٧ سنوات ودماء الألتراس تهتف ضد العسكر: يا غراب ومعشش

تتوالى أيام ثورة يناير التي عاش فيها المصريون أوقاتًا عصيبة، ما بين النصر وإجبار حسني مبارك على ترك الحكم حينًا، والتآمر من قبل المجلس العسكري على ثورتهم حينا آخر، ومن بين الأيام المشهودة في عمر الثورة، مذبحة بورسعيد التي جاءت بعد الثورة بعام واحد، بعد أن دبر العسكر في الأول من فبراير 2012، وعقب انتهاء مباراة لكرة القدم بين فريقي الأهلي ونادي المصري، مذبحة ضد جماهير النادي الأهلي، عقابًا لهم على مشاركتهم وهتافاتهم الثورية ضد المجلس العسكري، حيث فوجئ الجميع بآلاف المشجعين من أنصار النادي المصري يقتحمون الملعب ويهاجمون مدرج ألتراس أهلاوي، ويقومون فيهم بعمليات إجرامية وصلت إلى مذبحة هائلة راح ضحيتها 72 شابًا من شباب مصر.

لم يستوعب الجميع الحدث إلا بعد نصف ساعة تقريبًا، بعدما سقط عشرات الضحايا من مشجعي النادي الأهلي فيما عرف بعدها بمذبحة بورسعيد أو مذبحة الألتراس.

فهل يُتصور أن يصل إجرام العسكر لهذا الحد من الانتقام لمجرد أن قام مجموعة من شباب الألتراس بالهتاف ضد المجلس العسكري في ميدان التحرير؟.

لم يكتف العسكر بمذابح محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، ولكن دبروا لأبشع مذبحة ضد مجموعة من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ16 عامًا، وقاموا بإغلاق باب استاد بورسعيد على جماهير النادي الأهلي، وأطلقوا عليهم مئات من البلطجية ورجال المخابرات الحربية يحدثون فيهم القتل بشكل بشع لم يغب عن ذاكرة ملايين المصريين حتى وقتنا هذا.

وبالرغم من هذه الجريمة التي روعت العالم أجمع، بعدما شاهدوا جرائم النظام العسكري ضد الشباب الهائمين بتشجيع كرة القدم، لم يعتد ملف القضية ورجال التحقيق الذين انتدبهم العسكر بشهادات وبلاغات عن وجود بلطجية مؤجرين “لتأديب جماهير ألتراس أهلاوي”، ولا بغلق باب الاستاد المتعمّد من قبل النظام العسكري، ورغم هذا لم توجه النيابة العامة أي اتهام لأي شخص ورد اسمه في الاعترافات، وخرج الجميع براءةً كما ولدتهم أمهاتهم.

غلق الاستاد وممر الموت

وبالرجوع إلى أحداث المباراة، فقد كانت اللحظة الحاسمة مع هجوم جمهور المصري على المدرج الشرقي، حيث هرب المئات من جمهور الأهلي تجاه الممر الذي يقودهم إلى البوابة التي دخلوا منها والتي ظلت مفتوحة طوال المباراة، حيث فوجئوا بأن البوابة مغلقة. ومع إضافة ضيق الممر والسلالم الحجرية فإن أدق وصف لهذا بأنه كان ممر الموت.

غير أنه لا يمكن الاستناد إلى أن التدافع هو السبب الوحيد للوفاة، فقد أظهرت صور واضحة استخدام المهاجمين الكراسي الحديدية المخصصة لأفراد الأمن المركزي في الملعب لضرب جمهور الأهلي، إضافة إلى الألعاب النارية (الشماريخ) داخل الممر والتي أدت إلى حالات اختناق فيه.

ومع ذلك تم التغاضي عن أطراف أخرى والتمسك بالمتهمين الذين ألقي القبض عليهم في أعقاب المذبحة بساعتين، دون توجيه الاتهام لأي من المسئولين في النظام وقتها.

وبالبحث تبين أن المشرف على هذه التحريات كان ضابطا برتبة عقيد يدعى محمد خالد نمنم، وكيل إدارة البحث الجنائي في بورسعيد، وهو ما شكل مفاجأة غريبة، حيث إنه كان مكلفًا برئاسة الخدمات السرية في المدرج الشرقي، فكيف يكلف ضابط بإجراء التحريات في الوقت الذي كان مكلفًا فيه بحماية مدرج الضحايا؟.

ومن بين تسعة قادة أمنيين تم تقديمهم كمتهمين في القضية، أدين فقط مدير الأمن اللواء عصام سمك والعقيد محمد سعد، بينما بُرّئ الباقون رغم أنهم جميعا شاركوا في تأمين المباراة.

غير أن الغريب أنه لم يتم ذكر اسم الحاكم العسكري لبورسعيد اللواء عادل الغضبان، الذي ورد اسمه في اجتماعات الخطة الأمنية للمباراة.

