ثورة يناير.. غباء الطغاة أعاد مشهد وحدة الميدان!

كثيرا ما يحاول الطغاة وأد الثورات الشعبية ضدهم بالمزيد من القتل والقمع والتعذيب لكل من يرون أنه يشكل خطرا عليهم فينتهي الامر – خصوصا مع طول سنوات الصمود والمقاومة – لاعتقال وقمع غالبية ألوان الطيف السياسي في المجتمع، فينتهي الامر ضمنا الي توحيد صفوف الشعب كله ضد الطاغية الذي وحدهم في المعتقلات واسهم في إزالة الخلافات بينهم!

حدث هذا قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حين سعي نظام مبارك عبر أجهزته القمعية لاعتقال وسجن الاخوان والجماعات الاسلامية ويساريين وليبراليين وناصريين فسمح لهم من حيث لم يحتسب بالتوحد داخل السجون والمعتقلات وفي المؤتمرات ضده لينتهي الامر بوقوف الثوار من كافة ألوان الطيف وحتى المسلمين مع المسيحيين في الميدان ضد نظام مبارك فانهار!

اليوم وبعد 8 سنوات من ثورة يناير يأتي نظام سلطة الانقلاب ليحقق نفس المعادلة ويوحد قوي المعارضة على اختلاف اطيافها ضد سلطة الانقلاب بعدما نجح في خداع نصف المعارضة (اليسار والليبراليين والناصريين) لبعض الوقت ودفعها للوقوف ضد نصفها الاخر (التيار الاسلامي)، فدعموا الانقلاب ليحصدوا ديكتاتورية أبشع مما شهدته مصر يوما ثم يعودون للاصطفاف مع التيار الاسلامي ضد الانقلاب والدعوة على استحياء لتوحيد القوي ضد الطاغية بعدما ظهرت لهم حقيقة هذا النظام.

خدمة أكبر

بل ان سلطة الانقلاب تقدم بغبائها خدمة أكبر لعوامل انهيارها بالتحرك ليس فقط ضد القوي السياسية وقمعها وإنما بعداءها للشعب كله عبر الغلاء الفاحش ورفع الاسعار بصورة غير معهودة واتباع سياسية الجباية من الشعب في كل خدمة والتهجير والنهب، ما وحد الشعب كله ضد الانقلاب في الميدان وليس فقط القوي السياسية.

الشعب بحاجة لثورة ثانية

ومثلما توافرت عوامل وحدة الصف في الميدان وتجمع الثوار داخله حتى انتصرت الثورة، تجتمع الان نفس العوامل وتتضافر الظروف بشكل أقوى.

والحل في هذه الأزمة التي اوصلنا اليها عقلية عسكرية اعتادت الخيانة هو في توحيد صف الثوار مع انضمام غالبية الشعب المصري التي عانت وستعاني دائما.

والتركيز على المتفق والبعد عن الخلافات، وتعظيم المشترك مع القوى الثورية، ونبذ من ينادي بإقصاء فلان أو علان أو يضع شروطاً تعجيزية تعيق توحيد الثوار لأن ما يفعله لصالح الثورة المضادة بينما الشعب يحتاج ثورة ضخمة اليوم.

فالشعب اليوم يشعر أنه بحاجة إلى ثورة لأسباب كثيرة منها:

• جرائم القمع والحبس والقتل خارج القانون التي يمارسها السيسي بدم بارد ضد الجميع دون تمييز بين معارض ومؤيد

• تفكيك منظومة القضاء لتكون تابعة لتعليماته بما لعملية التفكيك من آثار خطيرة على المجتمع.

• تفكيك أجهزة الدولة والسعي لإجهاضها بهدف السيطرة عليها مما يساعد على إسقاط الدولة.

• عمالة السيسي للصهاينة وإعلانه بصورة واضحة أنه يتعاون أمنيا مع العدو

• ضعف أداء الجيش المصري الذي يعتز به الشعب بعد أن صرف السيسي طاقته للتجارة والبيزنس والمنافسة في المشاريع المدنية

حالة غليان

فهناك حالة الغليان داخل الشارع المصري وغالبية الشعب والاطياف السياسية انكشفت أمامها الحقائق بصورة جلية بعدما تكشف للجميع ان السيسي كاذب ومخادع وديكتاتور وكل هدفه هو القمع والقتل للبقاء في السلطة وخدمة بيزنس الجيش.

فبالرغم من سيطرة السيسي على مقومات وأجهزة الدولة إلا أنه مازال مرعوبا متخوفا من ثورة جديدة خاصة بعد مظاهرات فرنسا والسودان، ما يؤكد أنه يملك سلطة هشة قائمة على القمع والعنف والفساد وليس له قواعد شعبية يستند اليها، وسينهار كما انهار نظام مبارك.

وفشلت محاولات السيسي وسلطة واعلام الانقلاب في تشويه ثورة يناير بتصريحات السيسي المتتالية أو خلال محاكمات حبيب العادلي وشهادة مبارك في محاكمة الرئيس مرسي، وتكًشف وجه سلطة السيسي كعدو للثورة بعدما ظل يتمحك بها بحثا عن شرعية لدي الشارع المصري، وهذه من أبرز علامات فرز وتحديد هوية نظام الانقلاب كثورة مضادة بعدما تصور أنه سيطر على البلاد.

