تسريباتهم تكشف عقيدتهم.. كيف ينظر العسكر للقضاء والاقتصاد والخليج؟

جاءت تسريبات قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي على مدار السنوات الخمس الماضية، لتكشف العالم الخفي في دولة العسكر، وكيف ينظر قيادات الجيش للعالم الخارجي من حولهم، الأمر الذي أظهر كيف ينظر العسكر لعلاقتهم بالشعب الذي يحكمونه، وما هي أوجه المصلحة مع دول الجوار، ورؤيتهم لقضايا العالم العربي والإسلامي، وظهر التناقض في الخطاب الوارد بالتسريبات في عدد من الموضوعات أهمها رؤية الجيش للدولة والإعلام والمنهج الاقتصادي والقضاء والشعب ودول الخليج.

وسنتناول اليوم في الجزء الثاني، نظرة العسكر للقضاء والمنهج الاقتصادي ودول الخليج المشهورة بدول الأرز

كيف ينظر العسكر للقضاء؟

لا يكاد يخلو خطاب لقيادات الجيش يتناول القضاء، من تأكيد استقلاله وشموخه واعتباره أحد أهم أعمدة الوطن التي يجب ألا يتم التدخل في شئونها. وفي المقابل تؤكد العديد من التسريبات وجود تدخل سافر من قبل قيادات الجيش نفسها في عمل القضاء.

في ديسمبر 2014، أذاعت قناة “الشرق” تسريبًا منسوبًا للواء عباس كامل، مدير مكتب عبد الفتاح السيسي عندما كان الأخير وزيرا للدفاع، يطلب فيه من النائب العام السابق هشام بركات هاتفيا أن يتدخل لرفع حظر السفر عن نجل الكاتب محمد حسنين هيكل، المُتهم بقضية فساد في البورصة المصرية.

وكانت نفس القناة قد بثت قبلها بأيام تسريبًا صوتيًّا يطلب فيه كامل من اللواء ممدوح شاهين، مساعد السيسي آنذاك، التدخل لدى القضاء من أجل مساعدة أحد الضباط المتهمين بالقتل في سيارة ترحيلات أبو زعبل التي حدثت في أغسطس 2013، لأنه ابن لواء في الجيش، وهو ما قابله شاهين بالموافقة مع الوعد بتسوية الأمر.

وفي يناير 2015، بثت قناة “مكملين” الفضائية تسريبًا صوتيًّا للواء عباس كامل بشأن مجريات محاكمة الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي.

ويتضمن محادثة هاتفية بين عباس والنائب العام هشام بركات، يطلب فيها إضافة أجزاء للقفص الزجاجي الذي يقف داخله مرسي أثناء محاكمته.

ويشير التسريب إلى أن هذه المكالمة جرت بطلب مباشر من وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي. وفي أبريل 2017 بثت قناة “مكملين” تسجيلا مسربا لضابط من الأمن الوطني يدعى عمرو مصطفى، وشاهد الإثبات في القضية المعروفة بأحداث قصر الاتحادية عام 2012، يعترف فيه بعمل محضرين متناقضين في وقتين مختلفين عن الملف نفسه.

شرعنة الظلم

باختصار يريد العسكريون من القضاء أن يقوم بعكس دوره تمامًا، فبدلا من أن يكون أداة لإقرار العدالة في أرجاء البلاد، يتحول لأداة للقمع أو على الأقل لشرعنته وتبريره.

وهو حال كثير من مؤسسات الدولة بعد الانقلاب العسكري، حيث تحول الأمر من الحديث عن “دولة كأن”– في عهد مبارك– التي لا تقوم بوظائف حقيقية أو حتى ربما وظائف زائفة تغطي بها على الدور الأساسي لهذه المؤسسات، إلى “دولة الضد” التي تقوم بأدوار مناقضة لأهدافها التي أنشئت لتحقيقها، فتقوم مؤسسات بنقض جملة وظائفها “كالتي نقضت غزلها”.

الاقتصاد.. الرخاء بعد عمر طويل

لا يوجد خلاف كبير بين الخطاب المعلن للجيش وخصوصا عبد الفتاح السيسي، والخطاب غير المعلن الذي كشفت عنه التسريبات في جزئية المنهج الاقتصادي المتبع في البلاد، سوى أن الخطاب المعلن يقدم هذا المنهج بشكل أقل حدة، ويُغلّفه بمبررات من قبيل الحفاظ على الدولة وبنائها، مصحوبا بالكثير من الوعود بالرخاء لكن في المستقبل.

في نوفمبر 2013 كشف تسريب للفريق أول عبد الفتاح السيسي، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع المصري، مع رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم، تحدث فيه عن ضرورة رفع الدعم عن السلع في مصر وحصول المواطن على السلع بسعرها الحقيقي، وذلك بهدف حل أزمة عجز الميزانية العامة المتواصلة منذ سنوات.

وضرب السيسي مثلا بتقبل الناس لتخفيض الرواتب في ألمانيا وجنوب السودان، مشيرا إلى أنه تم تخفيض الرواتب في كلا البلدين بنحو 50% دون أن يواجها اعتراضات من الناس، وأن السكان هناك استطاعوا التعايش مع رفع الدعم عن السلع الأساسية.

كما أبدى رفضه للمبلغ الكبير المستهلك في دعم الطاقة مقارنة بدعم رغيف الخبز، مشيرا إلى أن الدولة تقدم في العام الواحد نحو 107 مليارات جنيه دعما للطاقة، و17 مليار جنيه دعما للخبز. ويأتي هذا رغم أن السيسي خلال حملته الانتخابية في 2014 قال نصا: “لا يمكن رفع الدعم عن المواطن.. لازم أغني الناس الأول”، وهو ما لم يحدث.

