الوفاء و الفداء

أمية بن خلف همَّ بالنكوص عن الخروج لمحاربة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في بدر ؛ فما كان من صديقة الحميم عقبة بن أبي معيط حين علم نبأ تخاذله و تقاعسه إلا أن جاء إليه حاملا مجمرة في يمينه ، حتى إذا واجه أمية و هو جالس وسط قومه ، ألقى المجمرة بين يديه و قال له : يا أبا علي : استجمر بهذا ؛ فإنما أنت من النساء .
فرد أمية : قبَّحك الله و قبَّح ما جئت به .
ثم لم يجد أمية بداً من الخروج مع الغزاة ، فخرج لحتفه هو و عقبة في بدر .
 

وعقب فتح مكة فر عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن ، ثم جاءت به زوجته أم حكيم ؛ بعد أن استأمنت له رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لما حضر عكرمة قال : إلامَ تدعو يا محمد؟ قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عد خصال الإسلام، فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمرٍ حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا ، ثم قال عكرمة : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، فسُرَّ بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم قال: يا رسول الله علمني خير شيء أقوله ، قال: «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله» قال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقول: أُشْهِدُ الله و أُشْهِدُ من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد» فقال عكرمة ذلك.
 

فقال رسول الله: «لا تسألني اليوم شيئا أُعطيه أحدًا إلا أعطيتكه» فقال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسير وضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك ، فاغفر له ما نال مني من عرض، في وجهي أو وأنا غائب عنه» فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله ، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله, ثم اجتهد في القتال حتى قُتل شهيدًا ). مغازي الواقدي .
 

و فيما بين الموقفين ندرك نعمة الإيمان التي تمنحنا الحركة نحو المعالي في الدنيا و الآخرة ؛ فالمسلم هو الوحيد  الذي يعلم أن الدنيا فانية والأعمار مكتوبة محدودة و أن هذا الطريق هو طريق الله و ما يحوزه فيه أعلى قيمة من كل شيء و أن الله خير و أبقى .
 

أما الدنيا فالله يعطيها لمن أحب و مَن لا يحب و لا يعطي الدين إلا لمن أحب و لأجل هذا فإن هذا الدين لا يرضى لأتباعه إلا أن يسموا بمعانيه الراقية إلى المستويات الراقية في الإيمان و العطاء  ؛ فيستطلق طاقاتهم كى لا يخلف المعاني هاجعة لا تتحرك .
 

و قد عبَّر الأستاذ البنا عن ذلك فقال : ( إنما نعلن في وضوح و صراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام ؛ فليبحث له عن فكرة أخرى يدين بها و يعمل لها ) . رسالة الى الشباب  .
 

( و إن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا و تنهض لمهمة كمهمتنا و تواجه واجبات كتلك التي نواجهها لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال و الأماني و إنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف و صراع قوي شديد بين الحق و الباطل و بين النافع و الضار و بين صاحب الحق و غاصبه و سالك الطريق و ناكبه و بين المخلصين الغيورين و الأدعياء المزيفين و أن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد و الجهد هو التعب و العناء و ليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره و عند الصباح يحمد القوم السرى ،و ليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة و العزيمة القوية الصادقة و السخاء بالتضحيات و الإقدام عند الملمات و بغير ذلك تغلب على أمرها و يكون الفشل حليف أبنائها ) رسالة \” هل نحن قوم عمليون ؟ \”.
 

وقد قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقعقاع بن عمرو في حوار معه حين سأله الرسول الكريم :
ماذا أعددت للجهاد ؟
فأجاب : طاعة الله و رسوله و الخيل .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : \” فتلك الغاية \” .
x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...