العسكر والانتقام من الثورة المصرية.. أحداث وثقت معالم الجريمة الكاملة

كان العسكر ينافسون المخلوع حسني مبارك في تلك الهالة المقدسة، فلم يكن يسمح لأي أحد أن يمس الجيش ولو بكلمة واحدة، وكان الجيش دائما وأبدا منعزلا عن الشعب والشارع، محصن بالمتاريس، ومدجج بدواعي “الأمن القومي”، حتى جاءت ثورة 25 يناير التي توجت بتنحي حسني مبارك، ليدخل بعدها الشعب المصري في مواجهات مباشرة مع الجيش وقياداته، بعدما تأكد للشعب المصري مخطط الجيش للاستيلاء على السلطة، ومن هذه اللحظة بدأت العلاقة بين الشعب والجيش تأخذ منحى مختلف، تبين فيها للشعب المصري حقيقة هذه الوجوه التي كانت تظهر عكس ما تخفي في قلوبها ناحية الشعب والدولة .

أحدثت ثورة الـ 25 من يناير انقلابا اجتماعيا وسياسيا في حياة المصريين، ووصل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تواصله مع الشباب، في بداية نجاح الثورة من أجل التخطيط للانقلاب عليها، إلى حد إنشاء صفحة إلكترونية في موقع “فيسبوك”، كانت هي المصدر الرئيسي لواحد من أهم القرارات التي صدرت مؤخرا، عندما انفردت بنشر خبر قبول استقالة حكومة الفريق أحمد شفيق، دون الإعلان عن النبأ بالطرق التقليدية، سواء عن طريق بيان تلفزيوني، أو مؤتمر صحفي كما جرت العادة.

قواعد اللعبة

عرف العسكر قواعد اللعبة جيدا، وخطط لضرب الثورة وشبابها بشباب نسب نفسه للثورة، وبدأت قيادات المجلس العسكري تخرج فرادى جماعات على شاشات الفضائيات، لتسول رضا الشعب، وإقناعهم بأنهم من الشعب وليس ضده، وبدأوا في الترويج لخطورة الانقلاب على قيادات المجلس العسكري على اعتبار أن ذلك تدمير للجيش الوطني والمؤسسة العسكرية الوحيدة الباقية التي يجب الحفاظ عليها.

وبالرغم من أن موقعة الجمل هي المحك الحقيقي الذي كشف نوايا العسكر الخبيثة، ويتمثل ذلك في “موقعة الجمل” الشهيرة، التي جرت وقائعها يوم الأربعاء الدامي الموافق 2 من فبراير 2011، وموقف العسكر آنذاك بـ”حياد سلبي” لم يحسم المعركة بين متظاهرين سلميين ومهاجمين مسلحين على صهوات الجياد والجمال.

أحداث الفوضى

وبعد تنحي مبارك بدأ العسكر في التلاعب بوعودهم للشعب المصري في تسليم السلطة للمدنيين، وذلك بافتعال بعض الأزمات وأحداث الفوضى التي ضربت البلاد بعد ثورة يناير، وظل المصريون يبحثون عن الطرف الثالث حتى تبين لهم أن الطرف الثالث كان هو العسكر، الذي أدخل البلاد في فوضى عارمة ليقنع المصريين أن البلاد في حالة انهيار ويجب الحفاظ على المرسسة العسكرية حتى لا تضيع البلاد ويضيع العباد.

وتبين بعد ذلك خلال الحديث عن الطرف الثالث إبان الثورة المصرية، وإلقاء التهم على اللهو الخفي حينا و الطرف الثالث حينا و الفلول حينا و البلطجية حينا، تبين من التسريبات أن السيسي كان هو قائد الطرف الثالث الذي كان يقتل المتظاهرين من شرفات المنازل وفوق أسطح البنايات، وهو الذي حرق السجون و أخرج المساجين في جمعة الغضب، وهو الذي افتعل أحداث السفارة ومجلس الوزراء وماسبيرو ومحمد محمود، كما اعترف السيسي نفسه بكشوف العذرية التي كان يجريها للفيتات المختطفات من ميدان التحرير.

جرائم السيسي

كان السيسي يمثل المؤسسة العسكرية كمدير للمخابرات الحربية، خلال ثورة يناير، ومع أول يوم في ثورة يناير، واعتصام المتظاهرين في ميدان التحرير طوال 18 يوما من يوم 28 يناير وحتى يوم 18 فبراير، نقل السيسي مكتبه كمدير للمخابرات الحربية من مبنى وزارة الدفاع إلى ميدان التحرير مباشرة ووسط المتظاهرين.

وكشفت الأحداث عن الجرائم التي أكدت أن السيسي كان الطرف الأمني الوحيد الموجود منذ اليوم الأول للثورة، وكان يعيش في الميدان مع المتظاهرين، ويتفاوض مع بعض رموز الثورة، وهو ما أكده الدكتور محمد البتاجي في حوار سابق مع الإعلامية منى الشاذلي، حينما أكد لها أنه تم استدعاء بعض رموز الثورة من قبل مدير المخابرات ويدعى اللواء عبد الفتاح، وطلب منهم أن يحضروا له البلتاجي، وجاء ليفاجأ بأنه يطلب منه إخلاء ميدان التحرير.

محمد محمود أ

كانت أحداث محمد محمود التي وقعت في 19 نوفمبر 2011، خير شاهد على الطرف الثالث ورغبة المجلس العسكري في الاستمرار بالسلطة، حيث شهدت القاهرة وقبلها ميدان التحرير وأحد تفريعاته شارع محمد محمود المؤدي لوزارة الداخلية مظاهرات حاشدة ضد استمرار حكم المجلس العسكري الذي كان يسيطر على مقاليد الأمور في مصر ومطالبته بتسريع إجراءات تسليم السلطة لمدنيين.

