تداعيات مظاهرات الخبز بالسودان ومستقبل الثورة المصرية

ربما أصاب اليأس ملايين الشباب في مصر من قيام ثورة جديدة تمحو آثار الاستبداد والديكتاتورية والدماء التي ملأ بها قائد الانقلاب العسكري ربوع مصر، وكان آخرها أمس الخميس الموافق 20 من ديسمبر 2018، حينما قامت قواته الغاشمة بتصفية 8 شباب أبرياء بالتهم المعروفة، وهي تشكيل خلية إرهابية تنتمي لحسم، لكن في ظل هذا اليأس تكشف لنا الأحداث في السودان آية الله في كونه، بدحض مكر الماكرين “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.

ففي الوقت الذي لوث الرئيس السوداني عمر البشير يده بمصافحة بشار الأسد، حينما ذهب لزيارته في سوريا بشكل مفاجئ لم يفهم سره أحد، رغم التحليلات التي كتبت عن هذه الزيارة، يفاجئ الشعب السوداني رئيسه بثورة عارمة في كل أرجاء السودان؛ نتيجة الجوع وارتفاع الأسعار الذي ضرب السودان.

بدا الرئيس السوداني عمر البشير “برمجاتيا” لأبعد الحدود، حينما تاجر فجأة بكل ما لديه من قوة بكل الملفات واللعب على جميع الحبال.

البشير يعلن دعم الحرب السعودية على الشعب اليمني

فعلى مستوى علاقاته مع السعودية، أعلن الرئيس السوداني، أول أمس، عن جاهزية بلاده للدفع بالمزيد من القوات العسكرية، في إطار التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، ليعلن عن دعم محمد بن سلمان في مزيد من الجرائم التي يقوم بها ضد الشعب اليمني.

وقال رئيس أركان الجيش السوداني، الفريق أول كمال عبد المعروف، عقب لقاء البشير بالعاصمة الخرطوم، رئيس هيئة أركان الجيش السعودي، الفريق أول طيار ركن، فياض حامد الرويلي: إن «البشير أكد خلال اللقاء أن أمن الحرمين خط أحمر، وما نقوم به الآن من مشاركة للسعوديين في الحرب على اليمن عبارة عن واجب مقدس».

وأضاف “الرئيس قال أيضا ستظل قواتنا موجودة في السعودية حسب تعهداتنا، لأنه أمر أخلاقي وقيمي”.

وتابع «البشير أكد جاهزية السودان للدفع بالمزيد، لأن استقرار السعودية يعزز جهود الأمة الإسلامية والعربية، ويدفع الشرور عن المنطقة العربية». وأشار إلى أن «البشير وجّه بتعزيز قنوات التعاون وتوسيع المشاركات في الدورات التدريبية والعمل المشترك، من خلال المشروعات الكبيرة والمناورات».

البشير يزور بشار الأسد ويدعم جرائمه

إلا أن المفاجأة كانت بشكل أكبر حينما فوجئ العرب بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، الأحد 16 ديسمبر، لتفوق كل التوقعات، وتفاوتت الآراء عن طبيعتها وجدواها في هذا التوقيت وما حملته، باعتبارها أول زيارة لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الثورة السورية 2011.

وهي من المرات النادرة التي لا تعلن فيها الرئاسة السودانية عن زيارة خارجية للبشير، قبيل مغادرته للبلاد، وإنما جاء الإعلان قبل ساعة فقط من عودته إلى الخرطوم وبتكتم كبير عن الوجهة التي ذهب إليها.

جاءت زيارة البشر لسوريا، في وقت تشهد فيه السودان ضائقة اقتصادية متفاقمة خرجت على إثرها مظاهرات محدودة في مناطق مختلفة من البلاد على مدار اليومين الماضيين، اتسعت بعد الزيارة لتصبح ثورة عارمة.

قللت الحكومة السودانية من أهمية تلك التظاهرات، واعتبرتها «أصوات سالبة»، بل حرصت على توجيه الشكر للشعب السوداني على صبره على الضائقة الاقتصادية، ودعته لتفويت الفرصة على دعاة عدم استقرار البلاد. ورغم ضبابية مضامين زيارة الرئيس السوداني، ورغم إعلان الخرطوم رسميا أن الزيارة «تحرك سوداني خالص» يهدف للتقارب العربي، إلا أن المراقبين والمحللين يتفقون على أن لها مدلولات خارجية وداخلية، ترتبط أحيانا وتحظى في أحيان أخرى بتأويلات وأهمية أكثر من الأخرى.

وفسر بعض المحللين الزيارة بتغيير الخرطوم لموقفها من المحور «السعودي – الإماراتي»، رغم تأكيد البشير دعم السعودية في اليمن، وأنه أراد أن يلعب على جميع الحبال، ويحافظ على علاقته بالمحور الإيراني.

وفي أوقات سابقة، علت الأصوات الناقدة والحانقة على «قلة» الدعم المالي الخليجي للخرطوم من أطراف سودانية ذات تأثير، وعلى رأسها البرلمان والصحافة التي دعت لسحب القوات السودانية -المنضوية تحت التحالف العربي- من اليمن. ومنذ مارس 2015 يشارك السودان في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. ولم يعلن السودان رسميا عن تعداد قواته المشاركة في عمليات التحالف، لكنه سبق أن أبدى استعداده لإرسال 6 آلاف جندي إلى اليمن.

