“العقوبات البديلة للحبس الاحتياطي”..قراءة في تشريعات ما بعد 30 يونيو

أثار مشروع القانون الذي تقدَّم به النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، خلال يناير الجاري2019 حول «العقوبات البديلة للحبس الاحتياطي»، جدلا واسعا في الأوساط المصرية؛ فبينما رحب به الموالون للسلطة والنظام العسكري، اعتبره حقوقيون وسياسيون عودة لعهود السخرة والعبودية. ودليلا على تشوه تصورات النظام والموالين له لمفهوم حقوق الإنسان وذلك في ظل اتهامات تلاحق نظام 30 يونيو بوصفه الأكثر سوءا في انتهاكات حقوق الإنسان والتستر على الضباط والمسئولين المتورطين في هذه الجرائم الوحشية.

مشروع القانون المثير للجدل أحاله علي عبدالعال رئيس مجلس النواب إلى اللجان الفنية المختصة لمناقشته يوم الأحد 13 يناير الجاري؛ حيث يتكون من “15” مادة وتقوم فلسفته على عدة تصورات شديدة التشوه ويتضمن العناصر التالية:

1) تشغيل المحبوسين احتياطيا في عقوبات بديلة منها العمل بدون مقابل في ما تسمى بالمشروعات القومية لمدة مساوية لمدة العقوبة.

2) كما تتضمن العقوبات البديلة الالتزام بجبر الضرر والتعويض الناتج عن الجريمة والإقامة الجبرية، وإلزام المحكوم عليه بعدم مغادرة محل إقامة محدد أو نطاق مكانى معين.

3) يقترح مشروع القانون إلزام المحبوس المستفيد من التدابير البديلة بالحضور لمركز الشرطة فى أوقات محددة، ويحظر عليه ارتياد مكان أو أماكن محددة، وذلك بحظر ارتياد نطاق جغرافى معين ذات صلة بالجريمة.

4) المشروع يعطي الحق لمصلحة السجون وبناء على طلب المسجون أن تطلب استبدال العقوبة الأصلية بإحدى العقوبات البديلة.

5) يعاقب بالحبس والغرامة أو إحدى العقوبتين كل من هرب من تنفيذ أي من العقوبات البديلة، ويعاقب بذات العقوبة كل من ساعد شخصا على الهرب من تنفيذ عقوبة بديلة.

6) يميز مشروع القانون المقترح بين العقوبة البديلة، التي يجوز للمحكمة المختصة أن تقضي أو تأمر بها بدلاً من العقوبة الأصلية السالبة للحرية، والتدابير البديلة التي يجوز للنيابة العامة أو قاضي التحقيق أو قاضي تجديد الحبس أن يأمر بتوقيعها بديلاً عن الحبس الاحتياطي، مع عدم الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية. وخصَّ مشروع القانون “محكمة الجنح” بالفصل في جميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقوبة البديلة أو إلغائها، على أن يجوز للمتهم (المحبوس احتياطياً) أن يتظلم من الأمر الصادر من النيابة العامة بإلزامه بأحد التدابير البديلة أمام محكمة الجنح المستأنفة، وينص كذلك على إنشاء صندوق إعانة أصحاب العقوبات البديلة، برئاسة رئيس الوزراء، ويختص بجبر الضرر، والتعويضات نيابة عن غير القادرين من المحكوم عليهم.

تحفظات حقوقية

بالعودة إلى مقترحات العقوبات البديلة التي تقدم بها علاء عابد؛ فقد قوبل مشروع القانون باستهجان واسع في الأوساط الشعبية والحقوقية لاعتبارات متعددة منها أن مقدم مشروع القانون هو ضابط شرطة سابق اتُّهم في قضية تعذيب أحد المواطنين عام 2005، كما قدمت ضده بلاغات إلى النائب العام في أعقاب ثورة 25 يناير تتهمه بالاتجار في الآثار. كما أبدى حقوقيون وساسة عدة تحفظات جوهرية تعصف بالمشروع وتدلل على مدى التصورات المشوهة في عقلية النظام والموالين له:

أولا، يستهدف مشروع القانون تقنين ما يمكن وصفه بإعادة نظام “السخرة” القديم لمصلحة المشروعات التي تنفذها الدولة، على غرار تسخير المواطنين في حفر قناة السويس في العهد الملكي، رغم نص الدستور الحالي على أن “العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل”. واعتبر بعض الحقوقين هذا الطرح “التشغيل بدون مقابل” كعقوبة بديلة للحبس الاحتياطي “عارا على الحركة الحقوقية” إذ اعتبر أن استبدال للحبس الاحتياطي بـ”العمل بالسخرة” . وطالب البعض بمعاقبة من تقدم بهذا الطرح الذي يناقض قيم حقوق الإنسان.

