“في ذكرى الثورة.. “قمع بروح الطوارئ”.. تقرير حرية التعبير 2018

أصدرت “مؤسسة حرية الفكر والتعبير” تقريرها السنوي السادس عن حالة حرية التعبير في مصر خلال 2018، والذي يقوم بتحليل طبيعة الانتهاكات التي استطاعت رصدها وتوثيقها والتحقق منها وحدة الرصد والتوثيق بالمؤسسة، وكذلك مشاهدات ومتابعات الباحثين للملفات التي يعملون عليها على مدار العام، وهي حرية التعبير، وحرية الصحافة والإعلام، والحرية الأكاديمية، والحقوق الطلابية، وحرية تداول المعلومات، وحرية الإبداع والحقوق الرقمية.

وكشف التقرير عن أن دولة الانقلاب سعت إلى إخماد أي صوت معارض لطموحاتها السلطوية. فقد مددت الحكومة العمل بقانون الطوارئ خلال العام بأكمله، وهو ما انعكس على جانبين: أولهما الممارسات، حيث ارتفعت وتيرة محاكمة مواطنين أمام القضاء الاستثنائي (القضاء العسكري ومحاكم ونيابات أمن الدولة)، أما الجانب الثاني فيتمثل في التشريع، فقد عمدت الدولة إلى إصدار عدد من التشريعات التي تتيح لها السيطرة الكاملة على نطاقات التعبير عن الرأي والمتمثلة في الصحافة والإنترنت.

وأشارت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في تقريرها، إلى إصدار برلمان العسكر ثلاثة قوانين تهدف إلى تنظيم الحقل الإعلامي، وهي قانون المجلس الأعلى للإعلام وتنظيم الإعلام وقانون الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، كما أصدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (المعروف إعلاميًّا بقانون الجريمة الإلكترونية)، والذي هدفت الدولة من خلاله إلى شرعنة ممارستها السابقة على صدوره فيما يتعلق بحجب المواقع ومراقبة الاتصالات.

وأشارت إلى دأب عبد الفتاح السيسي منذ توليه منصبه بالانقلاب العسكري، على توجيه النقد إلى نصوص الدستور المصري الصادر في العام 2014، أو كما يُفضل تسميته بـدستور النوايا الحسنة، ورغم اجتهاد البعض بداية من كُتاب الدستور مرورًا برؤساء الأحزاب وفقهاء القانون للوصول إلى أوجه اعتراض الرئيسي على نصوص الدستور، إلا أن أحدًا لم يصل، لكن الشيء الذي أجمع عليه الكافة أن ثمة طموحًا لدى رأس السلطة التنفيذية إلى تعديل الدستور.

الحجب.. استمرار الهوس باحتكار المعلومات

وأشارت مؤسسة الفكر إلى حجب نظام الانقلاب لمواقع الإنترنت الخبرية عام 2018، رغم أن القوانين الجديدة قنَّنت ممارسة الحجب فإن الجهة المسئولة عن حجب أكثر من 500 موقع لازالت مجهولة حتى اللحظة رغم القضايا المتداولة في القضاء الإداري بهذا الشأن.

وخلال الفترات السابقة، واجه ضحايا انتهاكات حرية التعبير في مصر اتهامات مماثلة، مثل: التحقيق مع 9 صحفيين من جريدة المصري اليوم على خلفية نشر تحقيق صحفي بعنوان: “الدولة تحشد الناخبين”حيث وجهت إليهم اتهامات بنشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والصالح العام عن سوء قصد.

لم يكتفِ المشرع بحجب المواقع الإلكترونية فقط في قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وإنما أعطى المجلس الأعلى للإعلام صلاحيةَ حجب الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، فطبقًا لنص المادة 19 من القانون، إذا نشر حساب إلكتروني أو بثَّ أخبارًا كاذبة، أو ما يدعـو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًّا أو قذفًا لهم أو إهانة للأديان السماوية أو للعقائد الدينية، يحق حينها للمجلس الأعلى للإعلام وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو موقعًا أو حسابًا إلكترونيًّا شخصيًّا يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر.

بينما يملك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام صلاحية حجب المواقع الإلكترونية وكذلك المواقع والحسابات والمدونات الشخصية التي يزيد عدد متابعيها على 5 آلاف شخص، وفق قانون تنظيم الصحافة والإعلام.

ويُلزم القانون شركات الاتصالات بتنفيذ قرار الحجب فور وروده إليها، وفي حالة عدم التنفيذ (طبقًا للمادة 30) يتم توقيع عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمس مئة ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين. وإذا ترتب على الامتناع عن تنفيذ القرار الصادر عن المحكمة وفاة شخص أو أكثر أو الإضرار بالأمن القومى، تصل العقوبة إلى السجن المشدد وغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين جنيه ولا تجاوز عشرين مليون جنيه، وبإلغاء ترخيص مزاولة المهنة.

