ونيسرك لليسرى

قال تعالي : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) – الأعلي –
قال ابن كثير في تفسيره : }وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8){ – أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله , ونشرع لك شرعا سهلا سمحا مستقيما عدلا , لااعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :\”إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ\” رواه البخاري
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي – رحمه الله :- 
ما أعظم هذا الحديث وأجمعه للخير والوصايا النافعة والأصول الجامعة ، فقد أسّس صلّى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير ، فقال: ( إن الدين يسر ) أي : ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله ، وفي أفعاله وتُروكه : 
فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره : هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب ، وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب .
وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق وأصلح الأعمال ، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة ، وبفواتها يفوت الصلاح كله ، وهي كلها ميسرة مسهلة ، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ولا تكلفه . فعقائده صحيحة بسيطة ، تقبلها العقول السليمة ، والفطر المستقيمة . وفرائضه أسهل شيء .
– وفي هديه – صلي الله عليه وسلم – في اللباس والطعام والشراب والفراش وغيرها ما يعبر عن اختيار اليسر , فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما .
وإن اليسر كلمة لها معنى واسع تحتمل الكثير من المعاني التي تدل على السهولة , والسعة , والخفة , وعدم المشقة , و الدين الذي أرسل به رسول الله – صلي الله عليه وسلم – يسر كله ويدعو إلي اليسر في كل شيئ } يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ{- البقرة 185-
و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \” رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى \”- رواه البخاري –
والمؤمنون بعد ذلك صنفان :
(1) الصنف الأول :الذي ييسره الله لليسري : 
– يمضي في حركة يسيرة لطيفة هينة مع الوجود كله , ومع الأحداث والأشياء والأشخاص , ومع القدر الذي يصرف الأحداث والأشياء والأشخاص , فتري اليسر في يده .., واليسر في لسانه .. , واليسر في خطوه .. , واليسر في عمله .. , واليسر في تصوره .., واليسر في تفكيره .., واليسر في أخذه للأمور .., واليسر في علاجه للأمور .. , واليسر مع نفسه .., واليسر مع غيره …. .
قال تعالي : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)) – الليل – أي نرشده لأسباب الخير والصلاح، حتى يسهل عليه فعلها . ( القرطبي )
– فالذي يعطي من ماله , ويعطي من جهده , ويعطي من وقته , ويعطي من حياته كلها , فيجعل حياته ومماته لله رب العالمين , ويتقي ربه في نفسه وماله ووقته وكل حياته , ويصدق بالحسني وما وعد الله علي العطاء والتقوي من جزاء , يكون قد بذل أقصي ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها , وعندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه سبحانه علي نفسه بإرادته ومشيئته , والذي بدونه لا يكون شيئ , ولا يقدر الإنسان علي شيئ , واستحق كذلك موعود الله تبارك وتعالي .
– ومن يسره الله لليسري فقد وصل .. , وصل في يسر وفي رفق وفي هوادة .., وصل وهو بعد في هذه الأرض .., وعاش في يسر ….,
يفيض اليسر من نفسه علي كل من حوله , وما حوله .., اليسر في خطوه .., واليسر في طريقه .. , واليسر في تناوله للأمور كلها .. فتراه ينتظرها في صبر , ويواجهها في جرأة , ويعلو عليها في ثقة , ويفضها في سهولة ويسر وبساطة , ويذهب عنها التعقيد, لتبدو هينة لا تحتاج إلي ضجة ولا إعنات , ثم التوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها , وهي درجة تتضمن كل شيئ في طياتها , حتي تسلك صاحبها مع رسول الله – صلي الله عليه وسلم – في وعد ربه له (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) .
– ويعطي في كل وقت ما يقتضيه ذلك الوقت من واجبات , فإن كان مقتضي الوقت إنفاق المال كان أسرع الناس وأسخي الناس , وإن اقتضي بذل الجهد كان أول الصف , وإن اقتضي بذل الوقت ترك ما في يده وانطلق يركض إلي الواجب المطلوب , فحيثما اقتضي الوقت بذل ,
– حتي لو اقتضي الوقت أكثر من واجب لا يتأخر , و يجود به طيبة به نفسه , سخيا به قلبه ، يود لو كان له أضعاف أضعافه فينفقه في سبيل الله ، مستبشرا ببيعه الذي بايع الله به .فإذا لم يجد شيئا تولي وعينه تفيض من الدمع حزنا ألا يجد ما ينفق. 
عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال : \”هل منكم أحد أصبح صائما ؟ \” فقال عمر: يا رسول الله لم أحدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطرا ,فقال أبو بكر: لكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائما ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \”هل منكم اليوم أحد عاد مريضا ؟ \” فقال عمر : يا رسول الله صلينا ثم لم نبرح فكيف نعود المرضى ؟ , فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف اشتكي فجعلت طريقي عليه حين خرجت إلى المسجد لأنظر كيف أصبح ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \”هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ؟ \” فقال عمر : يا رسول الله صلينا ثم لم نبرح, فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز شعير في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \” أنت فأبشر بالجنة \” , فتنفس عمر فقال: واها للجنة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة رضى بها عمر : \” رحم الله عمر , رحم الله عمر, لم يرد خيرا قط الا سبقه أبوبكر \”. (مجمع الزائد للهيثمي )
وهكذا يكون حال من يسره الله لليسري , حركة دائبة , وجهد متواصل , دون كلل أو ملل أو أدني شك فيما هو عليه من الحق المبين , يغتنم كل خير يسره الله له فيقوم به علي الوجه الذي يرضي ربه .
