البشير أول رئيس عربي يزور سوريا منذ 7 سنوات .. اسباب ودلالات

في توقيت واحد، زار الرئيس السوداني عمر البشير سوريا بصورة مفاجئة والتقي رئيسها بشار الاسد لعدة ساعات، كما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو استعداد أنقرة للنظر في إمكانية التعاون مع الرئيس السوري “في حال أعيد انتخابه بانتخابات ديمقراطية ذات مصداقية”، ما أثار تساؤلات حول تحولات متوقعة تجاه نظام الاسد واسبابها.

وبرغم أن اعلان وزير خارجية تركيا التعاون مع نظام بشار، لا يعني قبول انقرة التعامل مع بشار الاسد بوضعه الحالي، وإنما عقب انتهاء المفاوضات مع المعارضة السورية ووضع الدستور الجديد وإجراء انتخابات حرة على اساسه، ثم القبول بمن تأتي به صناديق الانتخابات حتى ولو كان الاسد، إلا أن مواكبة هذه التصريحات لزيارة البشير لسوريا فتحت الباب امام تخمينات حول التطورات المستقبلية وماذا يجري في الكواليس وما يمنع تركيا إذا من التصالح مع السيسي، رغم ان انقره قالت في وقت سابق أنها تقبل بالسيسي حال اطلاقه سراح الرئيس مرسي والمعارضين واجراء انتخابات حرة يشارك فيها مرسي.


البشير والاسد .. دلالتان هامتان

ومع هذا تبقي لزيارة البشير لسوريا – كأمر واقع حدث بالفعل -تداعيات واسرار تحتاج فهم اسبابها؟ ولماذا الان؟ ودلالات ما قاله البشير والاسد في بيانهما المشترك وهل لها مدلولات معينة؟

فقد أكد الأسد والبشير خلال المحادثات على أمرين هامين:

(الاول): أن “الظروف والأزمات التي تمر بها العديد من الدول العربية تستلزم إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وهذا بدوره كفيل بتحسين العلاقات العربية العربية بما يخدم مصلحة الشعب العربي”، وفق ما ذكرت وكالة “سانا” السورية.
(الثاني): قول البشير، كما نقلت سانا، أن “سوريا هي دولة مواجهة وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية وما حدث فيها خلال السنوات الماضية لا يمكن فصله عن هذا الواقع، وبالرغم من الحرب بقيت متمسكة بثوابت الأمة العربية”، وإعرابه عن أمله في أن “تستعيد سوريا عافيتها ودورها في المنطقة في أسرع وقت ممكن وأن يتمكن شعبها من تقرير مستقبل بلده بنفسه بعيدا عن أي تدخلات خارجية”.وكلا الامران له دلالات وتفسيرات مختلفة:
فحديث البشير عن حرصه على سوريا كدولة مواجهة مع العدو الصهيوني ربما يتعارض مع ما تردد مؤخرا في تل ابيب عن زيارة محتملة لنتنياهو الي السودان، وتطبيع سوداني اسرائيلي مرتقب تستهدف به الخرطوم الاستمرار في خطب ود واشنطن كي ترفع اسمها من قائمتها للدول الارهابية بما ييسر لها الاقتراض او الحصول على معونات تنفعها في مواجهة حالة الاضطراب في اقتصادها التي دفعتها لرفع الاسعار وجلبت معها اضطرابات في الشارع السوداني وغضب شعبي.

أما الامر الاخر المتعلق بالحديث عن “الحرص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، فله دلالة هامة.

إذ يعاني السودان –مثله مثل غالبية الانظمة العربية – من التدخلات الخارجية في شئونه ومن مصلحته رفض التدخلات الاجنبية في شئون سوريا (يقصد بها هنا أمريكا وتركيا وإيران بشكل اساسي لا روسيا حليف الخرطوم)، لأنه قبولها في دمشق معناه القبول بنفس التدخلات في الخرطوم، والحرص بالتالي على تأكيد ان من مصلحة الانظمة العربية عدم دعم بعضها البعض لتدخلات دول اجنبية في شئون انظمة اخري، وإلا أصبح من حق الدولة العربية الأخرى ان تدعم التدخل الاجنبي في هذه الدولة الاولي.

أما زيارة البشير تحديدا لسوريا كأول زعيم عربي يزور دمشق منذ ثورة سوريا الشعبية عام 2011 وطرد الجامعة العربية لنظام الاسد، فتبدو كأنها مجرد بداية أو مقدمة لإنهاء مقاطعة باقي الانظمة لنظام بشار الاسد.

