شبكة كذا وكذا؛ فللمهارة العالية شروط ومتطلبات لا تتوافر أبدًا لتلك القنوات، فالشبكات الأخرى تدعمها دول وأجهزة مخابرات وجماعات مصالح دولية؛ فلا مشكلة عندها فى التمويل، عكس قنواتنا؛ فإن تمويلها -وهو أساس نجاح أى عمل إعلامى- يقف عقبة فى سبيل أى توسع أو تطوير؛ لقلته وعدم انتظامه لأنه -غالبًا- تمويل أفراد، ولا يعلم المنتقدون حال القائمين على مثل هذه القنوات مطلع كل شهر وهم ينتظرون هذا المدد: يأتى أم لا يأتى، وإذا جاء فإنه لا يكفى المطلوب، وقِسْ ما يتقاضاه إعلامى فى هذه القنوات وإعلامى آخر فى القنوات الحرام؛ لتدرك أن هؤلاء يقومون بعمل فدائى، ولولا مبادئ يعتنقونها لما فعلوا ذلك، وقد وصل الحال ببعضهم فى المهجر أنه يمد يديه لـ«السلف» لاستكمال معيشة شهره.
ثالثًا: الناقدون بغلظة لا ينظرون إلا إلى جانب واحد لا يرضيهم فى هذه القنوات، وهو الجانب التهييجى، يريدونها ثورية طول الوقت، مقتصرة على أدبياتهم وأشخاصهم، والواقع يحتم أن تستوعب جميع الأطياف وكافة التيارات، وأن تجمع ولا تفرق، وتمد يدها للآخر بغية التوفيق. وإذا كانت هذه القنوات لسان حال الثورة فهذا ليس معناه أن تذيع أفلام رابعة طوال مدة الإرسال، أو تطلق الأناشيد الحماسية والخطب الرنانة فى غالب وقت البث -إلا إذا كان الثوار فى الميدان. بل نسى هؤلاء أن على هذه القنوات الآن عبء التوعية والإرشاد، وتبيين الثوابت، وتوضيح المقاصد والأهداف، وهذا لا يكون بـ(الزعيق)، بل بالصوت الهادئ المتحاور الذى يبغى الوصول إلى تغيير شامل لا يطال السياسة فقط، بل يعم الإنسان، كل الإنسان.
رابعًا: وللأسف هم يعلنون السيئات فقط؛ كأن يستضيف مذيع أحد المعارضين، ويخفون -فى المقابل- الحسنات؛ فلم يتحدثوا مثلاً عن تفوق هذه القنوات فى نسب المشاهدة على قنوات العسكر المدعومة بمئات الملايين -بشهادة مؤسسات دولية معروفة، بل بشهادة إعلاميى العسكر أنفسهم، مثل شهادة لميس جابر الأخيرة؛ وهذا الأمر أزعج معسكر الشر حتى هدد قائد الانقلاب نفسه مذيعى هذه القنوات، وحتى حرَّض أحد المذيعين على قتلهم، ولو لم يكونوا ناجحين مؤثرين ما اتخذوهم أعداء وحرضوا على قتلهم ووعدوا بتصفية الحساب معهم. بل إنك على المستوى الشخصى تستطيع أن تتأكد من انتشار هذه القنوات التى تغزو الآن كثيرًا من بيوت المصريين، غير نسب مشاهداتها العالية فى البلاد العربية والأوربية.
خامسًا: ثم إن إعلام المهجر غير إعلام الموطن، فأما الأول فغريب يخضع لمواءمات الدول وتقلبات السياسة (اسأل عن حال إعلاميى هذه القنوات وقت وقوع انقلاب 2016 فى تركيا)، مؤقت، لا يؤسس ولا يستقر مثلما يكون فى بلده. ولا نقول سرًا إذا أكدنا أن غالبية من يعملون بهذه القنوات من الهواة الذين اقتحموا المجال مضطرين، ولا يصح أن يسأل سائل: ولم لا يؤسسها محترفون؟ أقول: لم يكن الوقت وقت بحث عن محترفين، خصوصًا أن الحدود مغلقة أمام العديد منهم، كما أن ليس كل المحترفين مستعدين للمغامرة والتضحية..
سادسًا: يعلم من عمل فى الحقل الإعلامى الفرق بين وسيلة خاضعة لتوجهات تيار أو جماعة أو حزب، ووسيلة عامة متحررة ليس لها ميثاق يلزم ولوائح تضبط، فالتيار أو الجماعة له ثوابت ولديه محاذير، وكما له مناصرون له خصوم ومنافسون، ووسيلته الإعلامية هى لسان حاله لا بد أن تسير على خطاه؛ ولذا فإن ما يراه البعض تقصيرًا وعجزًا قد يكون تقييدًا وتكبيلا من الجهة العليا، وهذا حقها بكل تأكيد؛ إذ هى الأدرى بما يضرها وما ينفعها، وهى المنفق والممول.
سابعًا: أقول: كفوا ألسنتكم عن قنوات الشرعية، بل ادعموها، وقوّوها وأثنوا على الأشياء الجيدة فيها، فلو لو لم تفعل الآن سوى التذكر بقضيتنا وتعرية العسكر لكفتنا، وسيأتى يوم تكون هذه القنوات وتلك الأوعية الإعلامية هى قاطرة الثورة ومدد الثوار.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...