من عجائب قضاة الانقلاب والنيابة.. مواقف غريبة وأحكام مسيسة

تشهد أروقة المحاكم في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو قمة “المسخرة” في محاكمات الثوار الذين شاركوا في إسقاط المخلوع مبارك الذي كان يمثل امتدادا لحكم العسكر الذي تأسس عبر انقلاب 23 يوليو 1952م؛ ما يؤكد أن القضاء تحول إلى أداة من أدوات السلطة التنفيذية يستخدمها كما يستخدم الجيش والشرطة وباقي مؤسسات الدولة للانتقام من القوى الشعبية والثورية التي قادت ثورة الشعب في يناير 2011.

وإزاء الأحكام الجائرة من جهة والمواقف المشينة للقضاة خلال المحاكمات من جهة ثانية إضافة إلى قوانين السلطة التنفيذية التي تمررها عبر البرلمان الذي تحول بدوره هو الآخر إلى أداة من أدوات السلطة يتم العصف بالعدالة عبر مذبحة كبيرة للقضاء تعصف باستقلاله ونزاهته وتنكل بتيار الاستقلال وتعلي من شأن القضاة الذين شاركوا في تزوير إرادة الشعب في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

فضائح في “كتائب حلوان”

الموقف الأولي من القضية المعروفة إعلاميا باسم “كتائب حلوان” والتي يحاكم فيها 215 معتقلاً امام القاضي شعبان الشامي، فهناك معتقل هو محمد شعيب متهم بقيادة التظاهرات والهتافات والتحريض ضد مؤسسات الدولة المصرية والعجيب أنه أبكم!!

أما المعتقل رقم 47 في نفس القضية اسمه محمد صبحي والشخص المراد اعتقاله اسمه محمد صبيح، وكذلك المعتقل فوزي توفيق مدة حبسه تجاوزت 3 سنوات، وهي أكثر من عقوبة الاتهام المسند إليه بإيواء هارب وهي عامان فقط. وعندما تؤكد هيئة الدفاع عن المتهمين هذا الكلام لرئيس محكمة جنايات شمال القاهرة يرفض الافراج عنهم عندا، فهل هذا يستحق أن يكون قاضيا يعتلي منصة يفترض أن حارسة للعدالة؟

تعنت في “رابعة”

الموقف الثاني في قضية رابعة؛ حيث واجه المحامون النيابة أمام القضاة بأنها امتنعت عن حصر الجثث في مسجد الإيمان فردت عليهم في الجلسة أن قضية قتلى رابعة لازالت قيد التحقيق وأن أعداد القتلى لم يتم حصرهم بعد، رغم أنها كانت تقول إن عدد شهداء رابعة 632 شهيدا، والمحامي أحمد حلمي يقول لها “وانا باقول عددهم 3000 شهيد وبالدليل والأوراق”!

تأجيل بلا سبب

الموقف الثالث يتعلق بالقاضي القاتل حسن فريد؛ الذي لا يزال يؤجل محاكمة الآلاف في 32 قضية ويجدد حبسهم 45 يوما تلقائيا دون النظر في أي طلبات للمحامين.

فبركة أدلة “الحدود”

في هزلية “اقتحام السجون” والتي يطلقون عليها أيضا “اقتحام الحدود الشرقية” تبين للجميع مدى فبركة الرواية الأمنية وكيف تخالف كل الأدلة والشواهد بل إنها لا تستقيم عقلا وواقعا ورغم ذلك تستمر الجلسات التي تؤجل رغم أن الإدانة فيها تعني مباشرة إدانة مبارك وطنطاوي والسيسي وجميع كبار قيادات الجيش والمخابرات والأمن الوطني في سيناء خلال ثورة 25 يناير إذا كيف يغزو مئات المسلحين بعشرات العربات وأسلحة ثقيلة حدود مصر الشرقية دون أن تواجههم قوات الجيش أو المخابرات أو الشرطة؟ ولماذا لا يوجد مقطع فيديو واحد أو صورة لتوثيق هذا الغزو المزعوم؟ ولماذا لم يتم قتل أو اعتقال شخص واحد من الغزاة الوهميين؟ ولماذا لم يتم تعطيل سيارة واحدة من تلك السيارات المزعومة التي استخدمها الغزاة في غزوهم؟ وإذا كان الأمر حقيقيا فلماذا لم يتم الإبلاغ والإعلان عن هذا الغزو في حينه؟ ولماذا لم تبلغ الحكومة المصرية الأمم المتحدة والعالم بهذا الغزو “الافتراضي”؟! كلها أسئلة تجعل من المحاكمة ذاتها والمحكمة نفسها مسخرة أمام العالم كله!

