حكايات الزنزانة.. من خوسيه موخيكا إلى الرئيس مرسي

فيلم “حكايات الزنزانة” أو “A twelve year night”، من أعظم أفلام السجون الانفرادية التي من الممكن مشاهدتها، وهو يتحدث عن قصة رئيس الأوروجواي (خوسيه موخيكا)، المعروف بأفقر رئيس في العالم، ورفيقيه في النضال أيام الانقلاب العسكري، ويركز الفيلم على الصراع الذي مروا به خلال 12 عامًا من السجن الانفرادي مع التعذيب.

وطوال مدة الفيلم التي تتجاوز الساعتين، عرض كيف يتعامل الانقلابيون مع الثوار، ونقلهم بين أنواع السجون الانفرادية إمعانا في التعذيب، ويدخل الفيلم ضمن أدب السجون والحرب النفسية للسجناء، وهو مبنيّ على قصة حقيقية، وقد لا تختلف قصة رئيس الأورجواي في الخطوط العامة عن صمود الرئيس المنتخب محمد مرسي والمرابطين معه في مصر.

خوسيه ومرسي

ويرى مراقبون أنه لولا صمود الرئيس مرسي، لما ظلت راية الثورة مرفوعة ولو من خلف الأسوار، فهو بصموده يحيي الأمل في استمرار النضال الثوري لتحقيق أهداف ثورة يناير؛ فالرئيس الذي جاءت به الثورة في أول انتخابات حقيقية، يؤكد عهده أمام من يحاكمونه عدم تخليه عن عهده مع شعبه، وهو بذلك ينزع المشروعية عن جنرالات خراب لا يختلفون في شيء عن جنرالات انقلاب الأورجواي.

من هنا نعود إلى بداية الحديث عندما تطرقنا بالإشارة إلى تجربة خوسيه موخيكا، الرئيس الأوروجواي الذي انتخب رئيسا للبلاد عام 2010، بعد سقوط الانقلاب العسكري، ويعتبر الأفقر بين رؤساء العالم، فهو رئيس لدولة نامية كشأن دولنا العربية المكتظة بالثروات المنهوبة من الأنظمة التي زرعتها عصابة سايكس بيكو منذ عام 1916 وإلى الآن.

موخيكا كما الرئيس محمد مرسي يستحق تخليد سيرته وطبيعة تفكيره ونمط حياته، كرئيس منتخب وهب حياته وأمواله القليلة لبلاده، ومن الواجب أن تخلد مسيرة مثل هؤلاء الرؤساء في العالم، الذين يقفون مع الفقراء فعلا وليس قولا، وليس أمثال السفيه السيسي الذي يحاول إقناع شعب غني مثل المصريين بأنهم فقراء؛ لينزح عنهم الثروة ويحولها للخارج.

ويندرج الرئيس مرسي مع الرئيس موخيكا ضمن الفئة التي يعد أحدهم زعيما وقائدا وممثلا لكافة فقراء العالم، وكما وقف مرسي بجوار الفلسطينيين والسوريين وقال عبارته الشهيرة “لبيك يا سوريا”، تصرف موخيكا مع الفلسطينيين في حرب الجرف الصامد التي شنها الكيان الإسرائيلي في غزة كعربي شريف؛ فحرض دول أمريكا اللاتينية ضد الكيان الإسرائيلي خلافًا للموقف العربي المتصهين المراوغ.

ووطد علاقته الدبلوماسية مع الفلسطينيين عكس ما قامت به بعض الدول العربية، التي توطد علاقتها الآن مع اليمين الصهيوني المتطرف أمثال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسفيه السيسي، كما حارب موخيكا الفساد فحاصره إلى درجة جعل من بلاده الأقل نسبة في تفشي الفساد، وهو ما قام به الرئيس مرسي عندما صادر أموال الشعب ممن نهبوها أمثال عائلة الملياردير نجيب ساويرس.

عدل ابن الخطاب

وحقق الرئيس مرسي وموخيكا مقولة “ما دام راعي البيت مستقيما فهو الأجدر بإشاعة الفضيلة بين شعبه”، الذي بوسعه معانقته في وسط الشارع المزدحم دون عناء، وهو نموذج تمثّل به الخليفة المسلم عمر بن الخطاب قبل أكثر من ألف سنة، وانتقل من بلاد العرب إلى بلاد الهنود الحمر.

موخيكا بدلا من إلقاء القاذورات على حدائق الجيران أخذ يزرعها بالياسمين، والمضحك المبكي أن أحد شيوخ النفط في الخليج حاول دعم هذا القائد المفكر بشراء سيارته القديمة بأكثر من مليون دولار، فسخر منه ولم يشكره؛ بل اعتبرها إهانة من سفيه، منوها إلى أن تقشفه نابع من فلسفته بالحياة، على قاعدة التمثل بظروف شعبه حتى يحسن الإصلاح من حال بلاده، بعدالة تنتعش في جوهرها الديمقراطية والإصلاحات، في كل مناحي الحياة من أجل تنمية شاملة حقيقية.

ولم يتصرف موخيكا طوال حياته كقاتل لشعبه، أسوة بالطغاة الذين يتحكمون في البلاد العربية المنكوبة بالطغاة، بداية من السفيه السيسي وليس انتهاء بمحمد بن سلمان أو حفتر أو بشار الأسد أو محمد بن زايد، موخيكا أو مرسي هما النموذج المرتجى لحل أزمة القيادة التي نعاني منها في وطننا العربي المنتهك، من قبل الأصدقاء قبل الأعداء، ولا بد من سقوط الانقلاب وخروج الرئيس مرسي من زنزانته حتى تأتي العدالة والرخاء، ويعزز مبادئ الكرامة والتشبث بالحقوق.

فيلم “حكايات الزنزانة” أو “A twelve year night”، درس لا بد لضعاف الأمل وضحايا الإحباط  واليأس من دراسته والاقتداء به، من أجل الأمل في مستقبل قريب تتحقق من خلاله تنمية شاملة تبدأ بالإنسان وتنتهي بتحرير الأرض التي تنازل عنها السفيه السيسي للآخرين، تنمية حقيقية تقوم على قاعدة صحيحة قوامها الديمقراطية وشعارها عيش حرية عدالة اجتماعية، أو كما لخصها الرئيس مرسي بثلاث كلمات “إذا أردنا أن نمتلك إرادتنا، فعلينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...