بل أنت عند الله غالٍ ..

لحظات تمر بنا نشعر عندها كأن الحياة توقفت ، وأن أنفاسنا قد ضاقت ، وأن الطرق جمعها قد انسدت ، وان شيئا من حولنا لم يعد له صوت أو اثر ..فقط ضوضاء لا معالم لها
 
ضعفاء نحن في لحظات الانكسار والصدمات والألم ، ضعفاء لدرجة التفتت والذوبان ، لاقوة لنا أمام المادة ، ولا حتى أمام الضرر ، نعجز فنمد ايدينا ، ونفتقر فنمدد ايدينا ، ونمرض فنمد أيدينا ، والله خير من امتدت له يد ..
 
ليس سوى الله سبحانه قادر على جبر الانكسار ، وشفاء المرض وإزالة الهموم ، فقد خاب وخسر من التفت عن رجاء ربه ودعائه واللجوء اليه وقت المعاناة ..
 
إن معنى الافتقار إلى الله والتبرؤ من الحول والقوة إلى حول الله وقوته ، لهو المعنى الذي ينطلق منه القلب الصالح في لجوئه إلى ربه واستنصاره واستعانته به .
 
هذا المعنى يحتاج إلى إيقاظه كل مؤمن في نفسه ، ويحتاج إلى التذكير به والوعظ به ودعم النفس به ، وتثبيتها وتقوية عزمها به ، فتهدا وتتوكل وتصبر وتستمر في سبيلها وتحقيق آمالها الصالحات .
 
 المؤمن القوي لاشك خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , ولا شك انه ينبغي على المؤمن أن يكون قويا على المستوى النفسي  , ثابتا على المستوى الانفعالي  , هادئا حكيما  , صابرا محتسبا .
 
 لكننا نحتاج دائما إلى لحظات دعم , ومواقف تثبيت , وكلمات تشجيع , ودعوات تحفيز، تعيد الينا النشاط وترد الينا الطموح وتذكرنا بالأمل ..
المنهج الإسلامي اهتم كثيرا بالدعم النفسي الإيماني في لحظات الضعف ، ولحظات الآلام , وراعى كثيرا احوال الناس في تلك الظروف العصيبة .
 
 فالقرآن الكريم يعيد الأمل لمن أسرف على نفسه بالذنوب , ويذكره برحمة الله الواسعة , وبأنه ليه ألا يقنط من رحمة الله ولا ييأس , بل عليه أن يخطو خطوة ولو بسيطة نحو التوبة والإنابة ..
 
 ” قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم “
   
ويداوي الجراح النفسية للمجروحين في غزوة أحد وحمراء الأسد , ويثبت قلوبهم ، ويعيد الثقة إليهم , ” الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم اخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ..”
   
ويثبت قلب النبي صلى الله ليه وسلم بذكر استجابة الله سبحانه لأنبيائه بينما هم في الصعاب والشدائد عبر سورة كاملة هي سورة الأنبياء .
  
وجاء النبي إلى رجل وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره، فقال: أرسلني، مَن هذا؟ فالتفت إليه، فلمَّا عرف أنه النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – جعل يلزق ظهره بصدره، فقال رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن يشتري هذا العبد؟))، فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسدًا، قال: ((لكنك عند الله لستَ بكاسد))، أو قال – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((بل أنت عند الله غالٍ)) اخرجه ابن حبان وصححه الألباني
   
وقريبٌ في معناه ما رواه أبو يعلى في “مسنده” من حديث ثابت عن أنس أيضًا قال: كان رجلٌ من أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يُقال له: جُلَيبِيب، في وجهه دمامة، فعرض عليه رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – التزويج، فقال: إذًا تجدني كاسدًا، فقال: ((غير أنك عند الله لست بكاسد)) اخرجه ابو يعلى
 
ويوم عاد جيش مؤته , ونعتهم البعض بالفرار , كونهم استطاعوا الانسحاب بالجيش , فقال النبي صلى الله ليه وسلم ” بل هم الكرار إن شاء الله “
 
وغير ذلك كثير من مواطن الدعم النفسي بالقول والفعل في منهج الإسلام
 
وأفضل ما يجب أن نهتم به فيما يخص الدعم النفسي هو التذكير بالله سبحانه وبالعقيدة يه , فالعودة إلى الله سبحانه ي أوقات الشدائد هي المنجا والملجأ الصحيح , وهي أول ما ينبغي أن يبتدىء به المؤمن ، قال سبحانه : ” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون “
 
والتذكير بدورة الحياة شىء حسن مهم , فالمرء الذي تمر به الشدة يرى الطريق مظلما منغلقا ، فنذكره بأن ” مع العسر يسرا ” وبأن الايام دول , وبأن أوقات الآلام تزول وتنقضي وهكذا ..
 
 وكلمات التحفيز مهمة للغاية في اللحظات المتوترة , وانظر لقول النبي صلى الله ليه وسلم في غزوة بدر ” والله لايقاتلهم اليوم رجل مقبل غير مدبر فيقتل إلا ويدخل الجنة “
  
وانظر إلى ثبيته لحسان بن ثابت في مواجهة المنافقين وهو يقول له : ” اهجم وهاجم ينافح عنك روح القدس ” اخرجه البخاري
 
 والحديث بالإيجابيات والصفات الحسنة المتميزة مؤثر إيجابي ايضا في لحظات الألم النفسي ، وانظر إلى كلمات النبوة لسعد بينما كان مريضا مرضا ينتظر فيه الموت , يقول له صلى الله عليه وسلم ” لعلك تخلف فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ” اخرجه مسلم ..
 
وبالفعل شاء الله له أن يمد له في العمر فينفع أقواما بالخير والهدى , ويضر آخرون من أعدائه من الفرس وغيرهم ويفتح الله على يديه القادسية وغيرها .


x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...