وبعد طلبات المحامين حضر الغضبان للإدلاء بشهادته أمام المحكمة، مؤكدا أن مهمته لم تكن تأمين جمهور الأهلي، وأنه سمع أنباء اقتحام الملعب من الراديو، وتحرك شخصيا مع قواته لمحاولة فتح البوابة المغلقة التي يحتشد خلفها مئات من جمهور الأهلي، وأنه تمكن مع جنوده من إسقاط البوابة، لكن كل شهود العيان من ألتراس أهلاوي أنكروا تمامًا رؤيتهم للحاكم العسكري، وأكدوا أن البوابة سقطت من قوة التدافع.

مثّلت شهادة الحاكم العسكري بتناقضاتها أول تساؤل حول المسئولية التي يتحملها المجلس العسكري الذي كان يتولى إدارة شئون البلاد وقتها، ولماذا لم يتم توجيه أي اتهام إليه، ولماذا تم التغاضي عن هذه التناقضات في الشهادات والتفاصيل!.

وفي فبراير 2014، وفي مقابلة تلفزيونية، خرج وزير الداخلية السابق- الذي كان على رأس الوزارة وقت المذبحة- بتصريحات اعترف فيها بتحمل أطراف أخرى في الأجهزة الأمنية جزءا من مسئولية المجزرة.

كانت أجهزة الأمن وقتها تخضع لسلطة المجلس العسكري بالمجمل، أما الأمن الوطني وأجهزة المعلومات فقد كانت تخضع بعد الثورة لسلطة المخابرات الحربية، وهو ما أقر به مدير مباحث أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن، في اعترافاته أثناء محاكمته بأن تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية كان يتم تحت رئاسة وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، منذ ثالث أيام الثورة الموافق ليوم 28 يناير 2011.

وبعد عامين من المذبحة في 6 فبراير 2014، قبلت محكمة النقض الطعن المقدم من أطراف القضية لتعيد المحاكمة إلى نقطة الصفر من جديد.

أحداث لا تنسى

عاشت مصر في هذا اليوم المشئوم أحداثًا لا تنسى، من مشاهد الدماء التي سالت على الأرض لعشرات الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم 16 عاما، ودفعوا الثمن من دمائهم لمجرد هتافهم ضد المجلس العسكري في ميدان التحرير “يا غراب ومعشش جوا بيتنا”.

فما حدث ليس نتاجًا طبيعيًّا للعصبية الكروية، فالمؤامرة كانت واضحة وجلية، فقتل النفس هو أكبر ذنب ممكن أن يرتكبه شخص، فما بالنا بأكثر من سبعين شابا لم يرتكبوا إثما سوى أنهم ذهبوا وراء ناديهم ليساندوه، فكان جزاؤهم القتل غدرا أمام أعين رجالات الأمن الذين أقسموا على حماية الوطن ورعاية أمنه ومواطنيه دون أن يحرك ذلك فيهم ساكنا، فى مشهد لا بد أن يسأل فيه كل مسئول فى مصر من المشير طنطاوي ومجلسه العسكري، وحتى أصغر فرد أمن تواجد داخل استاد بورسعيد.

فمنذ أن قرر المجلس العسكرى إلغاء قانون الطوارئ وعدم تطبيقه إلا على البلطجية، قام المجلس العسكري بنشر الفوضى، من سرقة بنوك من عصابات لا نراها إلا فى أفلام السينما، ومرورا بخطف أطفال ومواطنين من الشوارع، ووصولا إلى السطو على شركات الصرافة ودور المسنين، لتأتي أحداث “مذبحة بورسعيد” لتكون مجرد حلقة فى سلسلة جرائم الفوضى التي نشرها العسكر تأديبًا للشعب المصري.

وفي الوقت الذي هتف ألتراس أهلاوى ضد حكم العسكر وضد هذه الجرائم والفوضى بشكل واضح خلال اللقاء السابق للأهلى أمام المقاولون، كصوت للثورة فى ملاعب كرة القدم، فيما كانت هتافات الألتراس ولا تزال تندد بفضائح الشرطة وانتهاكاتها، بالإضافة إلى أغنيتهم الشهيرة “يا غراب ومعشش جوا بيتنا” التى يغنونها لفاسدى الداخلية، فكان الرد من المجلس العسكري هو قتل هؤلاء الشباب وتركهم فريسة لبعض البلطجية القتلة المأجورين تحت سمع وبصر قيادات الداخلية والجيش.

لتنضم هذه الجريمة إلى سجلات جرائم العسكر الأخرى، ومن بينها مذبحة أو موقعة الجمل، التي تمت بنفس الطريقة، حينما هجم مجموعة من البربر على ميدان التحرير فوق ظهور الجمال والبغال، ليقتلوا أطهر من فى مصر فى “موقعة الجمل”، 2 فبراير 2011، واستمرت الاشتباكات بين الجانبين حوالى 20 ساعة متواصلة سقط خلالها نحو 11 شهيدًا، وكذلك فى أحداث محمد محمود سقط نحو 45 شهيدًا فى غضون 6 أيام هى عمر المواجهة بين الثوار وسفاحى الداخلية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...