وعلى مستوى آخر، أصدرت اللجنة القضائية المختصة بإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، في 11 سبتمبر 2018، قرارًا بالتحفظ على جريدة المصريون وموقعها الإلكتروني، دون أن تبدي اللجنة أسبابًا لذلك القرار.

كما أن قوة من أفراد تابعين للجنة إدارة أموال الجماعة مصحوبين بقوة من الشرطة، قد داهموا مقر جريدة المصريون، في 24 سبتمبر 2018، وقاموا بالتحفظ على المقر ومحتوياته وتسليم أخبار اليوم إدارة الجريدة. كان موقع جريدة المصريون الإلكتروني قد تم حجبه ضمن حملة حجب المواقع الإلكترونية، والتي تقوم بها جهة حكومية غير معروفة إلى الآن.

كما داهمت مباحث المصنفات مقر موقع مصر العربية، وهو أحد المواقع المحجوبة، وألقت القبض على عادل صبري، رئيس تحرير الموقع. وذلك بعد يومين من صدور قرار المجلس الأعلى للإعلام، في الأول من إبريل 2018، بتغريم موقع مصر العربية 50 ألف جنيه، على خلفية شكوى مقدمة من الهيئة الوطنية للانتخابات بسبب نشر الموقع لتقرير بعنوان “نيويورك تايمز: المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”. وأمرت نيابة الدقى بحبس عادل صبري، على ذمة المحضر رقم 4861 لسنة 2018 جنح الدقي، والذي اتُّهم فيه بنشر أخبار كاذبة، والتحريض على تعطيل أحكام الدستور، والانضمام إلى جماعة محظورة، والتحريض على التظاهر.

وتم إخلاء سبيل صبري على ذمة هذه القضية لاحقًا، إلا أنه لم يفرج عنه حيث تم استدعاؤه للتحقيق معه على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة بتهمة الإنضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. ولا يزال صبري محبوسًا على ذمة هذه القضية حتى كتابة التقرير.

وهاجمت الهيئة العامة للاستعلامات، الجهة الرسمية المانحة لتصاريح العمل للصحفيين الأجانب، وسائل الإعلام والصحفيين الأجانب، سواء من خلال بيانات رسمية تعترض فيها على مضمون تقارير الإعلام الأجنبي، أو من خلال الحملة والبروباجندا الداخلية التي يقودها رئيس الهيئة ضياء رشوان بالظهور المستمر على قنوات فضائية للتنديد بالإعلام الأجنبي، حتى أنه شارك في حلقة من برنامج تلفزيوني تحمل عنوان “لماذا يستهدف الإعلام الأجنبي مصر؟”.

وطالب رئيس هيئة الاستعلامات بمقاطعة “بي بي سي” من قبل المسئولين الرسميين وذلك حتى تقدم اعتذارًا عما نشرته، على خلفية تقرير نشرته الشبكة الإنجليزية تناول قضايا الاختفاء القسري والتعذيب في مصر. لذلك، يبدو أن السلطات المصرية تحاول إرسال تهديدات ومضايقات مستمرة إلى وسائل الإعلام الأجنبية، والتي لا تملك الأجهزة الأمنية في مصر أن تسيطر على محتواها على عكس الإعلام المحلي،إذ أن عمليات شراء واسعة لقنوات تلفزيونية وصحف قد جرت في مصر، إضافة إلى تأسيس شركات تدور حولها شبهات الارتباط بأجهزة أمنية، وأدى ذلك إلى تحكم السلطة الحالية في الإعلام المصري، بشكل غير مسبوق.

ورصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 20 واقعة، عوقب خلالها 20 شخصًا بالحبس أو الفصل من العمل بسبب تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي،سواء بالكتابة أو بنشر الفيديوهات على مدار عام 2018. تعرض 17 شخصًا للحبس الاحتياطي، بعضهم تم إخلاء سبيله، والآخرون ما زالوا قيد الحبس حتى كتابة هذه السطور، وصدرت أحكام عن محاكم جنح بحبس سيدتين في واقعتين مختلفتين، وأخيرًا تعرض موظف باتحاد الإذاعة والتليفزيون للفصل من عمله، وتصدرت نيابة أمن الدولة العليا قائمة المعتدين على حرية التعبير الرقمي بـ12 واقعة انتهاك.

كما أصبح الصحفيون ضيوفًا دائمين أمام النيابة بمناسبة أعمالهم الصحفية أو نشاطهم كمراسلين أو كُتّاب رأي، حيث أُفردت تحقيقات في قضايا بعينها سُميت بقضايا الخلايا الإعلامية، وكانت أهمها القضايا أرقام 441 و977 حصر أمن دولة والتي احتجز من خلالها عدد كبير من العاملين في مجال الإعلام والصحافة، كما زاد عدد المتهمين في القضايا المتعلقة بحرية التعبير عن طريق الإنترنت، حيث تم التحقيق مع عدد من المدونين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي مثل إسلام رفاعي الشهير بخرم، والمدوِّن وائل عباس، والمدوِّن محمد أكسجين.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...