أوقفوا ماكينة الإعدام

فى أقل من أسبوعين يُنفذ حكم الإعدام فى ستة من خيرة شباب مصر، فى قضيتين مختلفتين تم تلفيقهما على الأطهار حافظى كتاب الله. القضية الأولى هى قضية مقتل نجل أحد القضاة بمدينة المنصورة، وقد جىء بالثلاثة البرآء؛ لا لشىء إلا لأنهم من رموز الإخوان بالمنطقة التى وقعت بها الجريمة، وعُذبوا عذابًا شديدًا وهُددوا بنسائهم وأخواتهم حتى اعترفوا بالقتل، ورغم تصريح القاضى (والد القتيل) بأنهم لم يقتلوه وأن ابنه مات قضاء وقدرًا –حسب قوله- فإن ماكينة القتل التى أُعدت سلفًا لقتل شباب المسلمين لم تسمع لصوته وأسرعت بإعدامهم جميعًا.
أما القضية الأخرى فهى قضية مقتل اللواء نبيل فراج، وقد أعدموا فيها منذ يومين ثلاثة من أبناء كرداسة (محمد سعيد فرج، صلاح فتحى حسن، محمد عبد السميع حميدة) وأيضًا لم يسمع المجرمون لما قاله الطب الشرعى فى تقريره؛ حيث برأ الثلاثة، متهمًا زملاءه بقتله، مؤكدًا أن القتل كان من المسافة (صفر)، وأنه مُتَعمد إذ القتيل كان يرتدى واقى الرصاص.
ومن قبل أعدموا -بدم بارد- ستة من شبابنا فيما عُرف بقضية (عرب شركس) ولم يسمعوا وقتها لدفاع الشباب عن أنفسهم، وأسرعوا بإعدامهم؛ ليتضح فيما بعد أن الاعتداءات التى وقعت على أفراد الشرطة العسكرية واتُهموا هم بها، نفذتها مجموعة من تجار المخدرات كانوا قد اشتبكوا مع أفراد القوة فى وقت سابق وقد عادوا للانتقام منهم يوم وقوع الجريمة.
من الواضح إذًا أن الغرض من القتل هو (القتل لأجل القتل)؛ دون بينة، وأن المحاضر والمحاكم والدفوع والجلسات إن هى إلا تمثيلية لإقناع الرأى العام والقائمين على تنفيذ هذه الإعدامات أن هؤلاء متهمون حقيقيون. وللأسف الرأى العام عندنا لا زال فى طور الجهل، ولو لم تقتنع طائفة منه بهذه التمثيليات فهناك طوائف تكفيها هذه البهرجة للاقتناع.
لقد توسّع الفاشيون فى تصفية الشباب المسلم حتى لم تبق وسيلة لقتله إلا قتلوه بها؛ بدءًا من قنصهم فى المسيرات، مرورًا بالمذابح المتتالية حتى المذبحة الكبرى فى رابعة والنهضة -حيث قتلوا فى ساعات نحو ثلاثة آلاف من هؤلاء الأطهار-؛ وصولًا إلى القتل بالتعذيب فيما عُرف بـ(حوادث الاختفاء القسرى)؛ حيث بتم القبض على الشباب وتعذيبهم حتى الموت، ثم تجمع جثامينهم فى المشرحة ليقوموا بعدها بتلفيق حادث يدّعون قيام البرآء بارتكابه ليبرروا للرأى العام تصفيتهم، وآخرها حادث أتوبيس السياح الفيتناميين بمنطقة الهرم.
وهذا ثمن يدفعه الإخوان المسلمون والمتعاطفون معهم وأبناء التيارات الإسلامية الأخرى، مثلما دفعوه على أيدى العسكر فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وقد أعملوا فيهم ماكينة القتل على مدى عشرين سنة، وكما يُقتل الشباب الآن تحت التعذيب ويدّعون قيامهم بأعمال إرهابية؛ فكذلك كانوا يقتلونهم تحت التعذيب ويدّعون هروبهم من المعتقل، وقد اعتادوا دفنهم فى صحراء مدينة نصر، وهو سر عثور أهالى هذا الحى –فيما بعد- على مئات الهياكل العظمية أثناء الحفر لتشييد منازلهم.
نعم وقع تعذيب وقتل فى الخمسينيات والستينيات، لكن لم يكن بهذا الإجرام وتلك الخسة، فعدد الذين عُلقوا على المشانق فى محنة 1954 كانوا ستة إخوة، وفى محنة 1965 كانوا ثلاثة، أما اليوم فنتحدث عن آلاف قُتلوا عمدًا منذ 2013 وحتى الآن، غير مئات ينتظرون حكم الإعدام (بالقانون!!)؛ منهم (62 أخًا) أكد النقض إعدامهم، وهم برآء من كل التهم الموجهة إليهم، ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله. فهل ننتظر قيام هؤلاء المجانين بإعدامهم كما أعدموا إخوانهم الاثنى عشر؟ وكما أعدموا البرىء محمود رمضان من قبل؟
أقول: أنقذوا إخوانكم من هذا المصير، لا تجمعوا على الضحايا القتل والقهر، قد يستعذب الشهيد القتل فى سبيل الله لكن يقهره عجز إخوانه. افضحوا المجرمين، وأعلوا صوتكم على صوت الملهيات التى يخدرون بها الشعب كى تمر هذه الإعدامات من دون ضجيج؛ من كورة وأفلام إباحية ومعارك وهمية. بينوا للناس المنشغلة بمعاشها وبهذه التوافه حقائق هذه القضية. رددوا أسماء الشهداء والمحكومين، واشرحوا للناس خطر التمادى فى هذا الإجرام؛ على البلد وعلى مصالحهم الشخصية، وأن هذه المؤامرة لا تستهدف الإخوان وحدهم، إنما تستهدف الإسلام فى المقام الأول، كما تستهدف استقرار البلد وبقاءه.
أعلم أنها مؤامرة دولية، وما كان لهم أن يقتلوا أخًا واحدًا دون الحصول على إذن بذلك، لكن تعلمنا أنه يمكن إفساد مثل هذه المؤامرات لو كان هناك إخلاص فى السعى لإفسادها. ليكن لكل واحد منا دور فى توصيل القضية إلى الآخرين، فى الداخل والخارج، وشغل العالم بها، وإقحامها على الإعلام الخارجى ومنتديات التواصل الاجتماعى، وعلى المنظمات الحقوقية والمحافل المهتمة بحقوق الإنسان.
نحن واثقون –تمام الثقة- بأن هذه الدماء (عربون) التمكين وزوال حكم المجرمين، وأن الشهداء فى منزلة جليلة نالوا بها ما لم ينله الأولون والآخرون، لكننا مأمورون بالغلبة على هؤلاء الفاسدين، ودفع الظلم عن المظلومين، وكف الأذى عن المستضعفين، وحماية الدين من المتربصين، وأن أى تقصير فى هذا الدور سيدفع ثمنه الجميع، فضلًا عن وزره وتبعاته أمام الله رب العالمين؛ فإنه فرض عين، وأى فرض أولى وأحق من فريضة التصدى لعملاء مجانين تمكنوا من رقاب المسلمين؟

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...