كما كشف تسريب في مارس 2015، بثته قناة “مكملين”، وتحدث فيه اللواء عباس كامل إلى السيسي قائلا: إن وزارة الكهرباء تعمل على التعاقد لبناء محطات توليد كهرباء في مصر بتكلفة سبعة مليارات دولار، على أن تباع الكهرباء للمصريين بأسعار عالمية ومن خلال بطاقات مسبقة الدفع، وهو ما حدث بالفعل في وقت لاحق.

أما أبرز التسريبات التي كشفت عن توجهات السيسي الاقتصادية، فكانت خلال توليه وزارة الدفاع، وتم تسريبه في أكتوبر 2013، حيث قال فيه: “لو حكموني هخلي اللي بيتكلم في التليفون يدفع، واللي بيسمعه يدفع.. بما إنكم عندكم استعداد تتدفعوا فلوس، طيب ما ناخد منكم علشان نبني بلدنا”، وقال: “لو هتدفع هوريك اللي مشفتوش.. إنما ببلاش، أنا معرفش حاجه اسمها ببلاش”. وبالفعل شهدت البلاد في السنوات اللاحقة من حكم السيسي ارتفاعا كبيرا في أسعار الخدمات والسلع دون أن يصاحبها زيادة مماثلة أو حتى قريبة في دخول المواطنين غير المرتبطين بشكل مباشر بالنظام.

والواقع أن عجز الدول العربية عموما – ومصر خصوصا – عن الرد على الحاجات والمطالب المجتمعية هو المصدر الأول لضعفها الأخلاقي والسياسي، وهذا الضعف هو ما يفسر ميلها الشديد والدائم إلى تطوير القوة المسلحة العسكرية المستخدمة في اللعبة السياسية، وتحويل الجيوش إلى ما يشبه المليشيات الحكومية. فهذه الجيوش هي التي تشكل القوة الاحتياطية الاستراتيجية لبقاء الدولة وضمان الحد الأدنى من الاستقرار لسلطة لا تملك أي قاعدة اجتماعية ثابتة وأكيدة.

دول الخليج.. موطن الرز!

تُبدي قيادات الدولة المصرية بشكل عام، وقيادات الجيش بعد انقلاب 2013 بشكل خاص، احترامًا مبالغًا فيه للدول الخليجية، لدرجة أن عبد الفتاح السيسي صعد إلى طائرة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عندما حطت في مطار القاهرة في يونيو 2014، وقَبل رأسه، لينطلق بعدها الملك عبد الله دون أن تطأ قدمه أرض مصر.

وخلال حوار له مع فضائية سكاي نيوز في يناير 2015، قدم السيسي وعده الشهير “مسافة السكة”، في إشارة إلى أن القوات المصرية ستعمل على حماية الدول العربية وتحديدا دول الخليج في حال تعرضت لتهديد.

لكن التسريبات المنشورة كشفت عن خطاب مختلف تماما عن نظيره المعلن، ففي فبراير 2015 بثت قناة “مكملين” تسريبا من داخل مكتب وزير الدفاع، وتسمع في التسريب أصوات اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي، واللواء أحمد عبد الحليم، مساعد رئيس الأركان، والمتحدث العسكري السابق أحمد علي، وهم يناقشون حصيلة ما قدمته لهم دول خليجية من أموال. حيث قدر عباس كامل أن إجمالي ما تسلمه الجيش من دول خليجية تجاوز ثلاثين مليار دولار، ونصح السيسي بألا يطلب من السعودية إلا مبالغ كبيرة حتى لا تحتسب كـ”جمايل” من دون مقابل، على حد تعبيره.

وفي حوار دار بين السيسي ومدير مكتبه آنذاك عباس كامل، وعضو المجلس العسكري محمود حجازي. وصف عباس كامل دول الخليج بأنها “أنصاف دول” تمتلك مبالغ ضخمة.  وتحدث مدير مكتب السيسي بألفاظ بذيئة عن أمير قطر، وقال إن بنك قطر الوطني وحده يتوفر على احتياطي بتسعمائة مليار دولار.

وفي ذات الحوار، قال السيسي وهو يشير إلى الحاجة لعشرة مليارات توضع بحسابات الجيش: “عايزين من الإمارات عشرة زيهم ومن الكويت عشرة زيهم، بالإضافة لقرشين في البنك المركزي.. الفلوس عندهم زي الرز.” وفي حوار بين عباس كامل والوزير الإماراتي سلطان الجابر، طلب كامل من الوزير في مكالمة هاتفية تحريك وديعة مالية إماراتية بعد أن رفض البنك المركزي تسييلها للجيش.

وفي يناير 2018، بثت قناة مكملين تسجيلات صوتية جديدة لمكالمات هاتفية بين ضابط مخابرات مصري يوجه الإعلامي عزمي مجاهد للعمل على الوقيعة بين الكويت وقطر، ويتضمن تطاولا على الشعب الكويتي والخليجي بصفة عامة.

وتبارى الإعلامي المصري لدى تلقيه تلك الأوامر، في كيل عبارات الإهانة للكويت وقطر، حيث طغى على لغة التسريبات بين الضابط والإعلامي- التي جرت بالعامية المصرية- العبارات النابية والتعبيرات السوقية البالغة البذاءة والتطاول على دول وحكام وشعوب الخليج، أجملها بالقول “كل الخلايجة كدا ويجب التعامل معهم بالجزرة والعصا”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...