من مبارك إلى السيسي.. الاتصالات سلاح الطغاة الفاشل لإخماد غضب الشعوب

قبل 8 سنوات حينما ثار الشعب المصري وبلغ الغضب منتهاه خلال ثورة يناير 2011، وبات خلع الطاغية مبارك وشيكًا، تفتّق ذهن العسكر عن وسيلة قمع جديدة لإسكات الشعب الثائر وفض غضبه، حيث لجأ العسكر إلى قطع الاتصالات دون تحسب لأية أمور أخرى، سواء الشركات العاملة أو التجارة العالمية المرتبطة بمصر أو حركة الطيران.

وجاء قطع الاتصالات بقرار سيادي من مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، كمحاولة لتفادي تصاعد الغضب الشعبي من التعذيب والتشريد والبطالة والفقر، وهو نفس المشهد الحاصل حاليا في 2019.

الجريمة

منذ يوم 25 يناير 2011، اتخذ نظام مبارك خطوات استباقية بقطع الاتصالات للحد من أعداد المتظاهرين وإرباك حركتهم، وفي الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 25 يناير حجبت الحكومة موقع التواصل الاجتماعي تويتر (Twitter)، وموقع البث المباشر “بامبوزر” (bambuser).

وفي الثامنة من مساء نفس اليوم، قُطعت تغطية شبكات المحمول بمحيط ميدان التحرير. وفي العاشرة والنصف مساء اليوم التالي 26 يناير، عاد موقعا تويتر وبامبوزر للعمل بشكل محدود، وحُجب موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وأوقفت خدمات الـ”بلاك بيري”.

وفي ليل الخميس ٢٧ يناير، الساعة التاسعة والنصف مساءً ، قُطعت خدمات الرسائل النصية القصيرة (SMS Services)، وجميع خدمات الإنترنت عدا المرتبطة بمزود خدمة الإنترنت، شركة “نور”، وهو المزود الوحيد الذي لم يتم قطع خدمته، حيث نقلت الحكومة المعلومات المتعلقة بالتداول في البورصة والأوراق المالية وبعض العمليات الاقتصادية إليه، واستمر قطع تلك الخدمات من 28 الى 31 يناير 2011.

جمعة الغضب

في جمعة الغضب، 28 يناير، تم وقف المكالمات الصوتية في شركات التليفون المحمول الثلاث، ووقف خطوط الهاتف الأرضية في بعض المناطق لمدة ساعات، وكذلك حجب القمر الصناعي (Satellite). وفي يوم 31 يناير تم قطع خدمة الإنترنت عن آخر مقدمة خدمة. وفي ٢ فبراير ٢٠١١، تحديدًا الساعة الثانية عشرة مساءً، أعيد تفعيل خدمات الإنترنت، وجرى تفعيل خدمات الرسائل النصية القصيرة (SMS Services).

وفي ٦ فبراير، ورغم الارتباك الذي أحدثه قطع الاتصالات، إلا أن الاحتجاجات تصاعدت وانتشرت في أرجاء محافظات مصر المختلفة، ومع عنف الجهاز الأمني في التصدي للمتظاهرين، تخطت المطالب حاجز التنديد بممارسات الأجهزة الأمنية، إلى المطالبة بتنحي مبارك وإسقاط النظام. واستمرت التظاهرات المطالبة بتنحي مبارك طيلة 18 يوما إلى أن أعلن مدير المخابرات العامة عمر سليمان، في ١١ فبراير ٢٠١١، تنحي المخلوع محمد حسني مبارك عن الحكم.

غرفة طوارئ سنترال رمسيس

لم يكن قرار قطع خدمات الاتصال وخدمات الرسائل النصية القصيرة وخدمات الإنترنت قرارًا عفويًا أنتجته ظروف الاحتجاجات السلمية، وإنما كان قرارًا متعمدًا ومقصودًا تم الترتيب والإعداد له قبل بزوغ فجر ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011”.

