مستقبل النظام بين أمل البقاء واحتمالات الرحيل قراة في خطة النظام للاستمرار كما طرحها ياسر رزق

لم يستقر نظام السيسي بعد على مسار مستقبلي محدد، يخول لنخبة الحكم الحالية أن تظل في السلطة إلي أمد مفتوح، وذلك بسبب المحاذير التي تحول دون ذلك، بداية من الدستور الذي يمنع، وصولاً للتحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد والاقليم كله منذ نهاية 2010، والتي من الصعب المرور عليها بممحاة وتجاهل كل التغيرات التي أحدثتها.
لكن بالرغم من صعوبة التكهن بالمسار المستقبلي الذي قد يتبناه النظام في سبيل سعيه للبقاء في السلطة، ومع إمكانية القول أن النظام نفسه لم يستقر بعد على هذا المسار، إلا ان المؤكد أن رأس النظام ونخبة الحكم قررت البقاء والاستمرار بكل الطرق والأساليب، وإن لم يستقر بعد على طريقة تحقيق ذلك، وأن ما ننتظره هو والوسيلة التي يستقر عليها النظام لتحقيق ذلك، وليس قرار البقاء من عدمه والذي بات –على ما يبدو – محسوماً.
بطريقة أخرى، نية البقاء مُبيتة، ما ننتظره هو الطريقة التي سيختارها النظام للبقاء، ومردودات ذلك وانعكاساته، وما يخلق من تحديات؟؟.

وفي حين تظهر الكثير من الاتجاهات التي يتحرك فيها النظام في الوقت الراهن ومن بينها تحويل حزب مستقبل وطن إلى الذراع الحزبي للسيسي، خاصة وأنه يتم السماح له بخلاف الأحزاب الأخرى القيام بمهام توكل إلى الجيش والداخلية مثل فتح منافذ لبيع السلع بسعر منخفض. أو الحديث عن محاولات إنشاء حزبين كبيرين بدلاً من الأحزاب المتعددة الموجودة على الساحة، واحد للمعارضة المهجنة والمروضة، والثاني تابع للنظام بشكل سافر. أو الحديث عن تدشين جبهة موحدة “ائتلاف المعارضة الوطنية”؛ بهدف الوقوف بجوار الدولة، ومساندة ودعم عبد الفتاح السيسي في مهمته، كما أعلن رئيس حزب الغد، والمرشح الرئاسي السابق، موسى مصطفى موسى. كل هذه المقترحات مجرد محاولات الغرض منها واحد؛ وهو تمكين السيسي الحالي من البقاء في السلطة.

تفترض هذه الورقة أن النظام يتخوف من التأثيرات السلبية لتغيير الدستور بصورة تشرعن بقاء السيسي في السلطة إلى الأبد. وأن اقتراح مجلس لحماية الدستور، على الطريقة الإيرانية، له صعوباته وتحدياته.

لذلك فالراجح أن يلجأ النظام لطريقة تحقق بقائه في السلطة، لكن تقدمه للناس على أنه استثناء؛ فيتم زيادة فترة الرئاسة من 4 سنوات إلى 6 سنوات (مثلاً)، أو يتم تشكيل هيئة انتقالية تمهد لنقل الحكم للمدنيين، وتكون مدة عملها 5 سنوات، وبقيادة السيسي (أيضاً)، أو غيرها من المسارات، التي تشترك جميعها في أنها توهم المجتمع والمعارضة، بأن بقاء السيسي في الحكم استثناء ومؤقت، وأن التغيير قادم من داخل الدولة ذاتها، فيتمكن السيسي من البقاء وفي الوقت ذاته لا يفقد المجتمع والمعارضة الأمل في التغيير، فتثور ثورتهم

الإصلاح السياسي في مصر … وجهة نظر رسمية:

كتب ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، والصحفي الذي يحظى بثقة السيسي شخصيًا، وهو صاحب الحوار الشهير الذي تم تسريب بعض ما جرى فيه من خلال قنوات معارضة في الخارج، مقالة تحت عنوان “أحاديث المصالحة في رئاسة السيسي وما بعدها”، جاءت بعنوان ” عام الإصلاح السياسي الذي تأخر”.
بداية مقالة “رزق” وما سبقها من مقالات، هي ذات طبيعة مزدوجة، أو قل مخادعة، فهي من جهة أولى، يحتمل أن تكون فعلياً معبرة عن توجهات النظام ورؤاه. لكنها من المحتمل أن تكون “بالونة” اختبار، الغرض منها قياس ردود أفعال الشارع السياسي على ما جاء فيها، أو التلاعب بالرأي العام وتضليله، والتلاعب به.
لكنها في الوقت ذاته تكتسب أهميتها من قرب صاحبها من صانع القرار، كما أنها تسلط الضوء على رؤيته للواقع، ومواقفه من تطوراته.
لقد سبق وأن تحدث تقرير لموقع مصر عن “اجتماعات شبه يومية تجري بين مبنى المخابرات العامة في كوبري القبة وقصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتمّ تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء، وأن محمود السيسي، نجل السيسي، والذي يحظى حاليًا بوضع مميز داخل جهاز المخابرات العامة، هو مَن يدير بنفسه هذه الاجتماعات، تحت إشراف ومتابعة يومية من اللواء عباس كامل مدير الجهاز”، وأن سيناريو إنشاء مجلس لحماية الدستور بقيادة السيسي مقترح مطروح. كما أن الموقع ذاته في تقرير نشره في منتصف عام 2018 المنصرم، أي قبل ما يزيد عن ستة أشهر من مقالة ياسر رزق، أشار فيه إلى نفس المواد التي أوردها “رزق” في مقالته داعياً إلى تغييرها، مؤكداً –أي مدى مصر – أن النظام مستاء بالفعل من هذه المواد ويرغب بجدية في تغييرها. وهي مؤشرات تدعم فكرة أن الأفكار الواردة في مقالة رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم تعبر عن رؤية النظام
أو ل ما يلفت انتباهنا في مقالة “رزق” وصفه يناير 2011 بـ “فورة غضب”، وأحداث 3 يوليو 2013، بـ “ثورة إنقاذ” جاءت بعد ما أسماه “سقوط من حالق”. دون أن يحدد إنقاذ ماذا وسقوط من! لكنه وصف ما نتج عن يوليو 2013، بأنه ” انتشال من مصير محتوم، فانتقال إلى مسار محسوب، فانطلاق على درب منشود”.
هذه البداية في حقيقتها كاشفة لطرفي الصراع، وبشكل سافر؛ هذا على اعتبار أن يناير كانت فورة غضب مدمرة، وأن يوليو 2013 “ثورة تصحيح” أعادت الأمور إلى نصابها، وردت الحياة للدولة بعد سقوطها من حالق. فالمقالة تطرح يناير 2011، ويوليو 2013، باعتبارهم مشهدين في معركة بين مجتمع ساخط وغير عقلاني، ودولة عاقلة ورشيدة أعادت الأمور إلى نصابها.
ثم تعود المقالة وتستدرك بالقول: أننا “لم نفارق مرحلة انتقال طالت أكثر مما كنا نحسب أو نتوقع” ومن ثم تؤكد المقالة أن المعركة لازالت سجال بين الدولة “دولة الاستقرار”، والثورة “فورة الغضب غير المتعقلة”. مؤكداً –أي ياسر رزق – أن هذا العام (2019) “هو مفترق طرق سياسياً… مثلما اجتزنا من قبل مفترق طرق اقتصادياً”.

مسار إنقاذ الدولة وتحقيق الاستقرار:

