{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}

الإخلاص أن تعمل الصالحات مع خوف عذاب الآخرة
قال الله تعالى في حق طائفة من الصالحين وهم الأبرار:{ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا} الانسان 11-8.
فهؤلاء لم يكونوا ليفعلوا الخير انتظار جزاء الناس وشكرهم، ولم يكن منهم منّ بتقديم الطعام والشراب والعون، إنما يصحب هذه الأعمال خوف من الله تعالى:{ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} فهم يطعمون الطعام وهم يخافون من ربهم يوم القيامة، ولم يكونوا شامخي النفوس، متعالين على من يقدمون لهم العون، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:{ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال:” لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات}. أخرجه شيخنا في السلسلة الصحيحة رقم 162.
لماذا تستجاب دعوة المظلوم والمضطر؟ وما معنى فرغ قلبه لله؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه” صحيح الجامع 3377.
وإذا تأملنا الأمر، وجدنا الداعي يخلص في دعوته، ويجمع قلبه في الدعاء ولا يشغله شاغل عن الإلحاح في دعوته، لأن يرى أنه لا بد من تحقيق استجابة دعائه، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم استجابة الدعاء بقوله:” ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه”. الأحاديث الصحيحة 594.
فالقلب الغافل اللاهي لا يستجاب له دعاء، والمظلوم لا يلهو قلبه عن دعوته لضرورته وفاقته، وكذلك المضطر فإن دعاءه مستجاب ولو لم يكن مسلما، قال تعالى{ أمّن يجيب المضطر إذا دعاه} النمل 62.
فليس مع المضطر مجال ليشغل قلبه ويلهو بغير ما اضطر إليه. فهو مخلص لحظة اضطراره مهما كان طغيانه وكفره.
ثم إنّ حديث مسلم يوضح لنا هذا الشغل الشاغل عن تحصيل الأفضل، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل” وكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر” فأتيناه فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن أجد ضالتي أحب إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم.
فهو ها هنا شغل بالضالة عن المغفرة له والإخلاص لله تعالى، ويحسن بنا في هذا المقام أن نورد حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدنا وضوحا لهذا الأمر وهو قوله صلى الله عليه وسلم:” ما منكم من رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض، ويمج، ويستنشق، فينتثر إلا جرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه الى المرفقين، إلا جرت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه كما أمره الله إلا جرت خطايا رجليه من أطراف أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه ومجّده بالذي هو أهله، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه” صحيح الجامع 5680.
فقوله صلى الله عليه وسلم:” فرغ قلبه لله” هو الشاهد هنا، وتفريغ القلب لله هو صرف الانشغال عما شواه وهو من كمال الإخلاص لله تعالى، فكل من المضطر والمظلوم يفرغ قلبه لله تعالى عند الدعاء فيستجيب الله تعالى لهما الدعاء جزاء إخلاصهما. ثم إنه كان من دعاء إبراهيم عليه السلام:{ لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} الأنعام 77، ودعا نوح عليه السلام ربه:{ إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} هود 47. فهذه أدعية لا بد من استجابتها وهي دعوات مضطر يترتب على عدم استجابتها ضلالة وخسارة، وهذه الصيغ من الدعوات، تدل على تفريغ قلب صاحبها لله تعالى وعدم انشغاله بسواها، وجعل همه استجابتها وتقديم ذلك على كل شيء، حتى إن الشيطان لما دعا الله تعالى بدعوة عظم الضلال فيها { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} الحجر 36، فإنه فرغ قلبه لله، وهي دعوة مضطرة لم يبق له إلا هي، وماذا يبقى له سواها إذن بعد ان خسر كل شيء؟ وماذا كانت النتيجة؟ { قال فإنك من المنظرين، الى يوم الوقت المعلوم} الحجر 37-38.


x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...