تشير أوراق قضية قطع الاتصالات، إلى أن الحكومة أجرت تجربتين لقطع الاتصالات عن مصر قبل تطبيق هذا القطع بشكل كامل عشية ثورة يناير. كانت أولى تجارب غرفة الطوارئ، والتي تكونت من ممثلين عن وزارات الدفاع والداخلية والاتصالات والإعلام وشركات المحمول الثلاث (فودافون وموبينيل واتصالات)، لقطع الاتصالات في السادس من إبريل عام 2008، بالتزامن مع إضراب عمال المحلة، وما لازمه من دعوات العصيان المدني التي تبناها ناشطون سياسيون.

وحتى  2008 كانت علاقة الحكومة بالإنترنت غير ممسوكة، ولم يكن هناك تدخل واضح بين الحكومة والفضاء الإلكتروني، ولكن مع اندلاع أحداث المحلة انتبهوا لوجود المدونين وخلق مساحات مختلفة من خلال الإنترنت لا يمكنهم السيطرة عليها.

قضاء ملاكي

في 24 مارس 2018، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في قضية قطع الاتصالات، حيث ألغت الغرامة المفروضة على المخلوع مبارك ورئيس وزرائه ووزير داخليته، واعتبرت المحكمة قرار “قطع الاتصالات” حماية للصالح العام والأمن القومي.

وقبل ذلك بسبعة أعوام، كانت دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حمدي ياسين، نائب رئيس مجلس الدولة، قد بدأت نظر الدعوى رقم 21855 لسنة 65 قضائية والتي أقامها المركز المصري للحق في السكن، مختصمًا فيها 12 مسئولًا في نظام مبارك، بالإضافة إلى شركات المحمول الثلاث والشركات مقدمة خدمة الإنترنت، مطالبًا بإلزام مبارك والعادلي بدفع تعويض مادي لقيامهما بقطع خدمة الاتصالات والإنترنت عن المواطنين أثناء الثورة دون سابق إنذار، ما تسبب في أضرار كبيرة.

في 26 مارس 2011، نُظرت أولى جلسات الدعوى. وأصدر ياسين حكمه بعد شهرين في 28 مايو 2011، بإلزام كل من مبارك ونظيف وحبيب العادلي متضامنين بدفع مبلغ 540 مليون جنيه من مالهم الخاص إلى خزانة الدولة، عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد القومي، نتيجة قطع الاتصالات خلال الأيام الأولى للثورة، على أن يتم توزيعها فيما بينهم بإلزام العادلي بدفع 300 مليون جنيه، ومبارك 200 مليون، ونظيف 40 مليونًا.

السيسي عدو الاتصالات

ورغم مرور 8 سنوات على قطع الاتصالات في 2011، يقف المصريون أمام نظام قمعي أكثر استبدادًا وأكثر شراسة فيما يتعلق بحقوق المواطنين الرقمية، وحقهم في الاتصال بالإنترنت، حيث حجبت حكومة السيسي، منذ 24 مايو 2017، أكثر من 500 موقع، بالإضافة إلى سن قانون يتعلق بما يسمى بـ“الجريمة الإلكترونية” يفرض قيودًا مكبلة لاستخدام الإنترنت. فضلًا عن الحملات الأمنية التي تُشن على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية خلال وسائط التواصل الاجتماعي.

كما حوّل قمع السيسي الفضاء الإلكتروني إلى مصيدة للأحرار، بل تجاوز نظام السيسي في قمعه كافة الحدود، بإغلاق الصحف والقنوات التلفزيونية، وحوّل صفحات الفيس بوك لصحف في حال زيادة أعضائها عن 5 آلاف عضو، ويجري ملاحقتها قانونيًّا، وتحوّل الإنترنت إلى سبب للحبس والاعتقال، وهو ما يكرر تجربة مبارك الذي قطع الاتصالات نهائيًّا عن مصر ولم يحمه ذلك من السقوط، وهو ما سيتكرر مع السيسي وانقلابه العسكري الذي يقطع كل شيء عن المصريين، إلا أن ذلك سيكون طريقًا لإسقاط الانقلاب العسكري.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...