بالأرقام.. بعد اغتيال 40 مواطنًا.. مصر تسقط في دائرة النار

بعد ساعات قليلة على تفجير حافلة سياحية بالقرب من منطقة الأهرامات بالجيزة، مساء الجمعة 28 ديسمبر 2018م، أسفر عن مقتل 3 سياح فتناميين ومرشد سياحي مصري، سارعت حكومة الانقلاب بالإعلان عن مداهمة 3 أوكار وقتل 40 مصريًّا بالجيزة والعريش، بدعوى أنهم كانوا يجهزون لأعمال تخريب تتعلق بصناعة السياحة ودور عبادة خاصة بالأقباط، واستهداف مؤسسات تابعة للجيش والشرطة.

وبهذا الإعلان يرتفع عدد ضحايا الاغتيال خارج إطار القانون ودون تحقيقات أو محاكمات خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2018 إلى 120 مصريًّا، في جرائم وحشية لا تسقط بالتقادم، وتؤكد حتمية الثورة على هذا النظام المجرم الفاشي.

وكالعادة خرجت الرواية الأمنية تدّعي أنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار، وهي نفس الرواية الركيكة التي يتم بثها ونشرها عقب كل جريمة اغتيال خارج إطار القانون تقوم بها ميليشيات تابعة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالجيش والشرطة. هذه الرواية الركيكة مع تكرارها قوبلت بتشكيك كبير، أخذًا بعين الاعتبار النمط الذي تعتمده أجهزة السيسي الأمنية وعمليات التوثيق التي تقوم بها منظمات حقوقية غير حكومية للضحايا.

وأمام مزاعم النظام الدائمة بأن الضحايا قتلوا في تبادل لإطلاق النار، تؤكد منظمات حقوقية مستقلة أن أغلب هؤلاء الضحايا من المختفين قسريا، تحتجزهم ميليشيات النظام داخل مقارها بشكل غير قانوني، وتقتل بعضهم في أعقاب وقوع أي حادث مسلح؛ بحجة أنهم متورطون في ارتكابه.

وبحسب بيان وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، “أسفرت نتائج التعامل مع الأوكار عن مصرع 40 إرهابيا، من بينهم 14 بمنطقة مساكن أبو الوفا بالحي (11) دائرة مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، و16 إرهابيا بمنطقة مساكن أبناء الجيزة بطريق الواحات بمحافظة الجيزة، و10 آخرين بمنطقة مساكن ابني بيتك بمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء”.

اغتيال 3146 مصريًّا

يؤكد مدير منظمة «السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان» علاء عبد المنصف، أن 2018 كان الأكثر من حيث أحكام الإعدام وتنفيذها، وكذلك من حيث انتشار ظاهرة التصفيات الجسدية التي توسع فيها وزير داخلية الانقلاب محمود توفيق، الذي تم تعيينه في يونيو الماضي.

وأوضح أنه خلال الفترة من 3 يوليو 2013 وحتى منتصف ديسمبر 2018، رصدت منظمته مقتل 3146 معارضا خارج إطار القانون، بخلاف الوضع في سيناء، بينهم 203 مواطنين نتيجة التصفية الجسدية المباشرة، كان أغلبهم في عام 2018.

ويضيف عبد المنصف أن سيناء وحدها شهدت مقتل 4010 مواطنين، منهم 3709 مواطنين برّر الجيش قتلهم لمشاركتهم في مواجهات أمنية، والبقية بصورة عشوائية، مشيرا إلى أنه منذ الانقلاب وحتى منتصف ديسمبر الجاري، فإن المحاكم المصرية أصدرت أحكاما بإعدام 1324 مواطنا بدرجات تقاضٍ متفاوتة، تم تنفيذ الحكم في حق 37 معارضًا، بينهم 10 في عام 2018، بالإضافة إلى تأييد الأحكام على 76 آخرين يمكن أن يتم تنفيذ الحكم عليهم في أي لحظة.

دائرة النار

توجهات الأجهزة الأمنية لنظام العسكر تعتبر سياسة الاغتيالات خارج إطار القانون حلًّا وتغطية على فشلها السياسي والأمني في عدم كشف ملابسات الحوادث التي وقعت؛ لكن هذه التوجهات مدمرة بشكل قاطع لمستقبل البلاد، وتؤكد أن مصر دخلت دوامة العنف منذ تم استبدال صناديق السلاح بصناديق الانتخابات النزيهة، وجيء بالسيسي على ظهر دبابات الجيش حاكمًا جبريًّا يحكم بالحديد والنار.