لكن ما سمات المسار الذي يختاره رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، ويقدمه للقارئ باعتباره الأفضل. أولاً: هو عملية تغيير، تعزز الحياة الحزبية، وتدعم القوى السياسية، وتؤسس لتداول السلطة فى ظل نظام 30 يونيو، وتكفل حرية الرأى والتعبير للكتلة الوطنية. ثانياً: أن يكون النظام رئاسياً كما اعتاده الشعب. ثالثاً: أن يراعى متطلبات مرحلة انتقال “استثناء” تعيشها البلاد، ولا يجوز أثناء اجتيازها، التماهى مع أحوال دول اجتازت تقلبات الثورات منذ قرون. رابعاً: أن يطمئن قلقنا على مستقبل الحكم فيما بعد 2022، أى فى أعقاب انتهاء مدة الرئاسة الثانية الحالية للرئيس عبدالفتاح السيسى.
كيف يتحقق ذلك: أولاً: “عدم تمديد حالة الطوارئ عند انتهاء ميعادها، فى ظل استتباب الأوضاع الأمنية فى البلاد وبلوغ العملية سيناء أهدافها المباشرة”. ثانياً: “أن تباشر كتلة الأغلبية النيابية فى البرلمان دورها، فتشكل مجموعة عمل متخصصة من النواب، تجرى دراسة لفلسفة التعديل الدستورى الواجب إجراؤه فى هذه الدورة البرلمانية، وتحدد المواد اللازم تعديلها أو إلغاؤها، وتضع المواد المراد إضافتها”.
لو أعدنا ترتيب ما يطرح ياسر رق في مقالته، لوجدناه على هذا الترتيب: اولاً: يناير كانت فورة غضب –مع تجاهل تام لدوافعها وأسبابها- أسقطت الدولة من علً. وأن يونيو 2013 كانت ثورة تصحيح وانقاذ. ثانياً: لكن لم تكن يونيو 2013 هي النهاية، فلا زلنا نعيش في قلب الصراع بين الدولة والثورة، وعلينا أن نختار المسار المستقبلي الذي يرسخ الاستقرار، وأن العام 2019، هو عام اختيار المسار المستقبلي المستقر، وعام ختام مرحلة الاستثناء. ثالثاً: أن مسار الاستقرار الذي اختاره كاتب المقال ومن وراءه نخبة الحكم يقدم جملة من الامتيازات. أخيراً: لكن حيازة هذه الامتيازات مرهون بـ (التوقف عن تمديد حالة الطوارئ!! أن تباشر كتلة الأغلبية النيابية تعديل الدستور).
إن مقالة رزق في الحقيقة، لو تأملناها، وجدناها تقدم هرم مقلوب، تبدأ من مشكلة كبيرة للغاية، وهي وجود صراع بين الفوضى “الثورة” والاستقرار “الدولة”، وأن هذا الصراع الممتد لما يقرب من عشر سنوات لم يحسم بعد، لكن العام 2019 هو عام الحسم. لكنها تنتهي بحل صغير للغاية لهذه المشكلة “التي تبدو كبيرة جدا وتحدي خطير”، هذا الحل هو تعديل الدستور.
لكن الحل المطروح، في حقيقته، ليس تعديل الدستور في ذاته، إنما تمكين نخبة “الإنقاذ” الحاكمة بقيادة السيسي من البقاء في السلطة، ووسيلة تحقيق ذلك هو تعديل الدستور. وكأن المقال يزيل الحدود بين كيانات ثلاث شديدة التباين، وهي: الدولة، النظام السياسي، نخبة الحكم؛ فيصبح بموجب ذلك كل هذه المكونات شيئاً واحد، ويصبح السيسي هو علم على هذا الشيء وتعبير عنه.

التعديلات الدستورية التي يطرحها “رزق” في مقالته:

يطرح الصحفي المقرب من النظام عدد من مقترحات التعديل، والغريب أن تتقاطع مع تصريحات سابقة للنظام، وتعبر عن نفس فلسفته التي تكشف في تصريحات ومواقف سابقة للسيسي. هذه المقترحات هي:
1- المواد 18، 19، 21، 23 المتعلقة بتخصيص نسب من الناتج المحلى الإجمالى للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم الجامعى والبحث العلمى. (تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4 % من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن 2 % من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1 %من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية).
في الحقيقة الدعوة لتغيير هذه المواد الملزمة للدولة بعدد من الوظائف ذات الأبعاد الاجتماعية، تتكرر في تصريحات السيسي “إحنا فقرا أوي”، “حتاكلوا مصر يعني”، “يعمل أيه التعليم في وطن ضايع”، فالنظام متمسك بضرورة تخلي الدولة عن مسئوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، واستجابة الدولة لشروط صندوق النقد الدولي وتبنيه سياسات التقشف، في جزء منها نابع من قناعة ذاتية، وإن كان لضغوط صندوق النقد دور في ذلك. فالنظام يعمل جاهداً لأن تتحول الدولة في مصر إلى نمط الدولة الحارسة، فتتخلى عن أدوارها الاجتماعية، وتكتفي فقط بفض النزاعات بين المكونات الاجتماعية، وحماية أصحاب رؤوس الأموال وتحقيق مصالحهم، والعسف بمن يحاول أن يتهدد نخبة الحكم القائمة. ومن ثم يصبح التأميم والعسكرة هو السائد في المجال السياسي وتصبح النيوليبرالية باحتكاراتها وخصخصتها هي السائدة في المجال الاقتصادي.
2- المادتان 146، 147 اللتان تضعان قيوداً وعراقيل عند إجراء تغيير أو تعديل وزارى. (يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته علي ثقة اغلبية اعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فاذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُدٌ المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل(، (رئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية اجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لايقل عن ثلث اعضاء المجلس).
المادتان 146، 147، المطروحة للتعديل بحسب مقترح ياسر رزق، تقيدان يد رئيس الجمهورية في تعيين الحكومة، وتشرك معه البرلمان في اختيار الحكومة وفي الرقابة عليها. وبالتالي فالتعديل المطلوب هو إطلاق يد رئيس الجمهورية –وكأن البرلمان يحول دون ذلك!، في اختيار الحكومة وفي استبعادها، وكأن السيسي ضاق ذرعاً بالمعارضة وإن كانت حتى حبراً على ورق.
3- الفصل العاشر المتعلق بمواد الإعلام والصحافة. والسبب بحسب ياسر رزق “التجربة أثبتت أن عدم وجود قيادة أو مظلة إشرافية موحدة للصحافة والإعلام الرسمى والخاص والحزبى، هو أحد أسباب ضعف دور الإعلام، بل أدى إلى إلقاء اللوم عليه فى أمور يتحملها وفى أشياء هو برىء منها تماماً”.
ومن ثم فالتعديل يتغيا فرض مزيد من الرقابة على الصحافة والإعلام رغم السيطرة الكاملة من المخابرات عليهم.
4- المادة 241 الخاصة بما يسمى «العدالة الانتقالية» (يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور باصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية).
والسبب أن مفهوم العدالة الانتقالية “تعبير منقول من الخارج، بمقاصد لا يمكن الجزم بصفائها، تفتح الباب موارباً لإجراء مصالحات «عفا الله عما سلف» و«تبادل الديات» مع جماعة الإخوان، وهى ثغرة دستورية فى جدار ثورة 30 يونيو ينبغى سدها بالحذف تماماً من الدستور”.
5- المادة 140 من الدستور (يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة). والمادة 226 (فى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إنتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات).
أما عن تبرير هذه التعديلات؛ فهي “أننا مازلنا فى مرحلة انتقال لها ضروراتها واعتباراتها، ولم نبارحها بعد إلى مرحلة استقرار سياسى”، وأن من يتولى الرئاسة شخص كان عازفاً عنها، واضطر لقبولها تحت ضغط شعبي، وأن هذا البطل – السيسي – تحمل على كتفيه مسئولية نهضة مصر ويقطع خطوات واسعة على طريق لا تبدو نهايته فى عام 2022.