ثانيا، الحبس الاحتياطي من الأساس ليس عقوبة، ولكنه تدبير احترازي يمكن استبداله بإلزام المتهم عدم الخروج من منزله أو محافظته، أما العقوبة فتكون حين تصدر المحكمة حكمها؛ ولذلك ووجه مشروع القانون بانتقادات حادة؛ لأنه تعامل مع الحبس الاحتياطي باعتباره عقوبة في حد ذاته، وهو ما يتسق مع سياسات النظام العسكري الذي يتعامل بنفس المنطق المشوه، خاصة وأن هناك بين 25 إلى 30 ألف سجين احتياطي، من إجمالي عدد السجناء السياسيين الذي يقارب 65 ألفاً، في ظل إفراط القضاء في اتباع هذا الإجراء منذ انقلاب 3 يوليو 2013، بحسب “مركز دعم التحوّل الديمقراطي وحقوق الإنسان”.

ثالثا، وفق الإحصائيات الرسمية لا تجد رقمًا محددًا حول أعداد المحبوسين احتياطيًا في مصر ومن تجاوز منهم مدة الحبس الاحتياطي التي يحددها القانون، نظرًا لوجود حركة مستمرة بين الحبس وإخلاء السبيل، ولكن ذهبت تقارير بعض المنظمات الحقوقية، إلى أنه يوجد ما يزيد عن 1400 شخصًا على الأقل في السجون تعددت مدة حبسهم الاحتياطي المنصوص عليها بالقانون، حسبما ورد في تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. هؤلاء تخطوا المدة القصوى لهذا النوع من الحبس في أربع محافظات فقط، ولعل أبرزهم الصحافي والباحث هشام جعفر، الذي تجاوز مدة العامين في الحبس الاحتياطي في 21 أكتوبر 2017، من دون أن تحال قضيته للمحكمة المختصة حتى الآن، على رغم تدهور حالته الصحية.

رابعا، المشروع المقترح محاولة لتجميل القمع، حيث يسعى البرلمان لتجميل صورة النظام السياسي بالإيحاء بأنه يقوم بخفض أعداد المحبوسين، وتوفير تكاليف العمالة بالمشروعات الحكومية، ولكنه في الحقيقة مشروع قانون لتقنين السخرة في أبشع صورها، كما أنه محاولة من السيسي لإذلال معارضيه الذين يمثلون النسبة الأكبر من المحبوسين احتياطيا.كما يعد تنويعا لصور وأشكال الانتقام السياسي فبعد أحكام الإعدام والمؤبد ونهب الأموال يأتي الدور على تشغيل المعارضين في نظام أقرب السخرة والإذلال بدون مقابل ما يعني تحويل الحبس الاحتياطي إلى بيزنس لخدمة إمبراطورية الجيش والشرطة الاقتصادية على حساب الأبرياء والرافضين للنظام العسكري. كما يعد جهلا بالقانون والدستور ويؤكد أن النائب الذي كان ضابطا سابقا في جهاز أمن الدولة لا يعرف الفرق بين الحبس الاحتياطي وباقي العقوبات السالبة للحرية.

خامسا، مشروع القانون المقترح يحاول إيجاد حل للتكدس الموجود بالسجون المصرية نتيجة التوسع في اعتقال معارضي النظام الحالي بعد انقلاب يوليو 2013. فرغم بناء أكثر من 9 سجون مركزية والعديد من مراكز الاحتجاز التي تتسع لعدة آلاف، فإن أعداد المعتقلين في زيادة مستمرة، وبالتالي فإن القانون محاولة للبحث عن بدائل للخروج من هذا المأزق في ظل متابعة العالم لما يحدث بمصر من انتهاكات لحقوق الإنسان.