وتأكيدا لوقوع مصر في هذه الدوامة، قُتل 5 من عناصر الجيش في سيناء في ذات اليوم، بينهم ضابطان أحدهما برتبة ملازم أول، والثاني برتبة نقيب، كما تم تفجير آلية عسكرية في رفح.

عمليات الاغتيال خارج إطار القانون تطمس الحقائق ولا تكشفها، وتوقع بضحايا أبرياء في ظل فشل أمني واسع، حيث لم يتم التوصل إلى حقيقة أي قضية خلال السنوات الماضية منذ انقلاب 30 يونيو 2013م.

رواية أمنية ركيكة

في السياق ذاته، فنّدت صحيفة “لو فيجارو” الفرنسية ادعاءات ميليشيات العسكر الأمنية،  وشككت في روايتها المفبركة التي وصفتها بالزيف، وقالت في تقرير لها إن “وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أرسلت إلى الصحفيين 31 صورة لجثث الضحايا، وقالت إنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار، رغم أن الصور تظهر آثار رصاصتين في الرأس لبعض الجثث، وإصابة آخرين في الظهر، وبقاء أشياء سليمة تماما إلى جوار الضحايا كزجاجات المياه، ما يؤكد أن ما حدث هو عملية قتل عمد”.

في السياق ذاته، شكك خبراء أمنيون وسياسيون  في رواية وزارة الداخلية عن جريمة التصفية بمحافظتي الجيزة وشمال سيناء، فجر السبت، مؤكدين أن الصور المرفقة بخبر التصفية تفضح رواية الداخلية وتؤكد فشلها الأمني سياسيا وجنائيا، كما تسلط الضوء على كارثة “المختفين قسريًّا”، الذين باتوا بمثابة رهائن يستخدمهم نظام العسكر في التغطية على عجزه وفشله السياسي والأمني. حيث تعمدت الداخلية إخفاء معالم وجوه القتلى بالصور التي تم توزيعها على وسائل الإعلام الرسمية.

إعدام جماعي

واعتبر الكاتب الصحفي جمال سلطان، عبر حسابه بتويتر، أن لافتة (مداهمة وكر إرهابي) أصبحت عنوانًا لأوسع عمليات إعدام جماعي خارج إطار القانون، وأضاف قائلا: “الداخلية تعلن قتل40 مواطنًا اليوم دفعة واحدة بدعوى أنهم كانوا يخططون لأعمال إرهابية، إلى أين تتجه مصر؟!”.

كما علق الدكتور أسامة رشدي، عبر حسابه بتويتر قائلا: “الداخلية تحولت لأكبر كيان إرهابي يقتل المصريين بدم بارد بزعم مكافحة الإرهاب.. ما يجري جرائم ضد الإنسانية لنظام فاشي يمارس عمليات انتقامية اعتباطية.. مواجهة الإرهاب تكون بالقانون والعدالة وليس بسفك دماء الأبرياء بدون محاكمات لإرهاب المجتمع”.

ويتهم خبراءٌ نظام العسكر باغتيال هؤلاء الضحايا دون تحقيق، ما يمثل جريمة في حد ذاتها، وأن رواية الداخلية إذا كانت صادقة كان من الأولى أن تحافظ على حياتهم أو حياة أحدهم لمعرفة باقي المخططات ومن يقف وراءها ومن يمولها، وعلاقتهم بحادث الهرم الذي سبق المداهمات بساعات قليلة، في ظل أن 30 من الأربعين الذين تم تصفيتهم كانوا بمحافظة الجيزة التي وقعت فيها عملية الأتوبيس السياحي.

طمس الحقيقة

والأرجح أن الداخلية تستهدف باغتيالهم جميعا طمس الحقيقة والتستر على جرائمها المروعة، والتعذيب الممنهج الذي مورس بحق هؤلاء الضحايا قبل قتلهم خارج إطار القانون؛ حتى لا يفضحوا ممارسات النظام القمعية التي فاقت كل حد، فالقراءة الأولية لبيان الداخلية تؤكد أنها قامت برد فعل متهور تجاه حادث الهرم، وهو الرد الذي فضح حقيقة التصفية، وأنها كانت معدة مسبقًا، وأن من تمت تصفيتهم كانوا ضمن قائمة طويلة من المختفين قسريا.

فالصور التي نشرتها داخلية الانقلاب تدعم هذا الرأي، خاصة وأن الهيئة التي ظهر عليها الضحايا تشير إلى عدم الواقعية مثل حضنهم للسلاح، وتعمد طمس وجوههم لعدم تعرف ذويهم عليهم، وبالتالي فضح رواية الداخلية والكشف عن أنهم كانوا ضمن المختفين قسريًّا، كما جرى في العمليات السابقة التي أعلنت عنها الوزارة سابقًا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...