لماذا يفعلون ذلك؟

ويمكن تفسير ذلك بأن هؤلاء القضاة لا يحكمون بالعدل وهدفهم هو إذلال المعارضين لنظام العسكر، وإصدار أحكام سياسية دون حتى قراءة تفاصيل القضايا، كما حكم قاضي جنايات المنيا بالإعدام على 529 معتقلا في جلسة لم تستغرق 20 دقيقة وذلك من أجل نفاق السلطة والتزلف إليها على حساب الحق والعدالة والإنسانية.

لكن التفسير الأكثر واقعية أن ما يجرى هو سياسات متسقة لتكريس سلطوية النظام العسكري؛ فالسلطة إذا أرادت أن تحكم قبضتها على المجتمع فإنها تحقق مرادها من خلال أربعة عناصر هى الجيش والشرطة والقضاء والإعلام. الجيش والشرطة يمثلان القوة المادية، والقضاء يوفر الغطاء القانونى. أما الإعلام فقد ظل سلاح التعبئة والتبرير والتسويق.

وإذا كان الجيش والشرطة يمثلان القوة المادية فإن القضاء والإعلام ظلا يمثلان القوة الأخلاقية والمعنوية. واحتل القضاء موقعا خاصا باعتباره حارسا لقيم العدل والحرية. وبسبب ذلك الموقع الفريد، فإن الموقف من القضاء ظل دائما معيارا لمدى رسوخ قوائم العدل والحرية فى المجتمع. ونحن نشهد فى الوقت الراهن مثلا كيف يقود القضاء حملة التصدى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى قراراته التى تنتقص من قيم الحرية فى المجتمع.

هذه النقطة الأخيرة وثقها المستشار طارق البشرى فى كتابه «القضاء المصرى بين الاستقلال والاحتواء» الذى أعادت طبعه منذ سنتين «دار البشير»؛ إذ بين كيف أن حركة يوليو ١٩٥٢ أحاطت بالقضاء وأبعدته عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها. إذ لجأت إلى منع التقاضى فى المسائل التى اعتبرتها ذات أهمية سياسية، كما أنشأت محاكم خاصة لنظر القضايا ذات الحساسية السياسية بالنسبة للنظام الجديد (محاكم الثورة مثلا). وفيما عدا بعض الاستثناءات فقد ترك القضاء ورجاله على حالهم، رغم الصدام الذى حدث مع نظام عبدالناصر فى عام ١٩٦٩، وأفضى إلى ما سمى بمذبحة القضاة.

لكن الأمر اختلف فى المرحلة الساداتية التى بدأت فى عام ١٩٧٠ وما تلاها. إذ بدأت السلطة فى العبث بالقضاء بعدما ضاقت به (فى الفترة بين عام ١٩٨٤ إلى عام ٢٠٠٠ حكمت المحكمة الدستورية ببطلان مجالس الشعب الأربعة التى شكلت خلالها). ولجأت فى عبثها إلى الإبقاء على هياكل القضاء مع تفريغه من مضمونه (أشرف القضاء على الانتخابات التى تم تزويرها). وهو ما حدث مع الأحزاب التى سمح لها بالتعددية، إلا أن دورها بات منعدما.

فى الوقت الراهن، ما بعد انقلاب 03 يوليو، الذى تمت فيه عسكرة السلطة وأصبحت القوات المسلحة لأول مرة فى التاريخ المصرى تتصدر المشهد السياسى فإن خطوات التمكين ذهبت إلى أبعد. إذ بعد تذويب الفوارق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حل الدور على السلطة القضائية، لكى تمضى على درب الإلحاق، وبعدما قطعت أشواطا عدة فى ذلك الاتجاه، اقتضى الأمر استكمال عملية الإلحاق من خلال تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس السلطة التنفيذية وهو ما تم تمريره في برلمان الأجهزة يوم 26 إبريل 2017 وصدق عليه السيسي في اليوم التالي ونشر في الجريدة الرسمية في اليوم الذي يليه وبذلك دخل القضاء حظيرة السلطة وبات أداة من أدواتها لتكريس السلطوية العسكرية.

يشار إلى أن مؤشر مشروع العدالة العالمية (WJP)، وهي منظمة مجتمع مدني دولية مقرها واشنطن، الصادر الجمعة 20 يوليو 2018 الماضي، كشف أن مصر حلّت في المرتبة 110 من مجموع 113 دولة، من حيث نزاهة القضاء وسيادة القانون، متذيّلة ترتيب الدول العربية والأفريقية التي شملها قياس الأداء المستند إلى 44 مؤشراً، منها: السيطرة على الحكومة، وغياب الفساد، والحقوق الأساسية، والنظام والأمن، والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...