فلسفة الحبس الاحتياطي بين مبارك والسيسي

خلال حكم مبارك، كان قانون الطوارئ يسمح لوزير الداخلية بإصدار قرارات اعتقال دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وكان الرئيس اﻷسبق يستخدمها باستمرار ضد معارضيه السياسيين. آنذاك، كان اﻷمر أكثر سهولة: «في قرارات الاعتقال لا يوجد محام ولا عرض نيابة»؛ لكن ذلك لا يعني أن الحبس الاحتياطي لم يكن ضمن أدوات السلطة في التعامل مع السياسيين. تشير تقارير حقوقية نُشرت إبان حكم مبارك إلى وجود انتهاكات بخصوص سجناء سياسيين في ما يتصل بحبسهم احتياطيًا. ‎لكن اللافت أن معظم الانتهاكات وقعت خلال مدد حبس قصيرة لم تتخطَ بضعة أشهر.‎

ير الداخلية بإصدار قرارات اعتقال دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وكان الرئيس اﻷسبق يستخدمها باستمرار ضد معارضيه السياسيين. آنذاك، كان اﻷمر أكثر سهولة: «في قرارات الاعتقال لا يوجد محام ولا عرض نيابة»؛ لكن ذلك لا يعني أن الحبس الاحتياطي لم يكن ضمن أدوات السلطة في التعامل مع السياسيين. تشير تقارير حقوقية نُشرت إبان حكم مبارك إلى وجود انتهاكات بخصوص سجناء سياسيين في ما يتصل بحبسهم احتياطيًا. ‎لكن اللافت أن معظم الانتهاكات وقعت خلال مدد حبس قصيرة لم تتخطَ بضعة أشهر.‎

وكان نظام مبارك يعتمد على استراتيجيتين أساسيتين في إدارة الحكم:

1) اﻷولى يسميها «دولة القانون» تحاول الاستناد إلى معايير قانونية في معاملاتها.
2) الثانية «دولة الصلاحيات»، التي تُمكنّ السلطة من تطويع الأدوات القانونية الاستثنائية للبطش بمعارضيها إذا دعت الحاجة السياسية إلى ذلك. وكان نظام مبارك يستند إلى مزيج متوازن بين الإستراتيجيتين: الاعتقال اﻹداري كأداة «دولة الصلاحيات»، مقابل الحبس الاحتياطي كأداة «دولة القانون».

وفي سياق الحفاظ على هذا التوازن والاستجابة للضغوط السياسية الداخلية والخارجية، أدخل مبارك في عامي 2006 و2007 إصلاحات على النصوص المرتبطة بالحبس الاحتياطي في قانون اﻹجراءات الجنائية، بحيث وضعت حدودًا قصوى لحبس المتهم احتياطيًا. ووفق التعديلات الجديدة.

1) لا تتجاوز فترة الحبس الاحتياطي ستة أشهر في حالات الجنح
2) ولا تتجاوز 18 شهرًا في قضايا الجنايات
3) ترتفع إلى سنتين إذا كانت عقوبة هذه الجناية اﻹعدام، بحسب نص المادة 143 من القانون.
4) الاستثناء الوحيد كان إذا صدر حكم بالإعدام في المحاكمة اﻷولى، فيمكن حبس المتهم احتياطيًا دون حد أقصى في حالة قبول النقض على الحكم أو إعادة المحاكمة.

بالطبع لم تؤثر تلك التعديلات على أداة الاعتقال اﻹداري وقتما دعت الحاجة. لكن التطور الأبرز جاء بإلغاء حالة الطوارئ التي سمحت به في 2 يونيو 2012، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية بعض الصلاحيات الواردة في قانون الطوارئ، من بينها الاعتقال اﻹداري. صدر هذا الحكم قبل شهر من انقلاب 03 يوليو 2013م للحد من صلاحيات الرئيس المنتخب محمد مرسي في مواجهة أركان الدولة العميقة والحركات المعادية للديمقراطية مثل تمرد وجبهة الإنقاذ وغيرها والتي دعمت الإطاحة بالمسار الديمقراطي عبر تدخل الجيش، رغم أن المحكمة كانت تنظر هذا الطعن منذ عام 1993م.

وبد نجاح الانقلاب الذي جرى برعاية أمريكية كاملة ودعم لا محدود من القوى الإقليمية مثل (إسرائيل والسعودي والإمارات)؛ بات حكم الدستورية عقبة كؤود أمام السلطة العسكرية الجديدة. فقد أُغلق باب الاعتقال اﻹداري نهائيًا، ولم يبقَ سوى المسار القانوني الطبيعي: العرض على النيابة خلال 24 ساعة من بدء الاحتجاز، ثم توجيه الاتهامات، والسير في مسارات التحقيق والتقاضي. ولذلك اعتبر حكم الدستورية «هدفا أحرزته الدولة العميقة في مرماها».

