التطبيع بوقاحة

منذ أدار الكاتب المسرحي المصري، علي سالم، حسب زعمه في تسعينيات القرن الماضي، محرّك سيارته (ماركة نيفا) وتوجه إلى الكيان الصهيوني، وصيغة الماجن للتطبيع لا تتغير: الذهاب لمعرفة الآخر من الداخل، بالمعايشة عن كثب، لا بالقراءة عن بعد.
حالة السقوط تلك تطورت مع الكاتب المسرحي، لكي يصف رافضي التطبيع بأنهم متخلفون عقليًا، لتصل فيما بعد إلى شيءٍ من الوقاحة، أو العهر التطبيعي، كانت ذروتها عقب صعود ثوار ميدان التحرير في أغسطس/ آب 2011 مبنى سفارة العدو الصهيوني، وإنزال العلم، وطرد السفير، فيما عرفت بليلة البطل الشعبي أحمد الشحات، حيث كتب علي سالم في صحيفة المصري اليوم ما اعتبرته أحط وأقذر ما كتب عن واقعة إنزال العلم القبيح من أعلى بناية سفارة العدو الصهيوني، ورفع علم مصر مكانه.
الكاتب المتيّم بالعلاقة الحرام بين الحكومة المصرية الغابرة والكيان الصهيونى عبّر عن انزعاجه من عملية السفارة بسيناريو رأى فيه شباب مصر ونساءها الفاضلات قطيعا من الحيوانات، فكتب يصف سيناريو افتراضى لما جرى فى قصة العلم ما يلي: إن أحد المتنازعين على شرف    إنزال العلم صرح بأنه فور نزوله بأن سيدة استوقفته فى أحد أدوار العمارة، وأعطته 500  جنيه مكافأة على بطولته، وأنها حسب رواية الزميلة “الوفد” أعطته قبلة.. والسيناريو لابد أن يكون قد مضى كالتالى: فى الطابق الذى يليه استوقفته سيدة أخرى، وأخذته بين ذراعيها، وغابت معه فى قبلةٍ طويلةٍ ومنحته مبلغا، ثم أخذت قميصه للذكرى. وفي الطابق التالي، فعلت سيدة أخرى الشيء نفسه، لكنها طلبت منه خلع بنطلونه، واحتفظت به للذكرى.
ويختم سالم مشاهد السيناريو الوضيع، بما يلي “ويخرج وينزل دورا، سيدة جميلة تسحبه داخل الشقة، وتعطيه 300 جنيه فقط وتعتذر، لأن ليس لديها فكّة، يقول لها: ولا يهمك يا ست هانم.. أديني بوس بالباقي”.
قصة  علي سالم انتهت، كما يليق بشخصٍ قرّر التربح من أوكار رذيلة التطبيع، فعاش حياته منبوذًا من الجماعة الوطنية، عارًا يلاحق أسرته، وحين مات لم يمش في جنازته خمسة أفراد. الآن، نحن بصدد أصنافٍ متطورة من منتج رديء “ماركة علي سالم”، تجده في عواصم عربية شتى، ويوجد بكثافة في سعودية بن سلمان وإمارات بن زايد. وأيضًا، وبكل أسف، فيما يعرف بمعسكر مناهضي الانقلاب في تركيا، بعد استدراج شابٍ يعمل في القنوات المصرية التي تبث من اسطنبول للسفر إلى الكيان الصهيوني، بالحجج ذاتها التي ساقها علي سالم (مصر) وأنور عشقي (السعودية) معرفة الآخر من الداخل، وعدم ترك المسجد الأقصى وحيدًا.
لكننا هذه المرة أمام طورٍ غير مسبوق من الوقاحة، يتجاوز وصف رافضي التطبيع بالتخلف العقلي، إلى معايرة الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بأنهم موجودون تحت سلطة الصهاينة، ويخضعون صاغرين لإجراءات التفتيش في المعابر والمطارات، ثم اتهامهم (الفلسطينيين) بمحاولة احتكار الوصاية على المقدّسات الفلسطينية السليبة، وفي مقدمتها المسجد الأقصى.
جرى اصطياد هذا الشاب عن طريق الصحافي الصهيوني الموجود بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، إيدي كوهين، بل يفاخر هذا الشاب بعلاقته الشخصية به. ويعلن ذلك باستمرار على شاشات مصرية معارضة للانقلاب في تركيا، من دون أن ينتبه أحدٌ إلى أن استضافة المطبّع والاحتفاء به، في مواعيد ثابتة، هو بحد ذاته قبول بالتطبيع، ومشاركة فيه.
ولم تكن هذه هي الحالة الوحيدة، إذ فعلها واحدٌ من صحافيي “الأهرام”، يعيش في باريس، ويعمل مراسلًا لصحيفة قطرية، وسافر سرًا إلى الكنيست الصهيوني، وحين انكشف أمره ردّد الأباطيل ذاتها الممتدة منذ خطوة علي سالم، لكن المفجع أن والد هذا الصحافي كان من صقور مقاومة التطبيع مع العدو، بل كان ممن أسهموا في تكوين المقاومة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي.
حاول هذا الشاب (الأهرامي) التواصل معي، زاعمًا أن أدرك خطأه، واعتذر، ويشكو من مقاطعة المصريين له، وطلب السماح له بتغطية مؤتمر في ذكرى ثورة يناير، فاشترطت عليه أن يصعد منصة المؤتمر، ويمسك بالميكروفون، ويعتذر لكل فلسطيني وكل عربي، ولروح والده المناضل القومي، فادّعى الموافقة، لكنه، كما توقعت، لم يأت.
هذا يعني مباشرة أن المسألة ليست زلات أقدامٍ من جيلٍ جديد من المطبعين مغرّر بهم، وإنما هو اختيار براغماتي واعٍ  ومدروس لأداء مهام تحرّض عليها جهاتٌ ما، هي نفسها الجهات التي تتعاطى سموم إيدي كوهين، وصهاينة “السوشيال ميديا” وتستعملها في إدارة الخلافات العربية العربية.
والحديث يطول في مواجهة طورٍ أكثر خطورة من أمراض التلوث التطبيعي.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...