قراءة في شهادة مبارك في المحكمة.. “شاهد ماشافش حاجة”

شهادة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك اليوم الأربعاء 26 ديسمبر 2018م، أمام ما تسمى بمحكمة جنايات القاهرة في هزلية “اقتحام السجون” إبان أحداث ثورة 25 يناير 2011م، جاءت عرضا مسرحيا في قمة السخافة والمسخرة تذكرنا بمسرحية “شاهد ماشافش حاجة” التي أدى بطولتها الفنان عادل إمام في الثمانينيات.

وتضمنت شهادة مبارك إذا جاز لنا أن نصفها بالشهادة “5” عناصر هي:

أولا: امتنع عن الإجابة بشأن الأنفاق بين محافظة شمال سيناء المصرية وقطاع غزة، قائلاً إن هذا الأمر يحتاج إلى إذن من رئيس الجمهورية والقوات المسلحة، قبل الإدلاء بالشهادة، بوصفه رئيسًا سابقًا للبلاد، وشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وهو ما رد عليه رئيس المحكمة بالقول: “الأسئلة التي ترى فيها حرجا لا تجب عنها قبل أن تأذن لك القوات المسلحة أو الجهة المختصة… أما ما عدا ذلك من الأسئلة، فأجب دون حرج”.

ثانيًا: قال مبارك: “هناك معلومات فيها حساسية، عن الأمن القومي، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة الراحل، اللواء عمر سليمان، أبلغني في صبيحة يوم 29 يناير 2011، بتسلل قرابة 800 شخص من جنسيات مختلفة عبر الحدود الشرقية عبر الأنفاق، خلال الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، غير أنه لم يخبرني شيئًا عن جنسيتهم أو الجهات التي أتوا منها”.

عمر سليمان

ثالثا: زعم مبارك أن “اللواء سليمان لم يخبرني بكيفية دخول هؤلاء الأشخاص من الأنفاق، أو أنهم كانوا مترجلين من عدمه، ولم يخبرني عن سبب تسللهم، وأخطرني بواقعة التسلل فقط… ولكن من المعلوم أنه كان معهم سيارات وأسلحة، وانتشروا في أرجاء البلاد… واستعملوا السلاح في ضرب أقسام الشرطة في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش في شمال سيناء”.

وأضاف: “المتسللون انقسموا، ووصلوا إلى أماكن كثيرة داخل مصر، مثل السجون، بهدف إخراج المحتجزين المنتمين لجماعة الإخوان وحركتي حماس وحزب الله.. وكذلك إلى الميادين في القاهرة، وبالأخص ميدان التحرير.. وارتكبوا قطعًا أعمالاً تمس أمن البلاد، وأفعالاً لا أستطيع الإفصاح عنها لأنها تتعلق بالأمن القومي.. واللواء سليمان لم يقل لي من أين جاء هؤلاء الأشخاص، ولكني أعرف أنهم من أعضاء حركة حماس، وأتوا من قطاع غزة”.

رابعا: زاد مبارك: “هناك مصريون سهلوا مهمة تسلل هؤلاء الأشخاص من شمال سيناء، ولا أعلم هويتهم، ولكنهم من المتعاونين مع جماعة الإخوان… والغرض كان تأجيج الفوضى في البلاد، والتي نتجت منذ يوم 25 يناير 2011″، موجهًا حديثه للقاضي: “علشان أرد على كل أسئلتك محتاج الأذن من القوات المسلحة… مش اخرج من هنا (المحكمة) أقع في مخالفة أخرى”.

خامسا: حول تحميل جماعة الإخوان مسؤولية هذا التسلل، سكت مبارك قليلاً، ثم قال: “صعب أرد على هذا السؤال.. هو معروف أن هناك تداعيات أخرى في هذه المسألة، بمعنى أن هناك أحداثاً أخرى تجعلني أتحدث عن الإخوان المسلمين، ولكنها تحتاج إلى الأذن”.

