أبرزها تعديل الدستور.. 5 أدوات يستخدمها المستبدون العرب للبقاء بالسلطة

لم تكن عمليات التحررمن الاحتلال التي جرت للبلاد العربية في منتصف القرن العشرين حقيقية بقدر ما كانت إعادة رسم صيغة جديدة للعلاقة وصورة مستحدثة تجعل من الإمبريالية العالمية متحكمة في مقدرات وثروات بلادنا عبر وكلاء لها سواء كانوا مافيا عسكرية أو أسرة طامعة في الحكم؛ هؤلاء الوكلاء أسماؤهم كأسمائنا ويتكلمون بلساننا ويحملون جنسياتنا؛ لكن ولاءهم للغرب وضمان استمرار مصالحه حتى لو على حساب مصالح أمتنا وبلادنا؛ ما دام ذلك كفيلا ببقائهم في السلطة وداعما لتكريس عروشهم وتوريثها لأبنائهم من بعدهم.

ورغم أن هؤلاء الوكلاء والنخب الموالية لهم يعبرون باستمرار عن انبهارهم بالغرب ونظمه وحضارته وتقدمه ونهضته ويدعون بشتى الوسائل إلى ضرورة الأخذ بما أخذ به الغرب والمضي على طريقه كضمانة للتقدم بحسب قولهم ويحاولون التشبه بكل ما هو أمريكي أو أوروبي إلا أنهم لا يأخذون من الغرب إلا أقبح ما فيه من دعوات للتحلل الأخلاقي وتكريس العلمانية احتقارا للإسلام كشريعة والتشكيك باستمرار في أحكامه وقيمه والسخرية من شيوخه ودعاته. إما إذا ذكرت أمامهم مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد تراهم وجوههم تمعرت وألستنتهم تعثرت وبدا عليهم الاضطراب؛ وعندما يتم حصارهم بضرورة الأخذ بالديقمراطية واحترام حقوق الإنسان باعتبارها قيم غربية حث عليها الإسلام ودعا إليها ولا تخالف مبادئه وشرائعه تراهم مذبذبين وإذا ضغط عليهم يرفعون رايتها صوريا اضطرارا واستغلالا لتكريس استبدادهم وطغيانهم.

وخلال القرن الماضي ابتكر طغاة العرب سواء كانوا نخبة عسكرية أو ملكا عضودا يمارس الحكم بصلاحيات مطلقة عدة أدوات تمكنهم من التأبيد في السلطة متجاهلين نظم الحكم الرشيد مثل احترام إرادة الشعب والدستور الذي يتوجب أن يحقق التوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويضمن تداولا سلميا للسلطة بإرادة الشعوب، إضافة إلى الانتخابات والمجالس التشريعية والمحلية، وأدوات المراقبة الشعبية والمحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة والكفاءة.

وعبر “5” أدوات تمكن طغاة العرب على مدار القرن الماضي من ضمان تأبيدهم في السلطة.

أولا، تعديل الدستور لمدة بقائهم في السلطة: حيث يُعد تعديل الدستور، سواء من خلال زيادة عدد فترات تولى منصب الرئاسة، أو إلغاء تقييد عددها، وسيلة مستخدمة للالتفاف على بعض دساتير البلدان العربية، التي رهنت بقاء الرئيس في منصبه بعدم تجاوز فترات ولاية محددة.
وشهدت الدساتير العربية تعديلات سابقة لضمان بقاء الديكتاتور فترة أطول مثلما فعل الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما عدل المادة 77 من الدستور؛ لتسمح له بالبقاء رئيسًا لمدد غير معلومة، وكذلك الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي استفاد من التعديل الذي أجراه السادات، ثم أدخل هو الآخر تعديلات على نظام الترشيح في عام 2005. ينضم إلى القائمة بشار الأسد، الذي انعقد مجلس الشعب السوري عقب وفاة والده في يونيو سنة 2000 من أجل إقرار تعديل في الدستور؛ لخفض سن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية من 40 عامًا إلى 34 عامًا؛ وذلك كي يتمكن الأسد الابن من شغل منصب الرئيس خلفًا لوالده. وقبل اندلاع التظاهرات الحالية كانت السودان قد شهدت تحركات من أجل تعديل المادة 57 من دستور 2005، والتي تنص على أن «أجل ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات تبدأ من يوم توليه لمنصبه، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب»، وذلك تمهيدًا للطريق أمام الرئيس عمر البشير من أجل الترشح في انتخابات عام 2020، رغم عدم جواز الترشح طبقا للدستور الحالي.

ويتشابه ذلك مع ما وقع في تونس خلال فترة حُكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي؛ إذ اتجه نظام حُكمه لإدخال تعديلات جوهرية على الدستور من أجل التمديد لفترة حكمه، بعد أن تنتهي ولايته عام 2014، خصوصًا أن دستور تونس لا يسمح بالتقدم للانتخابات الرئاسية إذا كان سن المرشح يفوق 75 عامًا، وهو ما كان يعوق تُرشح زين العابدين على اعتبار أنه سيبلغ 78 عاما في انتخابات 2014. وقد حال دون إدخال هذه التعديلات وقوع الثورة التونسية، التي اندلعت أحداثها في 17 ديسمبر عام 2010، وأطاحت حينئذ بنظام حُكم بن علي.

وعلى خطى هؤلاء الطغاة يمضي زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي من أجل تمرير تعديلات دستورية تفضي إلى تأبيده في الحكم ومنحه صلاحيات مطلقة ومزيد من توريط المؤسسة العسكرية في الحكم والسياسية وجعلها وصيا على الشعب بدعوى “صون الديمقراطية والدولة المدنية”! رغم أن الحكم القائم هو عسكري جبري لا علاقة له لا بالديمقراطية ولا بالدولة المدنية!