تقارب الخرطوم مع الرياض وأبوظبي لم يأت بأي نتائج سالبة على علاقات «الخرطوم بالدوحة»، والتي ظلت متماسكة، في ظل تقارير عن ضغوط غير معلنة من هذه الدول على الخرطوم للتخلي عن قطر. ليس ذلك وحسب بل ذهب بعض المتابعين إلى أن هناك نقطة أخرى هي التي تسببت في هذا الفتور، تتمثل في ضغط المحور السعودي الإماراتي على البشير من أجل التخلي عن الإسلاميين بالسودان. وظل البشير يؤكد- في أكثر من مناسبة- أنه من حركة إسلامية ولن يتخلى عن مبادئها، والحركة الإسلامية هي المرجعية الفكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يترأسه البشير، والذي قاد انقلابا واستولى على السلطة العام 1989.

تقرّب إلى روسيا على حساب أمريكا

في حين رأى متابعون ومحللون أن زيارة البشير لسوريا- وبطائرة روسية- حسب ما نقلت وسائل إعلام محلية، في هذا التوقيت تشير إلى أن الخرطوم سئمت من محاولاتها الدائمة إرضاء الولايات المتحدة دون أن تحقق نتائج ملموسة على صعيد رفعها من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتقترب أكثر من موسكو.

واستجابت الحكومة السودانية للمطلب الروسي بالتقارب مع سوريا وكسر عزلة الأسد في محيطه العربي، كخطوة أولى تتبعها تسهيلات روسية تساعد في فك الأزمة الاقتصادية من خلال دعم السودان بالوقود والقمح الروسي.

كما أن حكومة البشير- رغم استمرار الأزمة السورية والحرب لسنوات- لم تقطع علاقتها بدمشق، وظل سفيرها يعمل هناك طوال السنوات الماضية. وطالب السودان أكثر من مرة بأن يتم حل الأزمة السورية داخليا وبالحوار السياسي بين أطرافها، ويحمل التدخلات الخارجية تفاقم الأزمة.

الملف الإيراني

واعتبراء محللون أن تقارب السودان وسوريا قد يزعج دولا كثيرة ويرضي البعض، بحسب الخبراء، لكنه لن يذهب أبعد من ذلك، باعتبار أن «دمشق وطهران» تشكلان حلفا صمد طويلاً في مواجهة التغيرات والتحولات في المنطقة.

ولم يستبعد المحللون أن تقود زيارة البشير إلى دمشق إلى عودة العلاقات السودانية الإيرانية، رغم المعارضة، فمنذ العام 2014، اتخذت الخرطوم عدة خطوات لتحجيم علاقتها مع طهران، انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية رسمياً في 2016. وليس هناك أي مؤشرات حاليا حول أن التقارب السوري السوداني، ربما يقود إلى عودة العلاقة بين الأخيرة وإيران.

البشير يخطط والشعب يثور

وفي وسط مخططات البشير للعب على كل الحبال، اندلعت ثورة مفاجئة ضربت جميع أرجاء السودان، أسفرت حتى الآن عن مقتل 8 أشخاص في احتجاجات أمس الخميس، بولاية القضارف شرق البلاد.

وأعلنت السلطات السودانية حالة الطوارئ بهذه المدن. ووفق مصدر سوداني، فإن لجنة أمن ولاية القضارف (حكومية) اجتمعت أمس الخميس، وقررت إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال في الولاية اعتبارا من الخميس، ولأجَل غير مسمى.

وأضافت وسائل الإعلام السودانية، أن حظر التجول في الولاية «سيكون من الساعة 4 عصرا وحتى 6 صباحا.

وتابعت أن اللجنة ترحمت على أرواح 8 قتلى قضوا في الأحداث، دون تفاصيل عن ملابسات مقتلهم.

وقالت المصادر ذاتها، إن السلطات السودانية أعلنت حالة الطوارئ بمدينة دنقلا (شمال)، جراء المظاهرات التي تشهدها المدينة منذ صباح الخميس.

ومنذ مساء الأربعاء 19 ديسمبر 2018، تشهد مدن سودانية مظاهرات توسعت الخميس، رفضا لتردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار.

ووصلت المظاهرات، الخميس، إلى قلب العاصمة الخرطوم، كما تجددت بعطبرة (شمال) لليوم الثاني، في حين انضمت بلديات بشمالي البلاد إلى التظاهرات.

وتداول نشطاء صورا لتظاهرات في مدينتي بورتسودان (شرق) وبربر (شمال)، وبلدات «المتمة والباوقة».

ولم تعقّب السلطات على ما يحدث، غير أن حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) اعتبر أن ما جرى في عطبرة، التي شهدت أعمال عنف خلال المظاهرات، تم على إثرها فرض حالة الطوارئ، محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار.

ويعاني السودان أزمات في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية، إلى أرقام قياسية تجاوزت أحيانا 60 جنيها مقابل الدولار الواحد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...