كما تتصاعد المواجهة بين سلطة الانقلاب وكافة اطياف الشعب بسبب قرارات افقار الشعب والغلاء وفرض الضرائب ورفع اسعار كل شيء.
وتمترس سلطة السيسي حول الآلة العسكرية وزيادة الحشود الأمنية والعسكرية، يؤكدان أن السيسي لم يعد يثق بأحد، وأنه يعتمد فقط العصا الأمنية لإسكات الشعب.

السوشيال ميديا

وبات السوشيال ميديا هو مصدر التهديد الابرز لسلطة الانقلاب بعدما تم تكميم الاعلام بأكمله وبات يلعب نفس الدور الذي لعبه في ثورة يناير 2011 في فضح جرائم الانقلاب سواء بقتل المعتقلين وتعذيبهم أو الفشل في إدارة اقتصاد مصر والملفات الحيوية كنهر النيل (سد النهضة) وإفساد الزارعة والصناعة.

على المستوي الدولي فضح نظام الانقلاب نفسه بعدما ظهر كتابع للدولة الصهيونية وسمح لها (رسميا وفق شهادة السيسي لـ CBS) بانتهاك سيادة سيناء وخرق الامن القومي المصري، وفضح نفسه كتابع لأمريكا بتنفيذ رغبات ترامب، وشراء دعم اوروبا وروسيا له بشراء صفقات سلاح باهظة لا يحتاجها الجيش واغلبها اسلحة من الجيل الرابع الاضعف لا الخامس كما تفعل اسرائيل.

مشاهد مشتركة

إذا كانت مشاهد وحدة الميدان الاولي في التحرير خلال ثورة 25 يناير حلما يراود ملايين المصريين لتكراره والتعهد بعدم الوقوع في نفس الاخطاء السابقة، فلا يعني هذا أن الحلم بات مستحيلا بسبب الاحتلال العسكري والبوليسي للميدان والقمع والقتل لمن يفكر مجرد التفكير في الاقتراب منه، لأن مشاهد وحدة الميدان الاول لم تأت بلا هذا القمع والقتل ايضا، وانما ظهرت من بين دخان الحرائق والدم والنار.

لهذا لا يعني هذا الحشد العسكري والقمع السيساوي أن هناك شيء مستحيل وإنما يعني فقط أن الثمن الذي سيدفعه الشعب في المرة الثانية سيكون أكبر لأنها ثورة استكمال للثورة الاولي التي سرقها الانقلاب والثورة المضادة وهؤلاء الانقلابيين لن يستسلموا بسهولة لأنهم يدركون أن الثمن هو رقابهم وتعليقهم من ارجلهم في ميدان التحرير.

فقبل 8 أعوام خرج شباب مصر من كل الاطياف في ثورة شعبية أطاحت بالمخلوع حسني مبارك بعد ثلاثة عقود قضاها في السلطة، وأعطت الثورة بذلك أملا في القضاء على الاستبداد والفساد والعبور نحو الديمقراطية.

وحدة الميدان

وكانت جلسات الثوار ووحدة الميدان توحي بالكثير، وتعطي الدروس البليغة التي كتب عنها المراسلون الاجانب اشعارا، فلا تفرقة في الدين ولا الهوية السياسية ولا الجندر ولا الكبير والصغير ولا الرجل والمرأة ولا المحجبة وغير المحجبة.

كانت المسيحية تصب الماء للسلفي الملتحي كي يتوضأ ليصلي، وكان الشباب المسيحي والفتيات يتصدين لخراطيم مياه الشرطة اعلي كوبري قصر النيل وهو موجهه للشباب الذي يصلي على الارض ليحموهم، وكان الاخوان والتيار الاسلامي يحمون الكنائس من أي اعتداء محتمل واللجان الشعبية تضم الشباب والفتيات.

كانت وحدة الميدان الممثلة في تصرفات هؤلاء رسالة لكل العالم وكل الطغاة ودستور شبه مكتوب للحياة التي يريدها المصريون بعد انتهاء الثورة وتحقيق اهدافها.

كانت المدينة الفاضلة في ميدان التحرير هي أجمل ما يمكن رصده .. فالسرقة اختفت تقريبا رغم ان الشرطة غابت عن البلد كلها، والجميع يتسابق في توفير الطعام للجميع والبطاطين تتوافد على الميدان لتدفئة الثوار سويا كي يرابطوا فيه، والكنائس والمساجد تتسابق في توفير الطعام للمعتصمين.

لم تكن هناك قيادة متكبرة ولا فريق يقود دولة الميدان الفاضلة وانما قيادة جماعية رجل ونساء وشباب والجميع ينتمون إلى دولة ميدان التحرير، اول صناعة مصرية حقيقية تسابقت دول العالم للفخر بها والرغبة في اقتناء اخلاقها ونموذجها.
لذلك يقول الدكتور سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية أن فكرة الثورة صارت ميراثا يسلم من جيل إلى جيل، جيل شباب كان أطفالا، وصار الآن يحمل جذور ثورة جديدة.

وتابع: “الثورة قائمة، وإلا لو انتصر هؤلاء وانتصرت ثورتهم المضادة فلماذا يجتهدون في طمس هذه الثورة وشعاراتها ويحاولون إخفاء هذه الأيام وذاكرتها؟!.

لهذا يحاول هؤلاء الأوغاد (نبت الثورة المضادة) أن يسقطوا أيام ثور يناير وكيف تسقط وحياة شعب وإرادة وطن؟!، وكيف تسقط هذه الأيام وهي في ذكرى الناس، ذكرى الحرية والكرامة والعزة والمكانة، كيف لهؤلاء يقوموا بكل ما قاموا به فلا يستطيعون أن ينجحوا في معركة الوعي والذاكرة؟

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...