سلطة الانقلاب بعد مرسي توصلت إلى قناعة بأن استراتيجية التوازن بين «دولة القانون» و«دولة الصلاحيات» كانت سببًا رئيسيًا في اندلاع ثورة يناير 2011. من وجهة نظر السلطة، فإن المجال الذي كانت تسمح به دولة القانون تسبّب في تحويل شرارة الحراك السياسي قبل الثورة إلى قنبلة انفجرت في وجهها. ولذلك، قرّرت السلطة التوسع في الاعتماد على «دولة الصلاحيات» لإعادة فرض السيطرة التي فقدها النظام بعد الثورة، وبالتالي تخلّت عن التوازن بين «القانون» و«البطش» الذي اعتمده مبارك. وظهرت تجلّيات التوجه الجديد في إقرار قانون التظاهر في نوفمبر 2013، والذي قيّد عمليًا حق المواطنين في التظاهر والاحتجاج، وتسبّب في حبس الآلاف منهم.

كما تعاملت السلطة مع أدوات الواقع الجديد. ففي سبتمبر 2013، أدخل المؤقت عدلي منصور تعديلًا على المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية؛ أضاف عقوبات المؤبد إلى اﻷحكام باﻹعدام كحالة يمكن عندها حبس المتهم احتياطيًا دون حدّ أقصى، في حال قبول النقض على الحكم أو إعادة المحاكمة. جاء ذلك التعديل لأن عقوبة المؤبد أكثر شيوعًا في حالات التهم السياسية من عقوبة اﻹعدام، وهو ما فتح الباب على مصراعية للحبس احتياطيا دون التزام بحد أقصى.

وفي فبراير 2018، أجرى مجلس النواب عدة تعديلات على قوانين الحبس الاحتياطي وسط بصيص من الأمل بأن توقف التعديلات هذه الفلسفة القمعية الاستبدادية لكن هذه التعديلات جاءت مخيبة لآمال الحقوقيين؛ وقد جاء النص على الحبس الاحتياطى فى مشروع القانون الجديد فى الفصل السابع منه تحت عنوان «أمر الحبس» بداية من المادة رقم 116، ولكن الأهم فيها هو ما جاء فى المادة 129 من هذا المشروع والتى جعلت الحد الأقصى للحبس الاحتياطى فى مواد الجنح ستة أشهر، وفى مواد الجنايات ثمانية عشر شهرا، وسنتين فى حالة ما إذا كانت العقوبة المقررة هى السجن المؤبد أو الإعدام، ثم جاءت المادة التالية رقم 30 لتفتح الباب على مصراعيه لمد مدد الحبس الاحتياطى دونما التقيد بالحدود المرسومة بالمادة السابقة.

وثمة عدة ملاحظات على هذا الإجراء:

1) أولا، ما جاء بهذه التشريعات قد فتح الباب على مصراعيه لجعل أمر الحبس الاحتياطى وهو من المفترض أنه فى حالة حدوثه أن يكون من الأمور المؤقتة، جعله ممددا دونما التقيد بأية حدود قصوى. وهي فلسفة يصير معها الحبس الاحتياطى عقوبة مسبقة قبل الحكم القضائى، توقع باسم القانون، وهذا ما يتنافى تماما مع قرينة البراءة والتى تعد من أصول المحاكمات الجنائية، والتى تستوجب أن يتمتع بها المتهم منذ لحظة القبض عليه، وحتى إسدال الستار بصدور حكم نهائى وبات فى الدعوى الجنائية.

2) ثانيا، تمرير مثل هذه التعديلات يتعارض كلية مع كل التطورات التى جاءت فى مجال العقوبات المقررة، والتى أخذت فى السير نحو التخفيف إلى حد كبير من العقوبات السالبة للحرية، فى حالة المحاكمة واستحقاق المتهم للعقاب، ولكن منظومة التشريع الحالية في مصر في مرحلة ما قبل المحاكمة تتجاوز كل الأطر ولا تضع سقفا للحبس الاحتياطى ونجعله مفتوحا على النحو السابق بيانه، وهو الأمر الذى يصيب العدالة الجنائية فى صميمها، ويأخذ من ثقة المتقاضين فى القضاء الجنائى، وثقتهم كذلك بالقانون.

3) ثالثا، إقرار اللجنة التشريعية للمواد المنظمة لعقوبة الحبس الاحتياطي كما جاءت من الحكومة يؤكد أن الأصل عند القائمين على وضع التشريعات وتطبيقها الآن هو التعامل مع «الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاتها وليس إجراءً احترازيًا لمصلحة التحقيق »، كما أن تمرير اللجنة التشريعية بالبرلمان لمواد الحبس الاحتياطي بهذه الصياغة «المطاطية» يعد مخالفة صريحة للدستور الذي ألزم بأن يتضمن القانون حد أقصى لـ «الحبس الاحتياطي». وينص الدستور في المادة 54 على أن «ينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه».