يقول الإمام البنا عن حال هذا الرجل أنك :
(تراه في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل ، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي بالكرة , أو يدرب علي العدو أو يمارس السباحة ، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص .
يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس , فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس , و إذا هو في صلاة الجمعة يخطب بمنفلوط , فإذا هو في العصر يحاضر بأسيوط , و بعد العشاء يحاضر بسوهاج , ثم يعود أدراجه هادئ النفس مطمئن القلب يحمد الله على ما وفقه إليه و لا يشعر به إلا الذين استمعوه .- المؤتمر الخامس-
وقد حكي عنه أنه :
كان لا يجهده السهر , ولا يتعبه السفر , وكان أعجب ما فيه صبره على الرحلات في الصعيد ، هذه الرحلات التي لا تبدأ إلا في فصل الصيف ، حيث تكون بلاد الوجه القبلي في حالة غليان ، وفي أحشائها يتنقل الرجل بالقطار والسيارة والدابة وفي القوارب وعلى الأقدام، 
وهناك تراه :-
غاية في القوة واعتدال المــــــــزاج، لا الشمس اللافحة ولا متاعب الرحلة تؤثر فيه ، ولا هو يضيق بها , وتراه منطلقاً كالسهم ، منصوب القامة ، يتحدث إلى من حوله ويستمع ويفصل في الأمور\”- الرجل القرآني-
– فتري اليسر في يده ساعة الإنفاق , واليسر في رجله ساعة السعي وبذل الجهد , واليسر في عقله وفكره فلا يتردد ولا يجد في صدره حرجا مما يقوم به من واجبات , حتي ليفيض اليسر علي ثوبه ودابته وكل من حوله وما حوله , حتي يلين منه الجلد قال تعالي : }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23){- الزمر-
فيأتي بالعمل الكبير والإنتاج الوفير في وقت قصير , يتحرك كأنه فلك إنساني يدور مع الكواكب ، يعمل ويوجه ، وينظم وينتج في لحظات ما يقصر عنه غيره في شهور وسنوات .., يركض إلى الله حين يمشي العاملون .., ويثب إلى الله حين يركض المخلصون .. , ويطير إلى الله حين يثب المصلحون .., يختزل الحياة اختزالاً ، كأنما يسابق الأفلاك في دورانها ، خطواته خطوات العماليق ، وجهاده جهود أمة كاملة لا فرد محدود ،
فيعمل ما يعجز مثله عن الإتيان به في نفس الوقت وبنفس الإمكانات وفي نفس الظروف ( رب عمر قصرت آماده واتسعت أمداده ) (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)(البقرة:276).
– وجوده رحمة لمن حوله فأمره إلي يسر وكذلك أمر من يحيط به ، يقول عَوْنَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ : ذَاكِرُ اللَّهِ فِي غَفْلَةِ النَّاسِ كَمَثَلِ الْفِئَةِ الْمُنْهَزِمَةِ يَحْمِيهَا الرَّجُلُ ، لَوْلا ذَلِكَ الرَّجُلُ هُزِمَتِ الْفِئَةُ ، وَلَوْلا مَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي غَفْلَةِ النَّاسِ هَلَكَ النَّاسُ \” .) , و(إذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعا ) , لأنه لا يفكر إلا في الخير , ولا ينوي إلا الخير , ولا يعمل إلا الخير .فينطلق في حياته وأموره كلها يسر في يسر , فلا تعوقه عوائق مهما كانت , بل يتغلب عليها باليسر الذي جبل عليه بتوفيق من ربه عز وجل , 
(2) الصنف الثاني :الذي ييسره الله للعسري : 
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إذَا تَرَدَّى (11))- الليل –
أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها (القرطبي )
– فالذي يبخل بنفسه وماله , ويستغني عن ربه وهداه , ويكذب بدعوته ودينه , وما وعد الله علي العطاء والتقوي وعمل الخير والبر يبلغ أقصي ما يبلغه إنسان بنفسه من تعريضها للفساد , ويستحق أن يعسر الله عليه كل شيئ , فييسره للعسري , ويوفقه إلي كل وعورة , ويحرمه كل تيسير , ويجعل في كل خطوة من خطاه مشقة وحرجا ينحرف به عن طريق الرشاد , ويصعد به في طريق الشقاوة , وإن حسب أنه سائر في طريق الفلاح .