خلاصة التصور الرسمي:

هذه التعديلات الجذرية على دستور 2014، التي يقترحها ياسر رزق في مقالته، يحاول من خلالها أن يتخلص من القيود التي تحول دون السيسي وإعادة خلق النظام على صورة مثالية “يوتوبيا جديدة” من وجهة نظره فقط. تتحقق هذه اليوتوبيا عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى: مادة انتقالية تزيد سنوات مدة الرئاسة إلى 6 سنوات، مع عدم توسعة مدد الولاية عن ولايتين.
المرحلة الثانية: إضافة مادة إلى الدستور تنص على إنشاء مجلس انتقالى مدته خمس سنوات تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسى، هو مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة. على أن يترأس المجلس عبدالفتاح السيسى بوصفه مؤسس نظام 30 يونيو ومطلق بيان الثالث من يوليو. أن تضاف فقرة إلى المادة 200 الخاصة بمهام القوات المسلحة، تنص على أنها هى الحارس على مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو وأهداف بيان الثالث من يوليو.
في الحقيقة لم يطرح ياسر رزق هذين التصورين؛ زيادة سنوات مدة الرئاسة، والمجلس الانتقالي، باعتبارهم مرحلتين متتاليتين، إنما طرحهم باعتبارهم بديلين يختار المشرع بينهما، لكن المغري بالتعامل معهما باعتبارهما مرحلتين، هي رغبة النظام القوية في تأبيد بقائه في السلطة، ورغبته في التخلص النهائي من خوف كامن لديه من إمكانية اقصائه من السلطة، ولهاثه المحموم وراء ابتكار صيغة تعطي بقائه قدسية وتحصين يؤمنه نوائب الدهر وتقلباته؛ لذلك جاء اقتراح رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، بأن تضاف فقرة يصبح الجيش بموجبها حامي ثورة يوليو ومبادئها وكأن بقاء السيسي في الحكم جزء من هذه المبادئ.

إشكاليات وملاحظات نقدية على هذا التصور الرسمي:

التأكيد المستمر في المقالة “عام الإصلاح السياسي الذي تأخر” على أن البلاد لا تزال تعيش في أجواء صراعية، وأن حالة عدم الاستقرار التي خلقتها يناير 2011 والتطورات الناجمة عنها لم تنتهي بعد، وأن تحدي الفوضى قائما حتى اللحظة، هي محاولة لتبرير سلطوية النظام الحاكم وعنفه وعسفه بكل قيم الحرية والديمقراطية، ومحاولة لتبرير الفشل في إدارة المشهد على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، مع تردي الأوضاع، واستمرار هذا التردي، وتفاقمه المستمر. فالأوضاع الأمنية شديدة السواء، والوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يقل سوء، ومستقبل النظام السياسي يتسم بالضبابية واللايقين. فهناك حالة سيولة شديدة فشل النظام في تقليصها. ومن ثم فوسم الواقع بأنه تحدي وصراع تخوضه الدولة محاولة لتبييض وجه النظام.
النظام لا يزال يعيش في فقاعة يونيو 2013، ولا يزال وعيه أثير هذه المرحلة التاريخية، ولم يفارقها بعد. فالنظام لم يتخطى بعد هذه الفترة، التي تجاوزنها منذ 6 سنوات، وبقيت تصرفاته مرتهنة بتلك المرحلة التاريخية وسياقها. أو أن هذه محاولة للهرب من الواقع وتحدياته، حيث تعصف بالنظام المشكلات، وحيث تراجعت شعبيته للحدود الدنيا، ومن ثم يلوذ النظام بمرحلة كانت له شعبيته عالية في أوساط قواعد الدولة العميقة، فكان أقرب للبطل الخارق والمنقذ لهم من سيطرة الاخوان. يتناسى الحاضر عبر استحضار زمن جميل غابر.
لكن مشكلة العيش في الماضي واجترار الذكريات والهروب من الواقع وتحدياته، سيكون له انعكاسات وخيمة، أهمها أن احتمال انفجار الأمور بشكل فجائي ستكون كبيرة للغاية، وغير متوقعة من نظام يرى في نفسه معبود الجماهير وبطلها ومنقذها. فقد توقف زمن النظام عند لحظة يونيو 2013، لكن زمن المجتمع والمعارضة تخطاها ويتجهز لما بعدها.
ما يدعم الفكرة السابقة أن المقالة تشرعن التعديلات المقترحة، بأن غرضها الحفاظ على مكتسبات يونيو 2013، وأن ضمانتها هي أن قائدها “السيسي بطل يونيو 2013، وأنها تحمي مكتسبات ثورة يونيو 2013 من مناوئيها”. وبالتالي فالخطاب المطروح كله رهين فترة يونيو 2013، ويخرج من حساباته كل التطورات التي طرأت على المشهد خلال 6 سنوات كاملة.
لو اعتبرنا أن مقالة ياسر رزق معبرة عن تصورات النظام ورؤيته، فيمكن القول أن النظام يعصف به الخوف من المستقبل وما قد يحمل من مفاجئات. قد يكون الخطاب المطروح في المقالة ظاهره العنجهية وغرور القوة وعدم الخوف من العواقب، لكنه في حقيقته يعكس خوف من مآلات الواقع ومن مفاجئات المستقبل، وما الغرور والعنجهية البادية سوى قشرة لإخفاء هذا الخوف وموارته.
قد يكون كل ما ورد في المقالة توجهات حقيقية لدى النظام ويسعى فعلياً لتحقيقها، لكنها قد تكون محاولة لحرف الرأي العام في جهة معينة، إلهاءً له عن قرارات مفاجئة تكون في اتجاه مختلف تماماً، ومن ثم تكون قرارات النظام صادمة وغير متوقعة فتأتي ردود الفعل عليها من الشارع السياسي بطيئة ولا تمثل خطورة على النظام.
بقي أن نشير إلى ملاحظتين؛ الأولى: عن توجهات المقال وانشغالاته الحقيقية، ونحاول الوقوف عليها عبر رصد بعض المضامين الكمية للمقال، وهي: أن كلمة الديمقراطية وردت في المقالة مرة واحدة فقط، كذلك وردت كلمة تداول السلطة مرة واحدة أيضاً، بينما وردت كلمة دستور (31) مرة، في حين جاءت كلمة إصلاح 5 مرات، وأخيراً وصٌف النظام الفترة الراهنة في مصر باعتبارها مرحلة انتقال وليست استقرار 4 مرات.
الملاحظة الثانية: أن النظام يفكر بجدية في تدشين “مجلس لحماية الدستور”، أو أياً كان اسمه أو اختصاصاته، غرض هذا المجلس هو تأبيد بقاء السيسي في السلطة، مع اعطائه صبغة تقديسية “حامي مبادئ ثورة يونيو 2013″، وربطه بالجيش؛ من خلال إضافة فقرة يصبح الجيش بموجبها حامي ثورة يوليو ومبادئها -وكأن بقاء السيسي في الحكم جزء من هذه المبادئ، وكأن السيسي والدولة والنظام السياسي و”الثورة” في يوليو 2013 كلها كيان واحد – ما يؤكد ذلك، أن هذه الفكرة عن مجلس “انتقالي” لحماية الدولة وأهداف الثورة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...