“أزمة تفسير المادة “380”

ورغم وضوح المواد الخاصة بمدة الحبس الاحتياطي في قانون اﻹجراءات الجنائية، إلا أن مادة أخرى قد تستخدم لتجاوزها. تنص المادة 380 من قانون اﻹجراءات الجنائية على أنه «لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره، ولها أن تأمر بحبسه احتياطيًا، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيًا». فالجدل حول هذه المادة لم يظهر إلا في السنوات اﻷخيرة بعد مرور فترة الحد اﻷقصى للحبس الاحتياطي. فالمادة لا تتعلق بالحبس الاحتياطي، لكن التحجج بها يشير إلى مأزق واجهه القضاة أنفسهم: فهناك متهمون لا يستطيع القضاء إخلاء سبيلهم بسبب حساسية موقفهم السياسي، وفي الوقت ذاته لا توجد طريقة للإبقاء على حبسهم أكثر من المدة القانونية؛ ولهذا أصبح «تطبيق نص الحد الأقصى [للحبس الاحتياطي] مُعلقًا على طبيعة القاضي أو طبيعة القضية دون أي معيار موضوعي أو إجرائي محدد» وهو ما جرى مع الدكتور صفوت عبدالغني وغيره فعندما اقترب حبسه الاحتياطي 4 سنوات، في أكتوبر 2018م، قرّرت دائرة إرهاب برئاسة المستشار حسين قنديل، إخلاء سبيل عبد الغني، واستخدام تدبير احترازي بديل تمثل في تحديد إقامته. إلا أن النيابة استأنفت قرار إخلاء السبيل، وتصادف أن ينظر الاستئناف نفس القاضي الذي أخلى سبيله قبل ثلاثة أيام. لكنه قرّر هذه المرة قبول استئناف النيابة وأمر بتجديد حبسه 45 يومًا. لم تكن تلك المرة اﻷولى. في ثلاث مرات خلال العامين الماضيين، قرّرت دوائر جنايات مختلفة إخلاء سبيل عبد الغني. وتقدمت النيابة باستئناف ضدها جميعًا، وانتهى اﻷمر دائمًا بقبول الاستئناف وتجديد الحبس استنادا إلى تفسير القاضي للمادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية؛حيث يرى بعض دوائر الجنايات وعلى رأسها دوائر الإرهاب أن هذه المادة تعني حق القضاة في حبس المتهم احتياطيًا دون التزام بالحد اﻷقصى. هذا التعسف في تفسير المادة دفع محامين إلى طلب تفسير من المحكمة الدستورية لحسم الخلاف لكن القانون لا يسمح للأفراد بتقديم طلب من هذا النوع وينحصر حق التقدم بطلب التفسير في النيابة ودوائر المحاكم ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب ومجلس الوزراء؛ ولما تقدم محامون باعتبارهم وكلاء عن متهمين بمذكرة إلى المحكمة الدستورية لم تلق استجابة حتى اليوم.

أسهم كذلك في زيادة معدلات الحبس الاحتياطي؛ التوجهات السياسية لكثير من القضاة وتوافقهم مع توجهات السلطة في ظل حالة الاستقطاب السياسي التي جرت في أعقاب انقلاب 30 يونيو وتعامل معظم القضاة مع الحبس الاحتياطي في القضايا السياسية بمنطق «ربما لا توجد خطورة في إخلاء سبيل المتهم، لكن اﻷكيد أنه لا ضرر من حبسه «احتياطيًا»!. وبذلك، أفضى المناخ السياسي بعد 30 يونيو 2013 إلى فرض قرارات حبس شبه ذاتية: لا ترتفع نسبها نتيجة تدخل سياسي بالضرورة لأن الأجهزة القضائية تقوم تلقائياً بذلك. خصوصا ما تسمى بدوائر الإرهاب التي خصصها النظام لمحاكمة الرافضين للانقلاب.

خلاصة الأمر أن من استفادوا من قوانين الحبس الاحتياطي هم مبارك وأركان نظامه وخرجوا بعد انتهاء مدد الحبس الاحتياطي المحددة وفق القانون، بينما يتم التعسف والتجاهل التام لهذه القوانين مع الرافضين للانقلاب والمعارضيين السياسيين في ظل توجهات فاشية بات فيها القانون مهدورا والدستور لا يساوي الحبر الذي كتب به.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...