فقد جاءت المقاطعة العربية لسوريا وطردها من الجامعة العربية عام 2011 في ظروف صعود الربيع العربي وانهيار انظمة ما دفع باقي الانظمة العربية للسير في ركاب موجة الربيع العربي كي لا تطالها الثورات الشعبية داخليا، أما الان فالعالم العربي يعيش حقبة “الثورات المضادة” والعداء للربيع العربي ومن الطبيعي ان تعود الاوضاع الي سابق عهدها وتعود الانظمة العربية لاحتضان دمشق باعتبار ان حكام باقي الدول العربية ليسوا فضل حالا من بشار وبلدانهم تشهد نفس القمع لشعوبها!

وتجنبت دول عربية كثيرة الأسد منذ بدأ النزاع السوري في 2011 بعد انتشار الاحتجاجات في سوريا مطالبة بإسقاطه، لتغرق البلاد في دوامة من الفوضى طيلة سنوات قبل أن يشهد عام 2018 انفراجات عدة مع استعادة الاسد المدن التي فقدها بفضل الدعم الروسي والايراني.

وعلقت جامعة الدول العربية أنشطة سوريا في مؤسساتها في نوفمبر 2011، ردا على هجمات الحكومة السورية العنيفة على الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، والتي أدت الي مقتل أكثر من 360 ألف شخص ودمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

ورغم أن دولا عربية كثيرة أغلقت سفاراتها أو خفضت علاقاتها مع دمشق، فإن ثمة دعوات كثيرة في العالم العربي في الأشهر الأخيرة لتطبيع العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.


اسباب ومقدمات الزيارة

لكي نفهم الاسباب والمقدمات التي قادت الي الزيارة من المهم قراءة عدد من التطورات على الساحة الداخلية والخارجية المتصلة بالسودان على النحو التالي:

على الصعيد الداخلي: يشهد السودان احتجاجات شعبية متفرقة على تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار ويحتاج الي معونات وقروض خارجية، كما يشهد احتجاجات سياسية بسبب اعتزام الرئيس السوداني تعديل الدستور بما يسمح بإعادة ترشيحه لدورة رئاسية جديدة في 2020 ورغبة في دعم دولي لبقاء البشير في السلطة، فضلا عن أوضاع سياسية متوترة بسبب خلافات داخل الحزب الحاكم من جهة وبينه وبين أحزاب اخري أبرزها الامة والاتحادي.
وعلى الصعيد الخارجي: لا يزال السودان موضوعا على قائمة الإرهاب الامريكية، برغم تقديم الخرطوم عدة تنازلات امنية وسياسية وإلغاء واشنطن عقوبات اقتصادية وسياسية، كما لا تزال المحكمة الجنائية الدولية تطلب دعم مجلس الأمن للقبض على “البشير” وبقية المطلوبين فيما يسمي “جرائم دارفور”، وتنتقد عدم تعاون الدول التي يزورها البشير، كما أن السودان مطمع لعدد من الدول التي ترغب في الاستفادة من موقعه الجغرافي علي البحر الأحمر، وموقعه الافريقي سواء في تدشين قواعد عسكرية أو مناطق نفوذ مثل إيران وتركيا ومصر وامريكا وأوروبا وروسيا.


اهداف الزيارة

انطلاقا من هذه المقدمات يمكن تلخيص ابرز أسباب زيارة البشير المفاجئة لسوريا على النحو التالي:
(أولا):
استمرار خرق قرارات الجنائية الدولية المطالبة بتوقيف واعتقال البشير ضمن اخرين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، حيث يرغب السودان في جعل هذه القرارات حبرا علي ورق.

وأصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرتي توقيف بحق الرئيس السوداني في عامي 2009 و2010 تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتدبير إبادة جماعية بدارفور، كما شملت أوامر القبض والي شمال كردفان أحمد هارون ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين.

وقالت مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا في تقريرها نصف السنوي الذي قدمته الى مجلس الأمن 13 ديسمبر 2018، إن المجلس مطالب ببرهنة الأهمية التي يوليها للحد من الإفلات من العقاب وكفالة المساءلة من خلال اتخاذ خطوات ملموسة دعما للمكتب، في إطار سعيه صوب تحقيق العدالة للمجني عليهم، وما لم يفعل فإن العدالة لن تتحقق للمجني عليهم في دارفور”.

واحصى تقرير بنسودا رحلات البشير الخارجية خلال فترة الست أشهر المشمولة بالتقرير الحالي منتقدة بشدة تجاهل دول موقعة على ميثاق روما توقيفه.

(ثانيا): أظهرت الازمات التي مرت بها عدة أنظمة عربية (السعودية ومصر والسودان وغيرها) مخاوف من تدخلات خارجية في شئونها، لهذا باتت تركز على مبدأ أكده الأسد والبشير في بيان مشترك وهو “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، لأن الخرطوم وباق الأنظمة العربية أدركت ان قبولها التدخل الأجنبي في سوريا معناه السماح بنفس هذا التدخل في بلادها.