وعن معرفته بالوقائع التي ارتكبها المتسللون، أو معلومات عن دخول أشخاص بطريقة غير شرعية عبر الأنفاق، أو استخدامهم الأسلحة النارية والقذائف في المناطق الحدودية من الجهة الشرقية، قال مبارك: “المعلومات اللي عندي أنهم توجهوا إلى الميادين، وطلعوا فوق العمارات، وضربوا نار.. فضلاً عن أنهم هاجموا رجال الشرطة، وبهدلوهم”، على حد تعبيره.

“8” ملاحظات

مبارك خلال المحاكمة لم يقدم شيئا جديدا سوى التأكيد على الرواية الأمنية الركيكة التي تتسلل إليها الثغرات من كل جانب ولا تقوى على الصمود أمام الحقائق والأدلة الدامغة التي تؤكد أنها رواية مفبركة لم يقدم لا مبارك ولا أجهزة النظام المخابراتية والأمنية دليلا ماديا واحدا عليها يثبت اتهام المحاكمين فيها.

هي إذا المكايدة السياسة والاتهامات المرسلة الجزافية التي لا تثبت سوى شيء واحد هو إصرار النظام العسكري على الانتقام من أولئك الأبطال الذي شاركوا بقوة في أحداث ثورة 25 يناير 2011م، وقادوها حالمين بوطن حر مستقل ينعم فيه جميع أبنائه بالحرية والكرامة وترفرف فوق ضفاف نيله العدالة السياسية والاجتماعية دون تمييز أو عنصرية أو إقصاء.

الملاحظة الأولى من هذه الشهادة: إذا جاز وصفها بذلك أنها شهادة من لم ير شيئا لكنه فقط ينقل عن آخرين، فمبارك لم يقدم شيئا جديدا عما قيل من قبل ولم يقدم مستندا واحدا يؤكد حتى ما ذكره ولم يذكر متهما واحدا يمكن الإشارة إليه بالاتهام.

رسالة واضحة

الملاحظة الثانية: أن الرسالة الواضحة من المحاكمة أن النظام السابق الذي يعتبر امتدادا لنظام 23 يوليو العسكري يحاكم ثورة 25 يناير لأن الشعب تمرد وطالب بالحرية والعدالة والمساواة وأن الهدف من هذه المحاكمة هو تأديب هذا الشعب والتنكيل بقيادته التي منحها الشعب ثقته في أنزه انتخابات شهدتها مصر طول تاريخها كله لكي لا يتمرد ولا يحتج ولا يثور، فعلى الشعب أن يرضى بالمذلة والمهانة وضيق العيش والظلم السياسي والاجتماعي والتعذيب المتواصل والفقر المتأصل على ضفاف النيل دون تأوه أو توجه أو شكوى وإلا فإن المحاكمات المسيسة والأحكام الانتقامية في انتظاره وهو الهدف الرئيس من هذه المحاكمات الجائرة. إذ كيف يحاكم الرئيس محمد مرسي أول حاكم منتخب بنزاهة في تاريخ مصر بينما يكون مبارك الذي أفسد الحياة في مصر وحكمها بالحديد والنار ثلاثين سنة شاهدا على هذه المسرحية العبثية؟!

الملاحظة الثالثة: أن مبارك بدا شديد الخوف والقلق، وأمام خلو شهادته من أي مضمون حقيقي واعتماده فقط على الرواية الأمنية المفبركة أراد التهرب من هذا الخواء بدعوى عدم كشف أسرار تهدد الأمن القومي للبلاد وأن الإجابة على بعض الأسئلة ربما تضعه في مأزق وتحتاج إلى إذن مباشر من رئاسة الانقلاب والمؤسسة العسكرية نفسها. وذلك كانت المحكمة شديدة اللطف مع مبارك ومنحته حرية الإجابة من عدمها.