واستمرت المظاهرات في الشارع لستة أيام، حيث واجهتها الشرطة وقوات من الجيش باستخدام الهراوات والصواعق الكهربائية والرصاص المطاطي والخرطوش والرصاص الحي، بينما استخدم المتظاهرون الحجارة والألعاب النارية وقنابل المولوتوف.

وأدت أحداث محمد محمود بالنهاية لمقتل 42 شخصا إلى جانب جرح المئات، وكان الكثير من الإصابات بالعيون والوجه والصدر، وهو الأمر الذي أثار انتقادات حقوقية محلية ودولية.

وفي الذكرى السنوية الأولى لأحداث محمد محمود، تجمع عدد كبير من المتظاهرين والنشطاء وأهالي القتلى والمصابين، بمحاولة لإحياء ذكرى هذه الأحداث، والمطالبة بالقصاص للشهداء، غير أن الأمر الذي بدأ سلميا تحول شيئا فشيئا لمواجهات أخرى دامية سقط فيها أحد عناصر حركة 6 أبريل ويدعى محمد جابر (جيكا)، الأمر الذي أعاد الشارع للواجهة السياسية.

لتنتهي القصة في النهاية في يناير 2012، حيث قضت محكمة جنايات القاهرة بوقف سير إجراءات الدعوى الجنائية ضد 379 شخصا متهما بالتورط في المصادمات التي وقعت بين متظاهرين وقوات الأمن باحتجاجات في شارع محمد محمود.

“مجلس الوزراء”

ومع أحداث مجلس الوزراء كشف الطرف الثالث نفسه صراحة، حينما هجم عساكر الجيش على المتظاهرين وقموا بسحل المتظاهرين وتعرية الفتيات في قلب ميدان التحرير ديسمبر 2011.

فبعد محاولة فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة يوم 19 نوفمبر 2011، والتي أدت إلي وفاة أكثر من 40 متظاهرا وتسببت في اندلاع مظاهرات عارمة في ميدان التحرير وميادين أخرى في مصر علي مدي أسبوع، استمر اعتصام بعض المتظاهرين أولاً في ميدان التحرير ثم انتقل إلي أمام مقر مجلس الوزراء المصري احتجاجًا علي تعيين الدكتور كمال الجنزوري رئيسًا لمجلس الوزراء، و تم اختطاف أحد المعتصمين من قبل القوات العسكرية المتمركزة داخل مجلس الوزراء لتأمينه والاعتداء عليه بالضرب المبرح ثم إطلاق سراحه، مما أدي إلي تأجيج الغضب وبدء المناوشات والاشتباكات بين قوات الأمن والمعتصمين.

استمرت الاشتباكات بين كر وفر طوال يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 حيث استخدمت قوات الجيش خراطيم المياه والهراوات وتبادلت إلقاء الطوب والحجارة علي المتظاهرين، مما أدى إلى إصابة عشرات المتظاهرين.

وأظهرت الكثير من لقطات الفيديو قوات الجيش وهي تقوم بإلقاء الطوب والحجارة على المتظاهرين وترشهم بخراطيم المياه.

كانت حصيلة المصابين المعلنة حتي مساء الجمعة 16 ديسمبر 255 مصابًا وثلاثة قتلى، كما قتل في مكان الأحداث الشيخ عماد عفت، أمين الفتوى بدار الإفتاء.

واستمرت الاشتباكات والكر والفر بين قوات الشرطة العسكرية والمتظاهرين، وقامت قوات الشرطة العسكرية بالنزول إلي ميدان التحرير ثم الانسحاب منه، وانتشرت علي المواقع الإخبارية صور فتاة يتم سحلها وتعريتها من ملابسها من قبل قوات الجيش. كما تعرض مبني المجمع العلمي المصري إلي إشعال النيران فيه، وتم الاختلاف علي من قام بهذا الفعل، حيث اتهم الدكتور كمال الجنزوري المتظاهرين بإحراق المبني في حين اتهم المتظاهرون بلطجية مندسين بإشعال النيران فيه بحماية قوات الجيش.

تسليم السلطة والانقلاب العسكري

بعد تسليم العسكر للسلطة من خلال أول انتخابات ديمقراطية في مصر، لم يلبث الرئيس محمد مرسي الذي تسلم مهعام منصبه في يوم 30 يونيو 2012، يوما واحد، دون أن يشعل العسكر النار من تحت أقدامه.

وكان للعسكر السبق في إنشاء كتائب “بلاك بلوك” التي قامت بنشر الفوضى خلال حكم الرئيس مرسي، كما عملت على تعطيل مرافق الدولة، وإشعالها، والتحريض على التمرد في طول البلاد وعرضها، والدعوة للتظاهر يوميا بأسباب مختلفة، حتى أججت الوضع بتحريض من المجلس العسكري، والانتهاء بالانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 30 يونيو 2013، وتسليم عبد الفتاح السيسي السلطة من خلال انقلاب دموي، قام فيه بأكبر مجزرة شهدتها مصر على مر تاريخها، دفع ثمنها الألاف من الأبرياء الذي استشهدوا في ميدان رابعة العدوية، ثم اعتقال عشرات الآلاف الأاخرين، وتعذيبهم في السجون والمعتقلات، ليوسع السيسي بعدها دائرة انتقامه من كافة طوائف الشعب المصري.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...