(ثالثا): هناك رغبة لدي العديد من الأنظمة العربية لإعادة التواصل مع نظام بشار الأسد بعدما نجح الروس والإيرانيين في تثبيته في الحكم وهزيمة المعارضة، ودعوات كثيرة في العالم العربي في الأشهر الأخيرة لتطبيع العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، خاصة أن دولا عربية كثيرة أغلقت سفاراتها أو خفضت علاقاتها مع دمشق منذ ثورة سوريا الشعبية عام 2011.(رابعا): تبدو زيارة البشير لسوريا دفعا لفاتورة روسية تتمثل في السلاح الذي قدمته موسكو للسودان، وفي الوقت نفسه “رسالة” الي أمريكا أن الخرطوم بصدد تطوير علاقتها مع روسيا والتوقف عن استجداء أمريكا لرفع اسمها من قائمة الإرهاب.
حيث لعبت روسيا دورا في دعم احتياجات السودان العسكرية، وتسعي للاستفادة من مواني السودان علي البحر الأحمر في مد نفوذها للمنطقة.

وبالمقابل لا تزال واشنطن تفرض 6 شروط امريكية وتعرقل رفع “الخرطوم” من قائمة الارهاب الأمريكية.
هذه الشروط أعلنها المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناويرت في بيان، نوفمبر 2018 وحددتها في: “توسيع التعاون في مكافحة الإرهاب، تعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها بما في ذلك حرية الدين والصحافة، تحسين وصول المساعدات الإنسانية، وقف الأعمال العدائية الداخلية، خلق بيئة أكثر ملاءمة للتقدم في عملية السلام في السودان، اتخاذ خطوات لمعالجة بعض المطالبات القائمة ذات الصلة بالإرهاب، والالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بكوريا الشمالية”.

وأشار البيان الامريكي حينئذ أن “واشنطن مستعدة للشروع في عملية إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب إذا تم التوصل إلى أن جميع المعايير القانونية ذات الصلة قد تم الوفاء بها”.
وتابع “إذا أحرز السودان تقدما في معالجة كل من المجالات الرئيسية الستة ذات الاهتمام المشترك التي حددها إطار المرحلة الثانية، فالولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع السودان …”.


العلاقات الروسية السودانية مدخل لبشار

ويبدو أن جانبا كبيرا من زيارة البشير لسوريا مرتبط بالدور الروسي في بناء قوة عسكرية سودانية ربما للضغط على أمريكا التي تستمر في فرض عقوبات على الخرطوم، وكان ملفتا خلال زيارة لروسيا نوفمبر 2017 أن البشير طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “حماية بلاده” من الولايات المتحدة.

حيث تساعد روسيا السودان على بناء قوة رادعة منذ بداية عام 2018، واكد هذا الرئيس السوداني عمر حسن البشير، في فبراير 2018 حين تحدث عن “برنامج مع روسيا لتطوير القوات المسلحة، لتكون قوة رادعة لكل من تسول له نفسه المساس بالأمة ومقدراتها”.

وزدت روسيا السودان بمقاتلات من طراز “سوخوي 35” كما باعت لها أكثر من 20 طائرة مروحية طراز “مي-17 ” من تعديلات مختلفة تم تسليمها في الفترة من عام 2004 إلى عام 2015″، وجري تدريب سوداني على الأنواع الاحدث منها في موسكو في أكتوبر 2018.

وأثناء زيارته إلى روسيا، في 25 نوفمبر 2017 صرح الرئيس السوداني عمر البشير عن رغبة بلاده في تطوير ممثلية التعاون العسكري مع روسيا من ملحقية إلى مستشارية، كما أكد رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس الوطني في السودان، الهادي آدم حامد، استعداد بلاده لإقامة قواعد عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر السوداني، في إطار التعاون الاقتصادي والعسكري المتقدم بين البلدين.

وفي يونية 2018 قال السفير الروسي في الخرطوم، فلاديمير جيلتوف، في تصريحات لـ “سبوتنيك”، ردا عن سؤال حول مصير اقتراح الرئيس السوداني، عمر البشير على روسيا، بناء قاعدة عسكرية بحرية في بلاده: “نعم، هذا الطرح فعلا انطلق من القيادة السودانية، والاقتراح لا يزال قيد الدراسة والتفاوض بين الجهات المختصة في روسيا والسودان، وعند انتهاء العمل عليه سيعلن عن نتائجه عبر القنوات الرسمية”.

واوضح أن “الحديث يدور ليس حول بناء قاعدة بحرية بل حول نقطة إمداد للسفن الحربية الروسية المتواجدة في البحر الأحمر”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...