كما منحته حرية الإجابة على أسئلة الدكتور البلتاجي الذي أحرج مبارك وعجز عن الرد على أسئلته حتى أوقفه القاضي عن استكمال باقي الأسئلة! كما منحته مقعدا وثيرا لاعتبارات تعلق بالسن وضعف صحته في الوقت الذي تمارس فيه أبشع الانتهاكات بحق الرئيس المنتخب والذي يحاكم ظلما من أركان دولة العسكر والدولة العميقة التي لا وظيفة لها ولا دور سوى حماية مصالح القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” والإمارات والسعودية.

أجهزة المخابرات

الملاحظة الرابعة: إذا صحت رواية مبارك وهي ذاتها الرواية الأمنية فإن ذلك يمثل غزوا عسكريا من جهة أجنبية فلماذا لم تعلن عنه أجهزة المخابرات والأمن وقتها؟ ولماذا لم يتم تصوير هذا الغزو؟ ولماذا لم يتم القبض على أي مشارك أجنبي في هذا الغزو الوهمي؟ ولماذا لم تخبر حكومة مبارك وقتها الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أن ثمة غزوا أجنبيا تتعرض له؟ ولماذا لم يصدر وقتها أي بيان من الخارجية أو الداخلية أو المخابرات بشأن هذا الغزو الوهمي؟ ولماذا لم يتم تقديم فيديو أو صور للمشاركين في هذا الغزو الوهمي أمام ثورة الإنترنت وكاميرات المحمول وغيرها؟

الملاحظة الخامسة: إذا كانت هذه الرواية الأمنية الركيكة صحيحة فلماذا اعتبرت 25 يناير ثورة شعبية؟ ولماذا تم التصريح بذلك في دستوري 2012 وحتى دستور الانقلاب 2014م؛ فلو صحت هذه الرواية لكانت مؤامرة توجب محاكمة كل من شارك فيها دون استثناء.

الملاحظة السادسة: إذا كانت هذه الرواية الأمنية الركيكة صحيحة؛ فأين كانت قوات الجيش وأجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية؟ وكيف تسلل 800 شخص بسيارات وأسلحة ليعبرو سيناء كاملة بعد أن اعتدوا على بعض أقسام الشرطة بها ثم يعبرون أنفاق قناة السويس التي تسيطر عليها أجهزة الجيش والمخابرات والداخلية ثم يتجهون إلى عدة محافظات ويشاركون في أحداث الثورة وخصوصا ميدان التحرير ولم يتم القبض على شخص واحد فقط أو حتى سيارة وإثبات ذلك بدليل دامغ دون اتهام جزافي؟

قتل وتعذيب الأبرياء

الملاحظة السابعة: بالمقارنة بما قدمته الأجهزة الأمنية التركية من أدلة دامغة على تورط النظام السعودي في اغتيال الصحفي جمال خاشقي وتقديم ذلك للمحاكمات والرأي العام موثقا بالفيديوهات والتحركات بالمواعيد والأماكن بدقة فائفة يجعلنا نترحم على مستوى الأجهزة الأمنية في مصر التي لا تجيد شيئًا سوى أمرين:

الأول: هو قتل وتعذيب الأبرياء واغتيال النشطاء ظلما وممارسة أبشع صورة التعذيب والانتهاكات.

الثاني: هو التلفيق وتقديم الروايات الركيكة كأدلة على اتهام أبطال عظام كان لهم دائما إسهامات كبيرة في خدمة الشعب والوطن عبر العقود الماضية.

ثامنا: ناقض مبارك نفسه، بالزعم أن هؤلاء المتسللين عبر الحدود ينتمون إلى حركة حماس ثم يقول إنه لا يعرف جنسية هؤلاء المشاركين!

والزج باسم حماس يبدو أنه مرتب من جانب النظام من أجل الضغط على الحركة إقليميا للقبول بصفقة القرن المشبوهة التي يعتبر نظام العسكر عرابا لها في المنطقة بالتنسيق مع النظامين الإماراتي والسعودي.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...