ثانيا، التأبيد في السلطة لاستكمال الانجازات، فالنظم المستبدة تروج للعديد من المخاوف “الوهمية” لتهيئة شعوبها بحتمية بقاء “الزعيم” على رأس السلطة فترات أطول، وذلك عبر بث خطاب إعلامي في وسائل الإعلام الموالية لها، عبر حديث يروج إلى أن نهاية ولاية الرئيس الحالي؛ تعني غياب الشخص القادر على إدارة شؤون البلاد، وربط ذلك باستمرار المخاطر التى تحول دون تغيير من يشغل منصب رئيس الجمهورية. وتباينت هذه الوسائل من دولة لأخرى، وذلك على حسب الظرف السياسي التي تعيشه، ففي مصر بعد انقلاب 30 يونيو 2013م روجت وسائل الإعلام لخطر ما يسمى بالإرهاب، وضرورة بقاء السيسي لاستكمال الحرب على هذا الإرهاب الذي غذاه فعليا ورعاه وبث فيه الروح، رئيس الانقلاب نفسه الذي أسس نظامه على انقلاب على ظهور الدبابات بعد أن أهدر الإرادة الشعبية الحرة. وفي مقال منشور لرئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم» ياسر رزق، وأحد المُقربين من السيسي، أشار الصحافي إلى أن «تصور الإخوان قائم على أن السيسي حين تنتهي رئاسته في الموعد الدستوري الذي يرتضيه الشعب، سيجلس في منزله يشاهد التليفزيون أو يدون مذكراته، وسيكتفي بأن ينزوي في الظلال تاركًا مصائر البلاد والعباد نهبًا لأهواء أصحاب الهوى».

وفي الجزائر أطلقت أحزاب سياسية موالية للسلطة مبادرة سياسية بعنوان: «الاستمرارية في إطار الاستقرار والإصلاح»، وذلك بهدف دعم برنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ودعوته إلى الترشح لعهدة رئاسية جديدة. رغم أنه يشغل منصب رئيس الجزائر منذ عام 1999 وقد تعرض لأكثر من وعكة صحية جعلته غير قادر على المشي، لكنه – وبالرغم من ذلك – ترشح في انتخابات عام 2014 وفاز بولاية رابعة، ولا يزال طامحًا إلى الترشح لولاية خامسة مدعومًا بالخطاب السياسي والإعلامي، الذي تروجه الأحزاب الموالية له بحتمية استمراره منعًا من تعرض البلاد لأية مخاطر سياسية.

ثالثا، توظيف الدين سياسيا لتكريس شرعية الحكم، حيث ابتدع بعض الأسر الحاكمة وسائل إضافية لترسيخ شرعية الحُكم، مثل توظيف الدين؛ فعلى سبيل المثال استخدم آل سعود رجال الدين الوهابيين في إضفاء الشرعية على حكمهم، وإصباغ صبغة القدسية على الملك باعتباره «خادم الحرمين الشريفين»، وكذلك فعل المَلِكَان في الأردن والمغرب، واللذان يعود نسبهما إلى النبي محمد، ويستخدمان ذلك لتكريس شرعيتهما. ينضم إلى الحالات السابقة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي روج لكون نسبه يعود إلى النبي، واستكمال ذلك الادعاء بتشكيل نقابة للأشراف يرأسها، قبل أن يُجرد من هذا النسب عقب سقوط حكمه.

رابعا، زعيم الثورة، حيث أتاحت فكرة الانقلابات العسكرية ومنحها الشرعية وتبريرها تحت دواعي حماية الأمن القومي في بعض البلدان العربية دافعًا قويًا لاستمرار هذه الأنظمة فى الحُكم لسنوات طويلة، وذلك من خلال تنصيب الرئيس قائدًا أعلى لهذا الانقلاب الذي يتم تسويقه في الأوساط الإعلامية الموالية له بـ«الثورة».

وتُعد مصر في عهد الطاغية جمال عبدالناصر نموذجا أعلى لهذه الصورة الاستبدادية وكذلك مضى عل خطاه طاغية ليبيا معمر القذافي وطاغية سوريا حافظ الأسد وجنرال الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي الذي انتقل من مربع الاستبداد إلى الديكتاتوري فالطغيان.

خامسا، نموذج “حزب السلطة”، حيث شكلت وسيلة انضمام الرئيس إلى حزب سياسي أو تأسيسه كالحزب الوطني في مصر، صيغة مُبتكرة لتعزيز بقاء الحاكم في منصبه؛ إذ سرعان ما يتحوّل هذا الكيان السياسي إلي حزب للسلطة تمنحه الأجهزة الأمنية أغلبية بقوة التزوير في كافة الانتخابات على اختلاف مستوياتها، باعتباره هدفًا لاستمرار حُكام الدول العربية لعقود طويلة. وقد لعبت هذه الأحزاب أدوارًا متعددة؛فالأغلبية البرلمانية أداة فى يد رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، وكذلك استصدار أي تشريع يسمح لها بالبقاء لمدد طويلة، أو تسهيل مهام غير شرعية في صورة قانونية؛ عبر منحها غطاء قانونيًا باستصدار تشريعات مشبوهة تمنح الطاغية صلاحيات مطلقة وتفضي إلى تأبيده في الحكم ضد رغبات الشعوب المقموعة والطامحة في نظم حكم رشيدة تحترم قيم الأمة وتعبر عن تطلعات الشعوب وتحكم كمواطنين لا أنصاف آلهة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...