– فتراه تثقل يده … , ورجله … , ويقف عقله وفكره وكيانه كله عن فعل الخير , وإن فعل شيئا من ذلك فعله كارها متكاسلا }وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54){- التوبة –
– ينشط للمعصية ويكسل , بل يشمئز من الطاعة ومن دعا إليها }وَإذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45){- الزمر -, وذلك لأن الله يثبطه ويقعده ولا يريده مع من كتب لهم اليسري} وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47){ – التوبة –
ومن وصايا الإمام البنا للحاج أمين الحسيني :
( إن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية , مستور المطامع , مجروح الماضي , فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة , حائل دون التوفيق ………….. ) 
– يفرح بالتخلف عن الخير بل يدعو غيره للتخلف معه }فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِى الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81){- التوبة -, لأنه لا يفكر إلا في الشر ولا ينوي إلا الشر ولا يعمل إلا الشر .
– لا يجد من يأخذ بيده إذا عثر, بل يجد أعوانا له علي الشر بيسر وسهولة , وإنما هو يعثر فيتقي العثار بعثرة أخري تبعده عن طريق الله , وتنأي به عن رضاه , فلا ينجو من شدة إلا وانتظرته أخري أشد , ولا يخرج من حفرة إلا وقع في أخرق أعمق منها , فهو في عثار دائم , فإذا تردي وسقط في نهاية العثرات والانحرافات لم يغن عنه ماله الذي بخل به , والذي استغني به كذلك عن الله وهداه .
– والتيسير للشر والمعصية من التيسير للعسري وإن أفلح صاحبها في هذه الأرض ونجا , وهل أعسر من جهنم ؟ وإنها لهي العسري ,,,, فإن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق له ومن قصد الشر بالخذلان , وكل ذلك بقدر مقدر .
وفي الصحيحين والترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي الْبَقِيعِ ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : \” مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُهَا \” ، فَقَالَ الْقَوْمُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ ؟ قَالَ : \” بَلِ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاءِ ، ثُمَّ قَرَأَ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)) – الليل – \” 
وختاما :
إنما نذكر بهذا المعني والكل به عليم لأن الأمة – والإخوان المسلمون في القلب منها – بصدد مرحلة حاسمة تحتاج رجالا علي صلة بالله تعالي لييسر الله لهم وبهم سبيل النهوض من جديد , بعد أن ابتليت الأمة في العقود الماضية بأناس منقطعي الصلة بالله , سموا أنفسهم زعماء وقادة , 
بيد أنهم في الحقيقة زعماء خلقتهم الظروف , وزعمتهم الحوادث فحسب , فلم يفهموا طبيعة المرحلة التي عاشوها , ولم يعرفوا مقتضياتها , وجهلوا حقيقة الشعب وطبيعته , فأرادوا أن يستعجلوا النتائج قبل الوسائل , وخدعتهم غرارتهم بقيادة الشعوب ومكائد السياسة , فظنوا السراب ماء , وجروا وراءه حتى إذا جاءوه لم يجدوا شيئا بعد إنفاق الجهد وتضحية الوقت وفناء الزاد , فتراجعوا بالأمة وتقهقروا وخسروا ولم يربحوا.
هذه المرحلة الجديدة تقتضي :
إصلاح ما أفسدوه , وإعمار ما خربوه , وبناء ما هدموه , ووصل ما قطعوه , وحفظ ما ضيعوه من مقدرات الأمة وثرواتها , وإحياء ما أماتوه من قيم وأخلاق هي أصول في نفوس هذه الأمة العظيمة , والعمل علي العودة بالأمة إلي مصدر عزتها , وأساس رفعتها , وسبيل نهضتها وهو الدين العظيم الذي أكرمها الله به , 
وتلك تبعة عظيمة ومهمة ثقيلة ينبغي أن لا نستهين بها لأنها هي : الأمرالهائل العظيم . . أمر رقاب الناس . . أمر حياتهم ومماتهم . . أمر سعادتهم وشقائهم . . أمر ثوابهم وعقابهم . . ….
أمر هذه البشرية التي :
– إما أن تبلغ إليها الرسالة فتقبلها وتتبعها فتسعد في الدنيا والآخرة ,
– وإما أن تبلغ إليها فترفضها وتنبذها فتشقى في الدنيا والآخرة ,
– وإما ألا تبلغ إليها فتكون لها حجة على ربها , وتكون تبعة شقائها في الدنيا وضلالها معلقة بعنق من كلف التبليغ فلم يبلغ !
فمن ذا الذي يستهين بهذه التبعة ? وهي تبعة تقصم الظهر , وترعد الفرائص , وتهزالمفاصل ?! 
فلا استمرار فيها إلا بعون الله , ولا تحمل لها إلا بمدد منه سبحانه , ولا ثبات عليها إلا بإخلاص الوجه له ,
فصاحب هذا الطريق :
نهاره صيام , وليله قيام , وكلامه أذكار , وحياته ومماته لله رب العالمين .
وتلك مهمة لا ينهض بها إلا كل صبار شكور صاحب قلب موصول بالله , يكون ممن( أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)) ليحصد والأمة معه (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7))- الليل –
فماذا نحن فاعلون في هذه المهمة الثقيلة ؟
فهما طريقان ونهايتان
فاختر لنفسك ولأهلك ووطنك وأمتك إحدي الخطتين , وأنزلها في إحدي المنزلتين , 
والله يختار لك , ويهدينا جميعا سواء السبيل .
}وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ (69){- العنكبوت –
x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...